عندما يتحدث رجل فى حجم وثقل وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق.. عندما يتحدث ويقول إنه يستشعر منذ ستة أشهر وجود مخطط خارجى لإسقاط الشرطة واستنساخ أحداث ما بعد ثورة 25 يناير من انفلات أمنى وفوضى وانهيار ! وعندما يؤكد نائب بمجلس النواب حاز على ثقة الناخبين بجدارة.. عندما يؤكد أن حادث مقتل سائق الدرب الأحمر مخطط استخباراتى أجنبى! وعندما يطل علينا من جديد الناشط السياسى الذى لا يحبه الناس ولا يثقون به.. بعد غياب طويل عن المشهد.. عندما يطل علينا من جديد يهدد ويتوعد جهاز الشرطة! عندما يحدث كل ذلك فى وقت واحد فنحن فى خطر عظيم! ملامح هذا الخطر تُعبِّر عن نفسها بقوة من خلال الأحداث الأمنية التى وقعت مؤخرًا.. ومن خلال التركيز عليها بإصرار شديد وعجيب! الأحداث الأولى هى حادثة الدرب الأحمر التى راح ضحيتها سائق أطلق عليه أحد أفراد الشرطة الرصاص على أثر مشاجرة.. فأرداه قتيلا. الحادثة فى الواقع مليئة بالملاحظات الغريبة التى لا نستطيع تجاهلها.. الملاحظة الأولى أن الحادثة تم تسويقها إعلاميًا على أن مرتكبها أمين شرطة.. مع أن مرتكبها رتبته رقيب أول.. والحقيقة أن كل الحوادث التى وقعت بعد ذلك تم تسويقها بنفس الطريقة.. أمناء الشرطة هم الجناة.. مع أن كل الحوادث التى ارتكبها أمناء الشرطة لا تزيد عن حادثين أو ثلاثة على الأكثر من بين سبع أو ثمان حوادث. الملاحظة الثانية هى تجمع عدد من أهالى المنطقة حول مديرية أمن القاهرة للتعبير عن احتجاجهم وغضبهم وترديدهم لشعارات تتهم الداخلية بالبلطجة.. وهى نفس الشعارات التى كانت تستخدم عقب أحداث 25 يناير.. والتى عادت للظهور فى اجتماع الجمعية العمومية للأطباء مؤخرًا. ملاحظة ثالثة تتعلق بالمحتجين.. فقد أكدت مصادر أمنية أن عددًا منهم ليس من أبناء الدرب الأحمر.. كما لاحظت المصادر الأمنية أن السبب الرئيسى فى تجمع هؤلاء المحتجين هو شكوكهم فى قيام أجهزة الأمن بتهريب مرتكب الحادث.. فلما تأكد للمحتجين أن الشرطة ألقت القبض على الجانى وأنه يعامل مثل أى متهم بارتكاب جريمة قتل.. انفضت التجمعات من حول مديرية أمن القاهرة. وتقودنا كل هذه الملاحظات إلى نتائج مهمة ومؤكدة.. أولها أن هناك محاولة لشيطنة أمناء الشرطة والوقيعة بينهم وبين المواطنين.. وفى نفس الوقت الوقيعة بينهم وبين جهاز الشرطة. ثم إنه من الواضح أن الإعلام سواء بقصد أو بغير قصد.. وسواء بُحسن نية أو سوء نية.. فى تضخيم الحادث وتسويقه على أنه مقدمة لثورة جديدة وافتتاحية لسقوط آخر لجهاز الشرطة. بعض القنوات الفضائية الداخلية والخارجية حاولت تصوير الأمر وكأن أمناء الشرطة يقتلون الناس فى الشوارع.. كأنها ظاهرة.. فإذا عرفنا أن كل حوادث القتل التى ارتكبها أفراد من الشرطة خلال الفترة الأخيرة لا تزيد عن حادثتين.. وإذا علمنا أن معدل جرائم القتل فى مصر يصل إلى ألفى جريمة سنويًا.. فإننا أمام مبالغة واضحة ومقصودة. وليس معنى ذلك أننى أبرر ارتكاب أفراد الشرطة لجرائم القتل لكن فرد الشرطة فى النهاية بشر مثل باقى البشر. وبعد ذلك يبدو واضحًا أن هناك محاولات مستميتة لتحريك الشارع ضد الشرطة سواء بالشائعات أو بالتسويق الإعلامى الممنهج. وانتقل إلى الحادثة الثانية.. *** تابعت هذه الحادثة من خلال أحد البرامج الفضائية.. والحادثة التى وصفها مذيع البرنامج بأنها كارثة ومصيبة هى صدور حُكم قضائى بالحبس على طفل لا يزيد عمره على أربع سنوات! المذيع أطال واسترسل فى التنويه على أن الحادث دليل على ممارسات الشرطة الخاطئة.. وحاول تصوير وتسويق الحادث على أن الشرطة تحاول بالفعل القبض على الطفل وإيداعه السجن لتنفيذ الحكم القضائى! فى نفس الوقت حاول والد الطفل الذى استضافه البرنامج والذى ظهر محتضنًا ابنه الصغير الذى كان واضحًا أنه استسلم للنوم.. حاول إقناع المشاهدين بأنه «ميت من الخوف» على ابنه الطفل الصغير.. وعندما قام أحد المسئولين بوزارة الداخلية بالاتصال بالبرنامج والتأكيد على أنه من المستحيل أن يقدم أفراد الشرطة على الإضرار بالطفل.. انخرط الأب فى نوبة بكاء هستيرية ميلودرامية لإقناع المشاهدين بأن خوفه أكبر من طمأنة السيد اللواء المسئول! كان الأب يحاول تسويق نفسه على أنه مواطن فقير معدم ساذج لكن بعض العبارات التى فلتت منه فضحت ادعاءاته.. حيث راح يؤكد أنه رفض كل العروض فى القنوات الخارجية حتى لا يسيئ إلى سمعة مصر! وأضافت أم الطفل من خلال مداخلة تليفونية بُعدًا آخر للقصة حيث زعمت أن رجال الشرطة حضروا إلى منزلها خلال عرض البرنامج للبحث عن الطفل وإلقاء القبض عليه (!!!). ونعرف بعد ذلك أن القصة كلها لها علاقة بأحداث التظاهر التى وقعت بالفيوم والتى قامت خلالها جماعة الإخوان بالاعتداء على مبان حكومية وتدميرها. ومرارًا حاول المسئولون الذين اتصلوا بالبرنامج التأكيد على أن هناك خطأ وقع إما فى اسم الطفل أو فى التحريات التى قام بها جهاز الشرطة فوضعت اسمه خطأ بين المتهمين، لكن مذيع البرنامج كان شديد الإصرار على أن ما حدث كارثة محاولا تصوير ضباط وأفراد الشرطة على أنهم إناس نزعت من قلوبهم الرحمة.. أما والد الطفل فلم يتوقف عن البكاء والتظاهر بأنه مرعوب على طفله الذى سيتم القبض عليه وحبسه!! وتخرج من الواقعة بانطباع واحد.. أن هناك مؤامرة واضحة المعالم لإسقاط جهاز الشرطة! *** ليس خافيًا على وزير الداخلية وقيادات الوزارة إبعاد المؤامرة التى يواجهها جهاز الشرطة.. لكن ذلك لا يعفيهم جميعًا من تحمل مسئولياتهم.. وأهمها ضبط الإيقاع حتى نسد على المتآمرين كل الأبواب التى يمكن أن ينفذوا منها!