لا أعتقد أن هذا العنوان به أى تجاوز دينى، فأنا أعلم تماما أن الحج لبيت الله.. لمن استطاع إليه سبيلا، هو أحد أركان الإسلام الخمسة.. وبيت الله هنا هو الكعبة المشرفة قبلة المسلمين الذين يولون وجوههم نحوها فى الصلاة أينما كانوا. وإنما قصدت بهذا «العنوان» المجازى أن أعطى «دار المعارف».. تلك المؤسسة العريقة التى أنتمى إليها شيئا مما تستحقه.. فهى أقدم دار نشرف عربية.. وتمتلك حوالى 20 ألف عنوان فى مختلف فروع ومجالات المعرفة، وما من أحد من الأجيال السابقة أو اللاحقة له علاقة بالثقافة أو التعليم العام أو حتى قراءة الصحف والمجلات إلا وكانت له علاقة حميمة بالإصدارات «الذهبية» لدار المعارف.وكنا ومازلنا نحفظ شعارها المعروف.. خذ المعارف من دار المعارف. ولكن وهو استدراك غير محبب- دار المعارف مثلها مثل غيرها من الكيانات المعمرة.. ككيان اعتبارى شهدت مجداً وازدهاراً ثم فترات تراجع وانكسار، وللأسف الشديد.. كان المجد والانتشار فى فترة مؤسسها اللبنانى نجيب مترى.. وولده شفيق من بعده الذى انتقل بها- كمبنى- من ثلاث غرف بمنطقة الفجالة.. إلى المبنى الحالى والذى- يسد عين الشمس- بأرقى مناطق القاهرة وهو كورنيش النيل بمنطقة ماسبيرو. بينما كان التراجع والانكسار.. عندما تولى مسئوليتها مجموعة من المصريين لا علاقة لهم بطباعة الكتب ونشرها.. ناهيك عن تسويقها، بالطبع لا يمكن التعميم فى سوء إدارة كل من تولى مسئوليتها بعد التأميم فى فترة الستينيات، فبعضهم بذل جهودا كبيرة من حيث تجديد المطابع أو التوسع فى المكتبات والفروع أو إضافة مبنى آخر مجاور يضم أقدم مركز للتدريب فى مجالات التنمية البشرية فى مصر والوطن العربى وهو مركز «أراك» والذى نقوم حاليا بتطويره وإعادة الروح إليه. والكل يعلم أن الإخوة الشوام - كما يطلق عليهم- هم مؤسسو الصروح الصحفية القومية الحالية ومنهم آل تكلا مؤسسى الأهرام وآل زيدان مؤسسى دار الهلال وعائلة مترى مؤسسى دار المعارف، ولولا شطارة الأخوين أمين (على ومصطفى) وحظوة هيكل لدى قيادة ثورة يوليو.. للحقتا كل من أخبار اليوم والأهرام بدار المعارف.. وإن كان قد أصابهما بعضا من ذلك فى الخمس سنوات الأخيرة! ??? ومن حسن الحظ أن دار المعارف كانت عصية على الانكسار المدمر.. بسبب قوة النشأة وسلامة البناء المؤسسى.. حيث نجح مؤسسها فى اجتذاب رموز الفكر والثقافة فى مصر والعالم العربى وتبنوا- وقتها- نشر إنتاجهم من خلال منارة المعرفة.. دار المعارف. ويكفى الإشارة هنا إلى مؤسسى سلسلة «اقرأ» الشهرية.. التى نشرت- ومازالت- آلاف الكتب لمئات المؤلفين، وكان منهم أحمد أمين وطه حسين ومحمود عباس العقاد وغيرهم. كما تولت المؤسسة إعادة إحياء التراث العربى بمحققين ثقات تحت عنوان «ذخائر العرب». وأصدرت فى ذات الوقت سلاسل جديدة من