فى ليلة السابع من أكتوبر قامت قوات الجيشين الثانى والثالث الميدانيين بمعاونة القوات الجوية بصد الهجمات المضادة لاحتياطيات العدو المحلية والقريبة والتكتيكية والتعبوية والتى بلغ تعدادها ثلاث ألوية مدرعة بالإضافة إلى عناصر الألوية المشاة التى كانت تتمركز شرقى القناة مباشرة.فى الساعة 810 أبلغت قيادة قوات متلا أن الدبابات المصرية تحاصرها من كل جانب حيث قامت أقسام صغيرة من الفرزة البرمائية التى عبرت البحيرات المرة واندفعت دبابتها لتبث الذعر فى مواقع العدو فانطلقت سرية ميكانيكية برمائية ومعها بعض الدبدبات الفردية صوب مضيق ميتلا على حين اتجهت سرية أخرى صوب مضيق الجدى وتابعت السريتان تقدمهما فقامت الأول بمهاجمة قيادة القطاع الجنوبر المتمركز عند مدخل مضيق متلا وذلك فى الساعة 810 ثم واصلت هجومها ضد أهداف العدو الخلفية فباغتت موقعا للرادار فى منطقة ممر ميتلا وكبدت العدو خسائر لا يستهان بها قبل أن تعود لتنضم إلى قواتنا الرئيسية فى رءوس الكبارى فى حين قامت السرية الأخرى بالهجوم على اتجاة مضيق الجدى وهاجمت بعض المواقع الصغيرة للعدو وتجنبت الدخول معه فى معركة طويلة حيث كان هدفها الوصول إلى مطار تمادا لتباغتة وقد نجحت فى ذلك. وكان لأعمال تلك القوات الصغيرة أكبر الأثر فى إرباك العدو وإخلال تحركاته وانهيار قياداته إذ تصور العدو أن الدبابات المصرية لن تتوقف قبل أن تصل إلى الحدود. ولاحتواء الموقف قام ديان فى الساعة 1140 بالتوجة إلى جبهة سيناء إلا أن جونين نصحة بالابتعاد لوجود قوات مصرية على التلال المحيطة بمركز القيادة واحتمال تعرضه للنيران أصبح أمرا واردا إلا أن ديان نزل على الجبهة فى سيناء وطلب تقرير عن الموقف والذى قدمه له جونين ونصح فيه بالانسحاب بكل القوات إلى الجبال مع ترك الحصون لمصيرها وفى الساعة 1430 وصل ديان إلى الأركان العامة بتل أبيب وكان ديان شديد التشاؤم وكان يقول «يجب الدفاع عن دولة إسرائيل، ولن نتمكن من ذلك مالم نقصر خطوط المواصلات ونترك خليج السويس كله ولا مانع من أن نبقى قوة فى شرم الشيخ» وقد عرض ديان فكرة الانسحاب على مائير إلا أنها استدعت اليعازر الذى عارض فكرة ديان وأصر على التشبت بالخط الدفاعى والذى يقع بين الممرات والقناة حتى يبدأ منة جونين الهجوم المضاد فى اليوم التالى. فى الساعة 1800 كان جونين قد أعاد تنظيم النطاقات بجبهة القناة استعدادا لشن هجوم مضاد فى الصباح ورسم الحدود بين هجوم مجموعة آدن فى الشمال ومجموعة شارون فى الوسط ومجموعة كندلر فى الجنوب، وقد اقترح شارون الهجوم ليلا لإنقاذ الأحياء فى الحصون إلا أن جونين رفض هذا الرأى وسفهه. فى الساعة 1900 وصل اليعازر إلى مركز قيادة جبهة سيناء وبرفقته الجنرال إسحاق رابين والتقى بجونين، بالإضافة إلى قادة الفرق الإسرائيلية الجنرالات مندلر وآدن و ماجن وشارون وقد تأخر الأخير لعطل أصاب طائرته فلم يصل إلا واليعازر يتأهب للعودة إلى تل أبيب وبعد أن استمع أليعازر إلى وجهات النظر المختلفة أمر جونين بتنفيذ الهجوم المضاد فى صباح اليوم التالى. فى الساعة 2200 رفع جونين قوة مظلات الى سدر ليخلى مندلر من مسئولية