أبناء دار المعارف..لا يعتبرونها مجرد مبنى على كورنيش النيل، أو مؤسسة يتقاضون منها رواتبهم بنهاية كل شهر. وإنما هى- بالنسبة لهم- ماضٍ يفتخرون بالانتماء إليه، وحاضر يعيشونه.. ومستقبل يستشرقونه.. وحاليا يحاول المخلصون من أبنائها- عمالا وإداريين وصحفيين- إعادة تصويب أوضاعها، وضبط بوصلة حركتها.. لكى تعود بقوة على «الطريق» الصحيح.. حتى يرتاح مؤسسها وابنه من بعده فى قبرهما، فقد تسلمتها «أيدٍ أمينة» من أبناء الدار??!وقد تكون دار المعارف أصابها بعض «المرض» ولكنها ستشفى وتعود قوية وستظل منارة المعرفة وشعاع الثقافة المضىء فى مصر والعالم العربى. فنحن نستعد الآن للاحتفال بمرور 125 عاما على تأسيس هذا الصرح العظيم.. باحتفالية ضخمة تقام فعالياتها صباح ومساء الأحد الموافق 27 ديسمبر الجارى. وقد دعونا لتلك الاحتفالية جمعا غفيرا من محبى دار المعارف فى مصر والبلاد العربية من شعراء وكُتّاب ومؤلفين ونقاد. وقد أسعدنا أن نجد تعاونا كبيرا من وزارة الثقافة المصرية ومؤسساتها المختلفة بقيادة الصديق العزيز صاحب الثقافة العميقة والمتنوعة الزميل حلمى النمنم.. الذى أتاح كل إمكانات الوزارة ومؤسساتها لإنجاح تلك الاحتفالية. كما وجدنا ترحيبا وحماسة بالغة من مؤسسات مصرية وعربية للمساهمة فى هذا الاحتفال.. فقد اعتبرها البعض «حدثا» ثقافيا مهما.. وحسن ختام لهذا العام الذى عانت منه الكثير من العواصم العربية والعالمية من أحداث إرهابية.. وحروب داخلية أتت على الأخضر واليابس فى بعضها. وقد خططنا أن تتضمن الاحتفالية.. جلسة ثقافية فى صباح يوم الاحتفال.. يفتتحها وزير الثقافة ويتحدث فيها بعض الأشقاء العرب والخبراء المصريين ومنهم أحمد شبيب الظاهرى من الإمارات، والسفير اللبنانى فى القاهرة ود. جلال أمين الكاتب الشهير نجل المرحوم الأديب الكبير أحمد أمين أحد من قامت نهضة دار المعارف فى بدايتها على أكتافهم، ثم د. عبدالحكيم راضى.. أهم من تولوا تحقيق التراث العربى الذى أعادت دار المعارف نشره فى سلسلة قيمة تحت «ذخائر العرب» وأيضا الأستاذ يعقوب الشارونى.. الكاتب الأشهر فى أدب الأطفال وأحد المسئولين الذين تولوا مسئولية هذا الفرع من الأدب فى دار المعارف فى سنوات سابقة، ثم د.نصر عارف المصرى الأصيل والباحث المعروف فى التاريخ والأدب العربى. ??? كما أعددنا فيلما «وثائقيا» عن دار المعارف يحكى بدايتها بنهاية القرن الماضى بشارع الفجالة على أيدى الشريكين- وقتها- نجيب مترى وجورج زيدان تحت اسم «مطبعة المعارف» إلى أن تخارج الأخير وأسس «دار الهلال» الحالية، ثم يرصد الفيلم عمليات التطوير التى قام بها شفيق مترى نجل المؤسس وتعاونه فى ذلك مع نخبة مميزة من كبار الأدباء والمؤلفين المصريين منهم د. طه حسين وعباس العقاد وحسين فوزى وحلمى مراد وجمال العطيفى وعادل الغضبان وغيرهم. ويتناول الفيلم كذلك نشأة المبنى الحالى بكورنيش النيل وما يضمه من إدارات مختلفة وأنشطة متنوعة، كذلك مكتبات المؤسسة المنتشرة فى جميع محافظات مصر.. وخطط التوسع على الأرض التى تملكها المؤسسة بمدينة 6 أكتوبر. وبالطبع سوف يستعرض الفيلم.. ومعرض الكتب الذى سيقام على هامش الاحتفالية أهم إصدارات دار المعارف من سلسلة الذخائر.. ونوابغ الفكر العربى، ونوابغ الفكر الأجنبى، وسلسلة المكتبة الخضراء، وأعداد مجلة السندباد.. وكانت أول مجلة تصدر للأطفال فى مصر والعالم العربى.. وأيضا سلسلة «اقرأ» الشهير.. والتى لا يوجد أحد له علاقة بالثقافة أو القراءة بصفة عامة إلا ويحتفظ بأعداد متتالية من إصداراتها المختلفة فى كافة مجالات المعرفة.. ويكفى الإشارة هنا لبعض مؤلفى هذه السلسلة.. ومنهم نجيب محفوظ، ود. شوقى ضيف، د. مصطفى محمود، توفيق الحكيم، يحيى حقى، بنت الشاطئ، د.عبد الحليم محمود، أنيس منصور.. وغيرهم.. ??? وسوف تختتم الاحتفالية بحفل فنى مساء بدار الأوبرا تحييه فرقة الموسيقى العربية، ويتم فيه أيضا تكريم الرواد من المؤلفين، وبعض رموز الثقافة المصرية والعربية. ونأمل بهذه الاحتفالية أن نحقق لمؤسستنا العريقة بعضا مما تستحقه من التقدير لماضيها والاهتمام بحاضرها والعمل من أجل مستقبلها.. الذى نتوقع أن يكون مشرفا.. إن شاء الله.. بجهد شبابها المتحمس والمجتهد. ??? تبقى الإشارة إلى أن ما نقوم به حاليا تجاه مؤسستنا العريقة.. ما هو إلا «رد الجميل» لهذا الصرح الثقافى.. دار المعارف، فقد اكتسبنا عادة القراءة المنتظمة من خلال متابعة سلسلتها الشهرية «اقرأ»، كما نهلنا من تراثها الكثير.. وخاصة سلسلة «الذخائر» التى تضم جواهر المؤلفات العربية ودواوين كبار الشعراء العرب الأوائل، وعلى سبيل المثال، فقد استعنت بدواوين الشعراء الصادرة عن المؤسسة وأنا أعد كتابى «قليل من الشعر.. كثير من العشق».. والذى تضمن سيرة الشعراء العرب القدامى، فقد كنت أتعامل مع تلك الدواوين كالظمآن حتى يشرب.. والجائع حتى يأكل.. واستمر فى قراءتها بشغف رهيب حتى يغلبنى النعاس، فلم أكن أطيق مفارقتها.. قبل أن أتم قراءتها واستيعابها بالكامل. نعم.. صدق الآباء المؤسسون عندما صكوا شعارنا الأثير: «خد المعارف من دار المعارف».