خير فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما كلف قطاع البنوك بالبدء فى ضخ 200 مليار جنيه تمويل ميسر بفائدة 5%، وذلك لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال السنوات الأربع المقبلة، لما يمتلكه هذا القطاع من فرص واعدة، لكونه يعد الركيزة، التى يتم من خلالها خلق المزيد من فرص العمل للشباب وخفض نسب البطالة والارتقاء بمستوى الدخول، وزيادة الناتج المحلى وتحفيز الصادرات، لكن ذلك مرهون بقدرة الحكومة على تحفيز القطاع، الذى يمثل أكثر من 70% من الاقتصاد، وذلك بإقرار المزيد من الحوافز سواء التمويلية أو غيرها. وتأتى المبادرة فى توقيت يشكو فيه خبراء الاقتصاد من تراجع الدور التنموى للبنوك، نتيجة لجوئها إلى توظيف القدر الأكبر من ودائعها فى أذون الخزانة والسندات الحكومية والتوسع فى القروض الاستهلاكية، مما يؤثر سلبا على حجم محفظة القروض الاستثمارية، التى تقل فى مصر عن 40% من إجمالى الودائع مقارنة بمعدلات عالمية تزيد على 60%، مما يفقدها دورها كإحدى أهم أدوات تمويل عملية التنمية، ومن ثم تأتى المبادرة لتنشط دور الجهاز المصرفى كشريك هام فى التنمية.بلغت إجمالى الودائع نهاية سبتمبر الماضى، نحو 1.843 تريليون جنيه مقارنة ب 1.809 تريليون فى أغسطس 2015، فيما بلغت إجمالى ألغير الحكومة نحو 671.3 مليار جنيه بنسبة 36.4% من إجمالى الودائع، مما يؤكد الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات، لدعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة. "مبادرة السيد الرئيس"، فى رأى د. رقية رياض، المستشار القانونى لاتحاد بنوك مصر، بارقة أمل ودفعة قوية لعجلة الإنتاج، لما تمثله الشركات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة من أهمية فى السوق، بما تمتلكه من قدرة على خلق فرص عمل كثيفة للشباب، بما يعنى خفض معدلات البطالة ورفع بمستوى دخول الأفراد وزيادة الناتج المحلى وتحفيز الصادرات. وأن المبادرة تأتى فى إطار استراتيجية متكاملة تقوم عليها الحكومة لدعم وتحفيز هذا القطاع، وجاء ضمنها إصدار القرار بقانون رقم "115" لسنة 2015، الخاص بتنظيم الضمانات المنقولة، لتفعيل التمويل والإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وتفعيل نشاط التأجير التمويلى من خلال استخدام الأصول المنقولة مثل الآلات والبضائع والمعدات وغيرها، التى نظم القانون المذكور شهرها بالسجل كضمانة للحصول على التمويل. وأنه سوف يكون، وفقا ل" د.رياض"، عظيم الأثر فى تحفيز البنوك على زيادة التمويل المخصص للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكونه يقلل من مخاطر تمويل تلك الجهات، وبالتالى يخفض نسبياً تكاليف الائتمان. أمر إيجابى المضى قدما فى تنشيط الدور التمويلى للبنوك، أمر إيجابى فى مجمله كما قال د. فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، مشيرا إلى أن دور البنوك الأساسى العمل على توفير التمويل للقطاع الخاص وليس تمويل عجز موازنات الدول، وأن إجمالى الودائع بالبنوك العاملة فى مصر تفوق ال 1.8 تريليون جنيه، وأن الموظف منها فى القروض أقل من 40%، بما يعنى أن البنوك تعانى قصورا فى تمويل عملية التنمية. معظم البنوك تستسهل الاستثمار فى سندات الحكومة وأذون الخزانة، لما يترتب عليها من عوائد معتبرة بنسب مخاطرة أقل، فى حين يحتاج الاقتصاد إلى بنوك أكثر إيجابية، بالمضى قدما فى اتخاذ كل ما يلزم من اجراءات لزيادة حجم محفظة الإقراض للقطاع الخاص، الذى أصبح مسئولا عن 70% من التنمية الاقتصادية. نجاح مبادرة الرئيس السيسى فى دعم القطاع، مرهون، بحسب د. الفقى، بضرورة العمل على تدريب وتأهيل الشباب الراغبين فى الدخول إلى عالم الأعمال لضمان نجاح مشروعاتهم بما يحقق قيمة مضافة للاقتصاد ويحفظ حقوق المودعين طرف البنوك، فضلا عن أهمية العمل أيضا على تخفيف وطأة البيروقراطية المصحوبة بالفساد على هذا القطاع. وعلى صعيد النتائج، فإن المضى قدما فى تطبيق البرنامج، والكلام ل"د. الفقى"، يترتب عليه تعزيز نمو الاقتصاد، مما يجعل المبادرة لا تقل أهمية عن المشروعات القومية الكبرى، خاصة أن فرص نجاح المشروعات الصغيرة والمتوسطة كبيرة للغاية نظرا للكثافة السكانية، ما يجعل أى صناعة صغيرة مؤهلة للنجاح، بحيث تعوض الكثافة السكانية أى ركود اقتصادى عالمى محتمل. بنك جرامين وتساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفقا ل"د. سالى فريد، مدرس الاقتصاد بجامعة القاهرة"، بنحو 80 % من الناتج المحلى الإجمالى، وتوفر أكثر من 80% من إجمالى فرص العمل، ومن ثم فإن تنمية القطاع إحدى ركائز الإصلاح الاقتصادى خاصة فى ظل الزيادة السكانية المطردة، لما تمتلكه هذه النوعية من المشروعات من قدرة على توفير فرص عمل للشباب المتعطل، لكن هذه القدرة مرهونة بتوافر مناخ استثمارى جيد، يوفر المزيد من الفرص الاستثمارية الجادة، التى تشجع المستثمرين على اتخاذ قرار الاستثمار. المبادرة أمر إيجابى للغاية، لأنها توفر حلولًا ناجزة لأحد أهم مشاكل القطاع وهى مشكلة التمويل، حيث تحجم –دوما- البنوك على توفير التمويل لهذه النوعية من المشروعات، كونها بشكل عام تتصف بدرجة كبيرة من التباين فى معدلات النمو والأرباح والقدرة على الاستمرار فى السوق بالمقارنة بالمشروعات الكبيرة الحجم، وهو ما ينتج عنه ارتفاع درجة المخاطرة، ومن ثم توفر هذه المباردة قروضًا استثمارية وبتكلفة أقل لا تزيد على 5%. لكن التمويل وحده مش كفاية، بل يحتاج الأمر،بحسب د. سالى فريد، مزيدًا من العمل الجاد للوقوف على مشكلات القطاع وسبل النهوض به، ولا مانع فى ذلك أبدا من دراسة التجارب الدولية الناجحة مثل تجربة بنك جرامين أو بنك الفقراء فى ماليزيا، والسعى لنقل هذه التجربة الناجحة إلى مصر، خاصة أنه ليس عيبا أن نستفيد من تجارب الآخرين خاصة الناجحة منها، حتى لا يترتب على تنفيذ مبادرة الرئيس السيسى المزيد من المشروعات المتعثرة فى السوق، فالأمر يحتاج من الحكومة أن تبحث عن تجارب الإبداع والابتكار فى الداخل والخارج والعمل على تنفيذها داخل مصر بما يضمن النجاح. أزمة التمويل "التمويل"، فى رأى إبراهيم الغيطانى، الباحث الاقتصادى بالمركز الإقليمى للدراسات السياسية والاستراتيجية، يعد إحدى مشكلات قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وليست كل المشكلات، فالقطاع يعانى من جملة مشكلات تخلق مجتمعة مناخًا غير جاذب للاستثمار، فالبيروقراطية واستشراء الفساد وغياب الحوافز تجعل من قرار الاستثمار فى مصر أمر صعب للغاية، وبالتالى فإن صياغة استراتيجية لمواجهة مشكلات هذا القطاع يجب أن تضع فى الحسبان كل هذه المشكلات، علما بأن علاج هذا القصور قد يترتب عليه جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية. ف"اختصار مشكلات قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على أنها أزمة تمويل"، أمر يجافى الواقع، لأن التمويل ليس المشكلة الأكثر إلحاحا فى بيئة الاستثمار فى مصر، خاصة فى هذا القطاع الذى يمثل التمويل الذاتى فيه نحو 70% من إجمالى الاستثمارات، وأن تباطؤ النمو فى هذا القطاع يرجع إلى مشكلات مرتبطة فى غالبها بالبيروقراطية، التى تحول حياة المستثمرين فى هذا القطاع إلى جحيم، وبالتالى فإن الإفراط فى التفاؤل ليس فى صالح هذه المشروعات، فالمبادرة أمر إيجابى بالطبع، لأنها تتعامل مع جانب هام من المشكلة، لكنها لا تتعامل مع كل جوانب القصور. ومن ثم، فإن الأمر، بحسب الغيطانى، يحتاج إلى استراتيجية متكاملة تتعامل مع هموم هذا القطاع بشكل تكاملى بحيث يتم حصر مشكلاته ووضع الأولويات، ثم العمل على المواجهة بما يضمن مزيدًا من الفاعلية لهذا القطاع، الذى يمكن أن يساهم فى حال تحفيزه وتنشيطه بمعدلات نمو إضافية قدرها 2 أو 3% سنويا، وأنه من الضرورى أن تكون حريصة فى مساعيها لتنفيذ مبادرة ال200 مليار جنيه حتى لا يترتب عليها المزيد من المشكلات فى القطاع البنكى نتيجة زيادة معدلات التعثر. النجاح يمكن أن يتحقق، فى رأى د. عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادى، من خلال العمل على خلق نوع من الترابط العضوى بين المشروعات الكبيرة والصغيرة، بحيث يتم إقامة ورش صغيرة لتصنيع مكونات انتاج المصانع الكبيرة. فالعمل بهذه الفلسفة، وفقا ل"د. فاروق"، قد يكتب النجاح لهذه المبادرة، التى قد تضع البنوك فيها بعض العراقيل أمام الاستمرار فى تنفيذها، نظرا لأن البنوك تخشى التوسع فى اقراض هذه المشروعات ذات المخاطرة العالية، فضلا عن تدنى نسبة الفائدة مقارنة بعوائد بنود الاستثمار الأخرى وعلى رأسها السندات وأذون الخزانة الحكومية، ومن ثم فإن التحدى سوف يكون مرتبط بمدى قدرة البنوك على الاستمرار فى تنفيذ المبادرة بضح 50 مليار جنيه سنويا للوصول بمعدل اقراض قدره 20% علما بأن النسبة الآن أقل من 6%.