هذه المنطقة النائية حتى يتفرغ للهجوم المضاد فى النطاق المخصص له من جبهة القناة وفى الصباح كان للجيش الثانى على الضفة الشرقية للقناة حوالى 600 دبابة، فضلاً عن الأسلحة المضادة للدبابات وكتائب مدفعية الميدان وغيرها من أسلحة القتال وكانت معابر الفرقة السادسة مشاة معدة منذ الصبح لعبور وحدات الجيش الثالث الميدانى إذا تطلب الأمر ذلك. وكانت للشرطة العسكرية وأفراد مراقبة المرور دور كبير حيث أرشدوا الجميع إلى محاورهم حتى ينضموا بسرعة إلى وحداتهم التى كانت مشتبكة بعنف داخل رءوس الكبارى، ورغم أن هذا تم فى الظلام إلا أنه تم بطريقة مثالية مما ترتب عليه وصول الأسلحة والمعدات الثقيلة إلى إماكنها المخططة فى الوقت المناسب لتقلب موازين القوى لصالح الجيش المصرى. وفى المقابل قام العدو بتركيز هجماته الجوية ونيران مدفعيته على الكبارى لإحباط عبور القوات المصرية إلا أن المعابر الهيكلية امتصت هذه الضربات. وازدادت مع إشراقة شمس السابع من أكتوبر حدة الهجمات الجوية المصرية عنفا وكثافة وزاد تنظيمها، وراحت تستخدم أسلوبا أفضل وهو الاقتراب على ارتفاعات منخفضة جدا تجنبا لكشف الرادار، ثم ترتفع فجاة لتلقى بقنابلها، وفى نفس الوقت سقط عدد كبير من طائرات العدو فى حين استمرت عملية العبور تتدفق تباعا للضفة الشرقية لتحطم عدد كبير من الحصون المعادية. ومنذ صباح ذلك اليوم وقواتنا الجوية تضرب احتياطيات العدو التعبوية بلا هوادة وتلحق بها طوال أيام القتال التالية أفدح الخسائر فى الدبابات والمعدات والأسلحة والأفراد. أما القاذفات فقد انطلقت من القواعد لتصب الدمار على أهدافها المنتخبة وتلقى مئات الأطنان المهلكة على مطارات سدر والطور وتبيد وتشتت تجمعات العدو المدرعة وقواته الميكانيكية التى حاولت التسلل نحو الدفرزوار وحطمت معابرة ومراكز قياداته، هذا بالإضافة إلى الدور الكبير للقاذفات فى حماية أهدافنا السياسية والاقتصادية من غدر العدو بوقوفها على أهبة الاستعداد لردعه إذ ما سولت له نفسه أن يقصف أهدافنا المدنية فى أى وقت، خاصة وقد حسم الرئيس السادات الأمر بتأكيده قبل المعركة أن السن بالسن، والعمق بالعمق، والنابالم بالنابالم. وخلال تلك المعارك لم يصب جندى واحد من جنودنا بنيران الطائرات الإسرائيلية كما لم تصب أية معدة من معدات الدفاع الجوى وكان هذا انتصارا وقطعا ليد إسرائيل الطويلة. وإذاء تلك الهزيمة النكراء كان على القيادة الإسرائيلية أن تغير من تكتيكات الهجوم الجوى سريعا فاتخذت أسلوب جديد يقضى باقتراب الطائرات على نفس الارتفاعات المنخفضة وعلى مسافة بعيدة، خارج مدى نيران الدفاع الجوى ثم تلقى بالقنابل والصواريخ أثناء الصعود وتبتعد عن الهدف، ومن جهة أخرى كانت صواريخ سام - 6 الخفيفة الحركة قد احتلت مواقعها فى الإمام، فزاد مدى المظلة التى حققها الدفاع الجوى المصرى للقوات البرية وأسقطت عددا اخر من الطائرات الإسرائيلية وتهاوت كمية أخرى من المظلات الصفراء تهبط فى ذلة لتدفع طيارى إسرائيل إلى أقفاص الأسرى. ومع تدفق العبور بغزارة وازدياد المعابر قوة ومتانة وتحول الكبارى إلى شرايين وأوردة تتدفق عبرها أسباب