المعرفة المتواصلة تحت عناوين مختلفة، منها نوابغ الفكر العربى، ونوابغ الفكر الغربى، والمكتبة الخضراء، ومجلة سندباد. والأهم من كل ذلك. هو ما كانت تمتلكه- ومازالت- دار المعارف من ثروة بشرية تعد الأفضل فى مجالات الطباعة والنشر.. فالكتب الصادرة عن دار المعارف هى الأفضل من حيث دقة المحتوى وصحته لغويا وجمال شكله، فضلا عن حسن إخراجه. وبالطبع تأثرت دار المعارف بتراجع القراءة بسبب مستجدات العصر.. والتى استحوذت على اهتمامات القراء.. ومنها الصحف والمجلات التى يصعب حصرها! والقنوات التليفزيونية العامة والخاصة.. وكذلك الإذاعات المسموعة.. وأخيرا.. شبكة الانترنت وما يعنيه ذلك من إمكانية الاستغناء عن الكتاب المطبوع لدى أصحاب ثقافة «التيك آواى»! ??? ولم يقتصر الأمر على ذلك.. فقد ابتلينا منذ عدة سنوات بما يسمى ب «التتار الجدد» الذين دمر أجدادهم مكتبة عاصمة الخلافة العباسية فى بغداد، حيث ألقوا كتبها فى نهر دجلة وأحرقوا بعضها. وقد حدث ذلك عامى 2007 و2008 عندما تلقينا طلب شراء «المؤسسة» كعقار تمهيدا لهدمه وإقامة مبان شاهقة وحديثة بدلا منه. والغريب أن يتضمن الطلب وقتها «شراء» جميع أملاك المؤسسة والتى من ضمنها مطبعة «6 أكتوبر» ومطبعة «دار الشعب» وهو ما يكشف عن جهل مطلق.. فنحن لا نملك مطبعة بهذا الاسم وأن «6 أكتوبر» هو اسم الكوبرى الملاصق لمبنى المؤسسة، كما لم يكن لنا ولاية على مؤسسة دار الشعب، فقد كانت مؤسسة قومية مستقلة آلت ممتلكاتها المنقولة والعقارية إلى الشركة القومية للتوزيع بعد أن اتخذ قرار فى نهاية التسعينيات بتصفيتها هى ومؤسسة دار التعاون للطبع والنشر. واتضح أن وراء ذلك «الخطاب الغامض» شركة مجهولة أسسها بعض البنوك وشركات التأمين المصرية- للأسف- لتكون مجرد واجهة لحيتان آخرين من شركات عقارات عربية أرادت الاستيلاء على منطقة ماسبيرو بالكامل، وإزالة ما عليها لإقامة مخطط عمرانى جديد، وقد اكتشفنا وقتها أن تلك الشركة أسست برأسمال مرخص ب 1.5 مليار جنيه، بينما كان رأس المال المدفوع لا يتجاوز 15 مليونا فقط! وبالطبع تصدينا كصحفيين وإداريين وعمال لتلك الهجمة التتارية الشرسة على صرحنا الثقافى العريق والذى يعد أحد رموز مصر وأحد أعمدة قوتها الناعمة، لدرجة انتقال الموضوع إلى مجلس الشعب وشاشات التليفزيون والصحف واستمر ذلك إلى ما يقارب عاما كاملا. وانتصر الحق فى النهاية.. ولم ير ما دبر بليل لدار المعارف.. ضوء النهار، وظلت مؤسستنا «أمانة» فى أعناقنا حافظنا عليها كما تسلمناها من الأجيال السابقة.. لنسلمها عزيزة مكرمة إلى الأجيال اللاحقة.. إن شاء الله. وها نحن نستعد للاحتفال بمرور 125 عاما على تأسيس دار المعارف.. قبلة المثقفين ومنارة المعرفة.. فى احتفال ثقافى ضخم بنهاية هذا الشهر إن شاء الله.. .. وللحديث بقية..