سنوات طويلة والإهمال والتقصير والفساد هو عنوان المحليات فى كل محافظات الجمهورية، رغم أهمية الدور الذى تلعبه فى حياة كل المواطنين، وللأسف لم تنجح الدولة فى حل معضلة المحليات التى إذا انصلح حالها سوف يتم حل غالبية مشاكل المواطنين. تعد قضية المحليات هى المدخل الحقيقى للتنمية لمسئوليتها المباشرة عن كل الخدمات المقدمة للمواطن المصرى، وهى البوابة الرئيسية لكل المطالب الشعبية والتى تمثل نسبة كبيرة من المشاكل التى يعانى منها المجتمع المصرى بكل فئاته، فالمحليات هى المسئولة عن كل الخدمات التى تقدم سواء فى التعليم.. أو الصحة.. أو التموين.. أو النظافة.. أو البيئة.. أو برامج التنمية الاجتماعية وقضايا العشوائيات، ولذلك تعد المحليات هى المدير التنفيذى لكل الخدمات التى تقدم فى الحياة اليومية للمواطن المصرى، ومن هذا المنطلق أصبحت هى عصب الدولة ومعيار تقدمها.. فإصلاح منظومة المحليات فى مصر هو المستقبل الحقيقى للدولة المصرية من خلال وضع استراتيجية شاملة تنطلق من أهداف محددة، ويكون هناك رؤية واضحة لإعادة هيكلة وحدات قطاع المحليات، لأن ما يحدث من إلغاء الإدارات أو الهيئات هو طابع عشوائى دون دراسة للآثار المترتبة على ذلك، وبما أن المحليات هى عصب الدولة المصرية ومعيار تقدمها وتطورها، فلابد أن يوضع فى الاعتبار أن كل برامج الإصلاح الاقتصادى أو الاجتماعى لن تنجح بدون جهاز إدارى قوى يواكب عمليات التطوير والتنمية المستهدفة.. لأنها هى الفاعل والمحرك الرئيسى فى خطط وبرامج التنمية ولا يمكن لهذه الخطط والبرامج أن تحقق أهدافها إلا إذا توافر جهاز إدارى قوى قادر على تحمل مسئولياته والتزاماته بشكل كفء.. وهذا لا يتأتى إلا بإعطاء اختصاصات ومسئوليات للمسئولين بالمحليات تساعدهم على تنفيذ مهامهم، ورغم أن القانون 43 لسنة 79 الخاص بالإدارة المحلية أعطاها بالفعل إلا أن هذا فى الواقع لم ينفذ مما جعل الأداء على المستوى المحلى يتسم بالبطء والبيروقراطية وعدم الاستمرارية، وارتبط أصحاب المصالح بمعظم الأعضاء، مما أثر على القرار المحلى وتسلل العديد من موظفى الإدارات المحلية إلى عضوية تلك المجالس لتحقيق أهدافهم الشخصية! ولا يمكن الحديث عن نظام صحيح للإدارة المحلية فى مصر دون ارتباطه بنظام لا مركزى للحكم.. لأن الأمور لن تتحقق إلا فى وجود حكومة قوية قادرة على الرقابة والمتابعة، لأن فساد المحليات هو فساد للدولة والارتقاء بها يضع الدولة فى مكانة متميزة بين الأمم، ولابد من تحقيق التوازن فى السلطات بين المجالس المنتخبة والمجالس التنفيذية المعينة ووضع آليات لمتابعة أداء المجالس الشعبية من قبل المجتمع المدنى.. وسن قانون جديد للإدارة المحلية يتضمن مواد محددة وواضحة تتقدم نحو اللامركزية.. والتدريب الجيد للمرشحين لتلك المجالس، وذلك من خلال الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى، والعمل على نشر ثقافة المحليات داخل المجتمع المصرى إذا كانت هناك إرادة حقيقية لوجود مجلس محلى قوى يضمن حل مشاكل المواطنين وتنفيذ الخدمات داخل مختلف المصالح بالمحافظات.. ولكن رغم أهمية ذلك إلا أنه من الأهمية أيضا توعية المواطنين بأهمية الاختيار الجيد لأعضاء المجالس المحلية القادمة، وذلك لمنع تكرار أخطاء ما قبل الثورة ولمنع خلق مجلس محلى لا يدرك أدنى اختصاصاته، ومن أهم معايير الاختيار الجيد البعد عن العصبية والقبلية فى الاختيار، حيث إن أكبر مشكلة تواجه مصر تحكم العائلات فى اختيار المجلس المحلى وتحرك القبيلة أو القرية فى الاختيار بنظرية «دا بن البلد وفاهم كل حاجة».. وهذا من أكبر الأخطاء التى نقع فيها عند الاختيار فليس من الضرورى أن يكون ابن البلد أو القرية هو الذى يدرك كل مشاكل المنطقة ويكون مؤهلا للترشح لانتخابات المحليات القادمة بل يجب أن يكون المعيار للترشح.. مدى الخبرة والوعى وقبل كل ذلك الكفاءة فى تبنى أفكار بناءة لحل المشكلات التى تعانى منها المحافظات. إن المحليات هى عصب الدولة التى تسيطر على مفاصلها الدقيقة فى كل المحافظات، فهى المنوط بها تنظيم الشوارع والمحافظة على نظافة القرى والمدن والأحياء السكنية، وكذلك هى المسئولة عن كل المرافق فى المحافظة، وتقوم بدور مهم فى الرقابة على المخالفات فإذا فسدت فسد كل شىء وانهارت الدولة..