اجمع المحللون السياسيون والخبراء الاستراتيجيون علي أن مصر تخوض حاليا حربا من نوع جديد, وهو حرب الجيل الرابع من الحروب(Fourth-GenerationWarfare) أو بمعني آخر الحرب اللا متماثلة, فما هي تلك الحرب وعلام تعتمد في تنفيذها وما الهدف منها, في قول مختصر هو الصراع الذي يتميز بعدم المركزية بين أسس أو عناصر الدول المتحاربة من قبل دول أخري. وقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة في عام1989 من قبل فريق من المحللين الأمريكيين, من بينهم المحلل الأمريكي ويليام سترجس ليند لوصف الحروب التي تعتمد علي مبدأ اللا مركزية. بشكل واضح وصريح, هي حروب اخترعتها أمريكا لزعزعة استقرار الدول دون حاجة إلي شن عدوان خارجي عليها.هذه الحروب لا تستهدف تحطيم القدرات العسكرية وانما نشر الفتن والقلاقل وزعزعة الاستقرار وإثارة الاقتتال الداخلي. وحسب تعريف البروفيسور الأمريكي ماكس مايوراينج هي تلك الحرب التي تعتمد نقاطا مختصرة وهي: الحرب بالإكراه, إفشال الدولة, زعزعة استقرار الدولة ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية, ويتم زعزعة الاستقرار بصور متعددة غالبا ما تكون حميدة إلي حد ما أي ينفذها مواطنون من الدولة العدو نفسها, وتلك الحرب لا تستهدف تحطيم مؤسسة عسكرية أو القضاء علي قدرة أمة في مواجهة عسكرية ولكن إنهاك إرادة الدولة المستهدفة ببطء بعد نشر الفوضي.وفي تعريف أوضح, أنه تسخير إرادات الغير في تنفيذ مخططات العدو. تقنيات الجيل الرابع من الحروب تستهدف النظام الذهني عن طريق خلق أنظمة ذهنية داخلية متناحرة علي جميع المستويات, تأخذ طابع حرب الجماعات الدينية أو حرب الجماعات المالية و الاقتصادية, كما من الممكن أن تأخذ طابع حرب الجماعات العلمية المسوقة للتكنولوجيا, هذه الجماعات المتناحرة السالفة الذكر تخترق الفراغات الهائلة للتقنيات الحديثة وتحدث خسائر فادحة في الدول و المجتمعات. ويساهم العديد من المنظمات الأمريكية لدعم سياسة الفوضي الخلاقة والذي يسمي بحرب الجيل الرابع المتقدمة بتقديم التدريب للناشطين ومن هذه المنظمات: مؤسسة فريدم هاوس, منظمة العون الأمريكي, منظمة اتوبور, المعهد الديمقراطي الوطني, الصندوق الوطني للديمقراطية الخ. وعلي أثر ذلك تقوم تلك المنظمات بتأمين التدريب والدعم للمدافعين عن الديمقراطية, في نشر الجهود الإصلاحية وتشجيع مواطني كل بلدان العالم علي بذلها كما تدعي من خلال مكاتبها التي يتجاوز عددها الاثني عشر مكتبا في أربع قارات في العالم مباشرة في كل دولة مع المصلحين الديمقراطيين الذين يحتلون الخطوط الأمامية في بلدانهم, وتقوم بدور المحفز للحرية وذلك من خلال تقوية المجتمع المدني وتعزيز الحكومات المنفتحة والدفاع عن حقوق الإنسان وتسهيل تدفق المعلومات والأفكار. وقد تم فضح كيفية زعزعة الاستقرار الداخلي في الدول المستهدفة, في فيلم وثائقي سرب ونشرته عدة مواقع علي شبكة الإنترنت وعدة قنوات فضائية غربية, يعترف فيه عدد من النشطاء المعروفين بتلقيهم تدريبات علي قيادة وإدارة الثورات والإنقلابات الناعمة وقد تحدث في الفيلم مدرب صربي يدعي سرجيو بوبوفيتش وهو رئيس منظمة أوتبور وتعني باللغة العربية قبضة اليد وهو نفسه الشعار الذي اتخذته هذه المنظمة راية لها, واستنسخته منظمات كثيرة حول العالم, هذه المنظمة التي كانت ناشطة في تنظيم الإحتجاجات في دولة صربيا, وهي منظمة معروفة بارتباطاتها الأمريكية. وقد إعترف هذا المدرب الصربي بأنه درب في مركزه المعروف بإسمCANVAS في صربيا مجموعات هائلة من النشطاء والحقوقيين والسياسيين من37 بلدا حول العالم علي خطط وتصاميم واستراتيجيات وتكتيكات وآليات كاملة لإسقاط الأنظمة في صورة احتجاجات مدنية وسلمية, ومن بين نشطاء هذه الدول سمي نشطاء من إيران ومصر وتونس وسوريا وفنزويلا وأوكرانيا وجورجيا وقيرغيزيستان, وهي الدول التي شهدت احتجاجات وانقلابات مدعومة من الغرب في السنوات العشر الأخيرة, وقد تحدث بوبوفيتش عن تصميم متكامل لآليات وتكتيكات تنظيم ثورات ناعمة, تقوم علي اعتماد مبدأ الهجوم والعصيان المدني والشعبي والتحرش بالأمن والشرطة, ومحاصرة واحتلال المقرات الرسمية والتواجد عبر المخيمات في الأماكن والميادين العامة, وإضفاء الأحداث الدرامية والرمزية علي الواقع العام, وسبل تنظيم المسيرات الجماعية الناجحة, وكتابة البيانات والشعارات والرايات الإعلامية, وإعتماد الأناشيد والأغاني واللباس واللون الموحد, وعرض الأنشطة الفكاهية وقرع الطبول والموسيقي والمزامير الخاصة التي تؤدي الي زيادة الحماسة وتجتذب المزيد من الجماهير وتحافظ علي تماسك الاحتجاجات وتدعم بقاءها في الشوارع والميادين العامة وترفع معنويات الحشود الجماهيرية, كما شارك في الفيلم رؤساء منظمات شبابية وحقوقية تحدثوا عن تلقيهم تدريبات علي تنظيم ثورات ناعمة وهم من بلدان أوكرانيا وجورجيا وتونس ومصر وفنزويلا! ولكن بقي إن نقول أن تلك الحرب واستراتيجيتها لا يمكن لها أن تقوم أو تنجح إلا إذا وجدت بيئة داخلية خصبة وصالحهة تبدأ منها وتساعد عليها في الدول المستهدفة, مثل تفشي الفساد وبقية الأمراض الاجتماعية الأخري وشيوع أنماط المشاكل والأزمات الداخليه وانعدام العدالة الاجتماعية وعدم وجود نظام ديمقراطي سليم وغياب كوادر سياسية بديلة قادرة علي ملء الفراغ السياسي في حالة سقوط النظام الحاكم.... لذا فإن التساؤل عما إذا كانت هذه الحرب هي ما حدث بمصر يصبح تساؤلا بلا معني.. ت