لماذا نرى الأحزاب القائمة، وكوادرها، والنخب السياسية المتشاكسة على الساحة أصغر من الظرف الراهن الذى تمر به مصر؟! لماذا نرى حركتهم المهرولة نحو غنائم البرلمان القادم تعكس عدم إدراك الأزمة على مستوى الداخل، والتحدى القادم عبر الحدود القريبة منا والبعيدة؟! لماذا لاتعكس شعارات الأحزاب.. أقول الشعارات وليس البرامج.. الإحساس بالبُعد القومى وهو يمثل دائرة مهمة للغاية فى أمن مصر القومى؟! أم ترى أن الأحزاب ورجالها وكوادرها تركوا هذا الهم للرئيس السيسى ضمن قضايا أخرى كثيرة لم تلتفت إليها على أهميتها لتثبت هذه النخب التى تمارس السياسة أنها بالفعل لاتدرك حقيقة التحديات أو أنها أقل من أن تضطلع بمسئولياتها تجاهها؟!.(1) حزب المصريين الأحرار فى حركته الطاوسية المختالة منذ إعلان فوزه ب (65) مقعدًا من (596) هى عدد مقاعد البرلمان وهى نسبة تصويتية تساوى تقريبا 11% ولا تتفق مع البروباجندا التى يثيرها، ويطرح من خلالها المصريين الأحرار نفسه حزب الأغلبية الذى يحق له عبر بعض التحالفات أن يُشكِّل الحكومة، أو على الأقل يلعب دور المعارضة فى برلمان يٌروج أنه منزوع الدسم. والحقيقة أن «المصريين الأحرار» لن يتاح له بحكم الواقع أن يُشكِّل حكومة، ولن تكون معارضته مؤثرة خاصة إذا جنحت عن المصالح الوطنية التى سوف تتبناها أغلبية أعضاء البرلمان الحزبيين والمستقلين، وأن الصخب الذى يثيره المصريين الأحرار الآن أشبه بصوت الطبل وشغل «بولتيكا» أو كما قالها رئيس الحزب السابق أحمد سعيد: «شغل سياسة» بينما أرى أن التصريحات الأخيرة الصادرة عن القائم بأعمال رئيس الحزب عصام خليل جزء من الهدف منها محاولة للإعلان عن حضوره فى المشهد لعله ينوى الترشح لمنصب رئيس الحزب المقرر انتخابه نهاية الشهر الحالى. وفى ذات الوقت تأتى هذه التصريحات أشبه بالهرمونات التى يتعاطاها مراهقو «الجيم» لنفخ العضلات، وهذا ما يسعى إليه «المصريين الأحرار» أن تبدو عضلاته أكبر من حجمها الحقيقى، وأكثر بروزًا فى ساحة الألعاب السياسية التى ينتشر فيها بائعو الوهم كما ينتشر بائعو الهرمونات التى تدمر أجهزة الجسم فى صالات الحديد الشعبية. (2) من باب النفخ أيضًا ما أعلنه - الأسبوع الماضى - «المصريين الأحرار» عن أجندته التشريعية الذى سوف يتبناها فى البرلمان القادم وعلى رأس قائمة مشاريع القوانين التى أعلن الحزب أنه سوف يطرحها ويتبنى إصدارها خلال الفصل التشريعى الأول للبرلمان، قانون بناء الكنائس، والقانون الثانى على القائمة يتعلق بالعدالة الانتقالية، والقانونان منصوص عليهما فى المادتين 235 و241 من الدستور، ومنصوص أيضًا أن يصدر القانونان خلال الفصل التشريعى الأول من دور الانعقاد لمجلس النواب، أكثر من هذا فى لقاء ضم المستشار مجدى العجانى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب والبابا تواضروس خلال الأسبوع الماضى أكد المستشار للبابا أن وزارة الشئون القانونية بصدد الانتهاء من قانون تنظيم وبناء الكنائس ليصدر فى ميعاده الذى نص عليه الدستور، والسؤال: ماذا تبقى لحزب ساويرس فى هذا الشأن؟! الحكومة هى التى سوف تطرح القانون الذى يترجم مادة دستورية، وأتصور أن القانون المشار إليه لن يخرج كثيرًا فى مواده أو روحه عن قانون دور العبادة الموحد حبيس الأدارج منذ سنوات.. والآن ماذا تبقى لحزب ساويرس؟! وهل يأتى إعلان الحزب بشأن تبنيه لهذا القانون على أولوية أجندته التشريعية من باب المزايدة الطائفية والبحث عن بطولة؟! وإذا كانت النوايا يعلمها الله، فالأفعال والأقوال دليل على النوايا، وما أتمناه هو ألا يتاجر «المصريين الأحرار» بهذه القضية لأنها لا تحتمل المتاجرة بسبب حساسيتها وبسبب آخر مهم هو أن الغرب يترصد - الآن وبشدة - مثل هذه القضايا ليسىء استخدامها ضد مصر فلا داعى لأن نمنحه