فيما تبدو الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون ممانعين حتى الآن لأى تغيير فى استراتيجيتهم لمحاربة داعش، والتى تقوم على الضربات الجوية لإضعاف التنظيم فى سوريا والعراق وقتل زعمائه واحدا تلو الآخر، إلا أن هجمات باريس أثارت جدلا واسعا داخل الولاياتالمتحدة حول ضرورة إلإسراع فى تغيير هذه الاستراتيجية وإلا سيكون الهجوم المقبل من قبل داعش على الأراضى الأمريكية. ومن جانبهم، استغل المرشحون الجمهوريون للرئاسة الأمريكية هجمات باريس لينتقدوا الرئيس باراك أوباما لافتقاره لإستراتيجية لمحاربة داعش، وفى هذا السياق حذر ليندسى جراهام، فى مقابلة مع برنامج "ستيت أوف ذا يونيون" على قناة "سى إن إن" من أن هناك ما وصفه ب "هجوم جديد على غرار 11 سبتمبر" يتحضر فى الأفق فى حال لم تقرر أمريكا قيادة الحرب العالمية ضد الإرهاب، مشيرا إلى ضرورة أن تكون تلك الحرب من خلال عمليات برية ضد التنظيم. وأضاف جراهام، فى انتقاد واضح لأوباما: "إذا لم تفهم هذا الأمر فأنت لست جاهزا لتكون قائدا عاما، من وجهة نظرى.. هناك أشياء إن لم نفعلها فسنرى ما حصل فى باريس وهو يتكرر فى أمريكا". وبدوره طالب منافسه جيب بوش خلال برنامج "مقابلة مع الصحافة" الولاياتالمتحدة بقيادة حرب لمحو داعش من على وجه الأرض، مؤكدًا أن استراتيجية "احتواء" داعش لن تجدى. أما المرشح ماركو روبيو فقد اقترح فى مقابلة مع برنامج "هذا الأسبوع" على قناة "ايه بى سى" إرسال مزيد من القوات الخاصة إلى سوريا لإلحاق "هزيمة مذلة" بقادة التنظيم المتطرف. ولم تقتصر الانتقادات على الجمهوريين، بل انضم إليهم بعض النواب الديمقراطيين، حيث قال النائب الديمقراطى البارز وعضو لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكى، آدم شيف، فى مقابلة أيضا مع برنامج "هذا الأسبوع"، إنه يرى أن أفضل أجهزة المخابرات لن تستطيع القضاء على عدو عاقد العزم ومتكيف مع وسائلنا الدفاعية مثل داعش، مضيفًا أن هجمات باريس لا تنم عن فشل استخباراتى فحسب، ولكن فشل الحملة التى يشنها التحالف الدولى بقيادة أمريكا "لأننا سمحنا لداعش بإيجاد ملاذ فى سوريا والعراق، وأتحنا له المزيد من الوقت والموارد للتخطيط والتآمر ضدنا". كما ردد العديد من المسئولين الأمريكيين السابقين والحاليين فى مجتمع الاستخبارات الدعوات للبيت الأبيض لإعادة النظر فى استراتيجيته لمحاربة داعش وإلا سيكون الهجوم المقبل من قبل التنظيم على الأراضى الأمريكية، وفى هذا الإطار قال مايكل مور، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية ما بين 2010 - 2013، إنه بعد هجمات باريس أصبح واضحا أن استراتيجيتنا تجاه داعش ليست مجدية وأنه حان الوقت للبحث عن شىء آخر، وعندما سئل خلال مقابلة على قناة "سى بى اس" عن "هذا الشىء الآخر"، رد مور بأن الولاياتالمتحدة قد تضطر فى نهاية المطاف إلى العمل مع بشار الأسد لمحاربة داعش، مؤكدًا: "أننا بحاجة إلى إعادة النظر فيما إذا كان بشار الأسد يجب أن يرحل أو أنه جزء من الحل"، واختتم كلامه قائلا: "إن التوصل إلى اتفاقية تتضمن بقاء بشار لبعض الوقت يقوم خلالها الجيش السورى بدعم من التحالف الدولى بالقضاء على داعش، ربما يكون أفضل حل هنا". وفى مقابلة مع شبكة "ان بى سى"، أعرب مايكل ليتر، مدير المركز القومى لمكافحة الإرهاب، عن رأيه بأن الاستراتيجية الأمريكية الحالية ليست قوية بما فيه الكفاية لإنزال هزيمة حقيقية بداعش. ومن جهتها، انتقدت الكثير من الصحف الأمريكية البارزة الاستراتيجية الحالية لمحاربة داعش، ودعت إلى تغييرها، ورأت صحيفة "نيويورك تايمز" أن تكثيف فرنسا لضرباتها الجوية على معاقل داعش فى سوريا، ربما يمثل ردا قويا على الهجمات التى ارتكبها التنظيم، ولكنه لا يشكل تحولا كبيرا فى استراتيجية التحالف بشكل عام، مشيرة إلى أن الولاياتالمتحدة تقوم منذ أكثر من عام بتوجيه ضرباتها إلى سوريا والعراق ولم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة، مضيفة أن دخول الضربات الروسية على الخط مؤخرا لم يغير الصورة أيضًا. وفى نفس السياق، قالت صحيفة "واشنطن تايمز" إن الهجمات الأخيرة لداعش فى تركيا ولبنان وباريس، أظهرت بوضوح أن الجهود الأمريكية والأوروبية لإحباط الإرهاب قد فشلت وأن نشر قوات برية غربية على الأرض فى سوريا أصبح ضرورة لهزيمة داعش. وأضافت الصحيفة أنه بعد هجمات باريس لن يصدق أحد قول إدارة أوباما بأن الضربات الجوية، وهجمات الطائرات بدون طيار لاقتلاع قادة داعش، إضافة إلى الوجود الرمزى للمستشارين العسكريين، سوف يوقف تمدد داعش.