ما بين المستخفين المستهزئين بنظرية المؤامرة و بين المؤمنين بها، المعتنقين بوجودها، كمحور فى الصراع بيننا وبين المتربصين بنا، بين الفريقين، مسافة شاسعة لا يجتمعان فيها البتة، فالمنكرون لوجود شىء اسمه المؤامرة، دوما ما يتهمون المؤمنين بوجودها بالتخلف وإلقاء تبعات الفشل الداخلى للبلاد على شماعة الخارج ومؤامراته.. والذين يعتنقون فكر نظرية المؤامرة يتهمون المتهكمين على قناعتهم الساخرين منهم، بأنهم يبرئون الخارج من مخططاته ويُعتمون على الأمة ليسهل استهدافها، خاصة وأن المؤامرة فى طبيعتها عمل سرى يصعب رؤيته إلا من خلال شواهده على الأرض. وإذا ما أردنا الوقوف وسطا بين الرأيين فى التوجه، فلا بد من ذكر أمرين بهما يكون الوقوف على الأمثل فى الأمر: الأول: إذا ما أفرطنا فى تفسير كل ما هو إخفاق وسلبى فى الداخل، على أنه من فعل المؤامرة، سيقودنا ذلك إلى ترك ما ينبغى إصلاحه داخليا، حتى تسوء أوضاع البلاد من الداخل، فتكون تلك الثغرة هى المنفذ السهل لدخول مؤامرة المتربصين بنا، فنمكن الأعداء منا بأيدينا حين نكون صيدا سهلا لهم. الثانى: إذا ما غفلنا أننا محط استهداف الغرب ومخططاته على طول التاريخ، من حروب صليبية دامت لقرنين من الزمان، ولحملات استعمارية قسَّمت منطقتنا العربية، ولمخططات غرست كيان استيطانى إسرائيل فى جسد الأمة لإنهاكها، للحيلولة دون قيام الشرق العربى، الذى تمر به خطوط الملاحة الدولية، وبأرضه مخزون النفط العالمى، إذا ما غفلنا وجود المؤامرة كمفردة من مفردات الصراع الطويل بيننا وبين الغرب، لضاعت الأمة واختفت كما اختفى الغافلون فى محطات استهدافهم عبر المخططات والمؤامرات الهنود الحمر فوق القارة الأمريكية . ويبقى لنا الحذر كل الحذر ونحن نضع لكل مرحلة فى الصراع عنوانها المناسب، حيث لا يكون العنوان هو المؤامرة هى من تحدث الفعل، بل تكون المؤامرة هى من تستثمر الفعل وتوظفه لصالحها، فحين نعجز فى الداخل عن وضع الحلول للأزمات، ونعجز عن وضع المناسبين فى أماكنهم، تتهاوى أركان الدولة وتضعف، ومن ثمَّ تأتى المؤامرة لتخترق الداخل. وفى الجانب الآخر كإحدى وسائل الغرب فى استهدافنا، استطاع الإعلام أن يهزأ ويسخر من فكرة وجود مؤامرة على منطقتنا، ساعة كان الإعلام فى الفترة الأخيرة يحظى بانتشار هائل، باتت فيه الفضائيات هى السيد المسيطر على عقول البشر، والعامل الرئيسى فى فرض رؤيتها للأحداث، فلعبت تلك الفضائيات بعقول المتابعين لها، فى محاولة منها لدفعهم نحو تصور أن الغرب متقدم بسبب ذكائه وحسن إدراكه، وحرصه على العمل الدءوب، وأننا متخلفون بلهاء لا يرتجى منا أى تقدم.. ولعلها الحرب النفسية، تلك التى تبث عبر الإعلام. وما مقولة المؤامرة إلا من باب فشلنا وإخفاقنا عن ملاحقتهم. وتبقى هى قاعدة الصراع من تسمى الأشياء، فالعلاقات السياسية بين الدول تقوم على قاعدة المصالح.. فماذا لو استدعت المصالح لغة المؤمرات؟ هل المصالح ستقول للمؤامرة التى هى الوسيلة المثلى للمصلحة العليا .. لا لا لا يجوز اللعب بشىء اسمه المؤامرة ! أم ستكون المؤامرة ساعتها مفردة من مفردات المصالح.. وأمريكا وخلفها الغرب ترى مصالحها فى وضع مصر فى بؤرة الصراع، فقيام مصر والشرق العربى يزعجهم .. ذلك أن ظهور الدول الكبرى، التى تهيمن على العالم الحديث والمعاصر، اقتضى تعطيل تقدم دول العالم الثالث، واستباحة مواردها والتآمر عليها فى السر والعلن. وكان نصيبنا كبيرا فى هذا الجانب، خاصة من لعبة فرّق تسد، تلك التى مزقت الأوطان حولنا، من هنا ظهر ما يُعرف بحروب الجيل الرابع، كحلقة متطورة من حلقات المؤامرة.. وحرب الجيل الرابع هى حرب أمريكية صرفة بامتياز عُرفت ب «الحرب اللا متماثلة» (Asymmetric Warfare) تُستخدم فيها وسائل الإعلام الجديد ة والتقليدية و منظمات المجتمع المدنى، والمعارضة، والعمليات الاستخبارية، والنفوذ الأمريكى فى أى بلد ،لخدمة مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية وسياساتها، وتوصيفها العلمى منظومة التمويل الأجنبى كتلك التى قامت بها العديد من المنظمات الأمريكية لدعم سياسة «الفوضى الخلاقة» فى الشرق الأوسط بتقديم التدريب للناشطين، ومن هذه المنظمات (مؤسسة فريدم هاوس، منظمة العون الأمريكى، منظمة اتوبور، المعهد الديمقراطى الوطني، الصندوق الوطنى للديمقراطية... الخ ) وهذا يذكرنا بكلمة السفيرة الأمريكية لمصر ( آن باترسون ) أمام مجلس الشيوخ الأمريكى وقبل تسلمها مقاليد العمل بالسفارة على أرض مصر،إذ قالت ( أطمئنكم ... كل الأمور فى مصر تحت السيطرة، فمنذ قيام الثورة، وحتى الآن أنفقنا 40مليون دولار داخل مصر على منظمات العمل المدنى الحقوقى.. وقالت: إن هناك 65 منظمة تم تمويلها قبل الثورة كذلك). وتوالت الأحداث بعدها ساخنةً إذ أعلن وزير العدل آنذاك / المستشار محمد عبد العزيز الجندى بتاريخ 29/9/2011 قال (توصلنا لدول متورطة لإسقاط مصر). من هنا لا ينبغى علينا إغفال ما يحاك لنا من مخططات، كما لا ينبغى ترك الأمور فى الداخل من دون إصلاح، فما المؤامرة فى النهاية إلا استثمارا لحالة ضعف تركت من دون علاج، فصارت ثغرة نفذت منها المؤامرة.