فرصة لتعكير مياهنا. أما قانون العدالة الانتقالية فأرجو أن يخرج من البرلمان ليحدث فى المجتمع أثرا إيجابيا فى قيمة التسامح، ومنح ضحايا الماضى التعويض اللائق وليس الإنجرار لشهوة الانتقام بدعوى الاحتكام لمعايير دولية.. بل يجب أن نحدد نحن المعايير التى تناسب حالتنا وظروفنا على أرضية وطنية. (3) أعترف أننى منحت صوتى الانتخابى لقائمة «فى حب مصر» انتظارا منها لرتق الفتق البرلمانى المنتظر، فعلتها رغم تحفظى على تضمين القائمة لأعضاء من حزب المصريين الأحرار وهذا اعتراف ثان، وإن كان موقفى من الحزب معلن قبل الانتخابات وبعدها وقد ذكرته فى مقالات سابقة أحدثها مقالى المنشور فى هذه الصفحة من «أكتوبر» بتاريخ الأول من شهر نوفمبر الماضى تحت عنوان «من برلمان المرشد إلى برلمان ساويرس» وأدعى أننى كنت فى طليعة المحذرين من سعى حزب ساويرس للمغالبة البرلمانية (على طريقة الإخوان) وليس المشاركة للمصلحة العامة، واعترضت على توجهات الحزب المعلنة فى برنامجه بشأن الهوية المصرية واللعب الخبيث جدًا فى هذه المسألة، وأؤكد هنا أن الأيام القادمة سوف تكشف للمخدوعين فى الحزب حقيقة توجهاته ، والخطاب موجها للمنخرطين فيه والذين منحوه أصواتهم . ولقد حمل ائتلاف «فى حب مصر» ثمانية من أعضاء حزب ساويرس على جناحه، وما أن انتهت الانتخابات وربما قبل جولة الإعادة فى المرحلة الثانية وتأكد الحزب من نجاح أعضائه على قوائم الائتلاف ووصولهم إلى مقاعد البرلمان حتى أعلن «المصريين الأحرار» عن بحثه منفردا عن دور البطولة فى برلمان يجب أن يبحث كيف يدعم استقرار الدولة .. الدولة وليس النظام، على غرار ما سبق، وهو ما يرفضه تماما الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه، وينادى فى كل مناسبة (وأنا مصدقه) أنه قد انتهى عهد النظام وحضر عهد الدولة.. دولة القانون.. والديمقراطية .. حسنًا.. لكن الديمقراطية ليست فقط الموالاة، ولابد أن تكون هناك معارضة، ومعارضة قوية أيضًا، فهل هناك مثل هذه المعارضة فى البرلمان القادم؟! خيال السادة السياسيين لم يسعفهم إلى الإجابة عن هذا السؤال، وحتى اللحظة لم يصدر عن النخب تصور عن شكل وكيفية هذه المعارضة على أرضية وطنية؟! وفى مقابل هذا كيف تكون المولاة دون الانزلاق لمرض التزلف والنفاق والموافقة على طول الخط وهو مرض وراثى برلمانى مصرى خالص، لقد طُلب من الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يوجد له ظهيرًا سياسيًا، بينما طلب الرجل أن يكون هذا الظهير وطنيًا من الشعب ممثلاً فى نوابه. (4) وتأسيسا على ما سبق مطلوب من نواب الشعب فى البرلمان أن يثبتوا للمصريين أنهم بالفعل على قدر المسئولية، والوعى، وأنهم قادرون على أن ينقلوا العملية السياسية فى مصر إلى مربع متقدم على موقعها الحالى، وذلك من خلال ممارساتهم تحت قبة البرلمان ولن يحدث هذا إلا باكتسابهم مزيد من الوعى وتنازلهم عن قليل من السعى للتميز والبحث عن المصالح الخاصة الضيقة أو مصالح الشلة والأهل والعشيرة (الكلام للكافة وليس لأعضاء حزب النور فقط) ، ومطلوب منهم أيضا مراجعة التوجهات التى لا تناسب هذا المجتمع وفى هذا الصدد تحديدًا انبه تنبيها أخيرا وهو أنه على أجندة «المصريين الأحرار» التشريعية هناك قانون إنشاء مفوضية مستقلة للتمييز، وهو مطلب ليس بجديد، وقادم من خارج الحدود، وقد تبناه قبل ثورة 25 يناير 2011 أصحاب البرامج التى مولتها دولارات الخارجية الأمريكية للسماح للبهائيين وشهود يهوه والبوذيين والشواذ بالإعلان وترتيب حقوق لهم، وهذا ليس فقط ضد قيم هذا المجتمع التى وعد الدستور بالحفاظ عليها ولكن أيضا ضد الأمن القومى، وعلى الرغم من هذا فهذه المطالب جزء أصيل من برنامج عمل الليبراليين الجدد.. وللمزيد يمكنكم العودة لكليبات «ساويرس» على «اليوتيوب».