الحياة بين الضفتين ذهابا وإيابا لم يعد أمام إسرائيل إلا أن تزيد كثافة الهجمات الجوية وكان ذلك عبئا ثقيلا حيث إدرك الطيارون الإسرائيليون استحالة اختراق هذه الشبكة المتينة التى نسجها المقاتلون المصريون بدقة رائعة فراحوا يتخلصوا من حمولاتهم المدمرة على المسافة التى تكفل لهم الامن ولنا الأمان. ورغم كل ذلك إلا أن القيادة الإسرائيلية لم تسلم بذلك فدفعت بالهجمات المضادة البرية التى كان لابد لها من تأييد جوى وكان متوسط عدد الطائرات المعادية التى اقتربت لقصف قواتنا البرية شرق القناة يتراوح بين 500 - 600 طلعة طائرة يوميا أسقطت أغلب حمولاتها بعيدا فيما عدا بعض الطيارين المغامرين الذين اقتربوا من نيراننا فدفعوا الثمن غاليا إذ فقدوا طائراتهم ووقعوا فى الأسر مما جعل القيادة الإسرائيلية تصدر أمرا مشددا إلى طياريها بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة تقل عن خمسة عشر كيلو مترا وكان ذلك بعد ثلاث ساعات من بدء القتال. وتراوح متوسط ما يفقدة العدو يوميا من طائرات فى هذه المهمة أى عند مهاجمة القوات البرية شرق القناة بين 4 - 6 طائرات ونتيجة لذلك تلاشت كثافة الهجمات الجوية حتى وصل الدعم الأمريكى لإسرائيل فعاد الخط البيانى إلى الارتفاع ثانية بصورة ملحوظة حيث حققت قوات الدفاع الجوى المصرية غطاء جويًا صلبًا قاتلت القوات البرية فى حماة فحققت المعجزة وفازت بإعجاب الجميع. وكان لقوات العدو عدة ضربات فاشلة حيث قامت طائرات العدو بمهاجمة سبعة من المطارات المصرية المتقدمة هى بنى سويف وبير عريضة والقطامية والمنصورة وجناكليس وشبراخيت وطنطا وخصصت 8 - 12 طائرة فانتوم وسكاى هوك لكل واحد من هذه المطارات إلا أن العدو عندما إدرك أنه غير قادر على إخراج القوات الجوية المصرية من المعركة قلل هجماته لتصبح بمعدل 1 - 4 مطارات فى اليوم، فعلى الرغم من مهاجمة مطار القطامية ست مرات بعدد 166 طلعة / طائرة ومهاجمة مطار المنصورة خمس مرات بعدد 66 طلعة / طائرة إلا أن هذين المطارين ظلا يعملان بكفاءة تامة طوال المعركة. وكانت هذه الخطة مكررة و ليس بها أى استراتيجية لأن الخطة التى اتبعتها القوات الإسرائيلية هو نفس خطة الخامس من يونيو 1967 والتى حققت بها نجاحا ساحقا إلا أن قوات الدفاع الجوى المصرية وعت ما تقوم به قوات العدو ففشل الهجوم الإسرائيلى على المطارات المصرية فشلا ذريعا حيث لم تتجاوز تحركات العدو أكثر من القاء قنبلة فى نهاية ممر فرعى بأحد المطارات وقنبلة زمنية أخرى بجوار مبنى منعزل فى مطار آخر إصابته بتصدع بسيط لم يمنعه من مواصلة العمل واستمرت الطائرات المصرية تقلع من هذه المطارات لتقصف أهدافا للعدو فى قلب سيناء فى نفس الوقت الذى كانت فية المقاتلات المصرية تنتظر الطائرات المعادية قبل أن تبارح المجال الجوى المصرى لتدخل معها فى معركة جوية وتدمرها فبترت ذراع إسرائيل الطويلة وخسر العدو فى هذا الهجوم عشر طائرات فانتوم وسكاى هوك وعددا من طياريه وملاحيه. وقد اتخذت القوات الجوية الإسرائيلية الارتفاع المنخفض فوق البحر المتوسط لتباغت مطارات شمال الدلتا ووسطها وفوق البحر الأحمر لتنقض على المطارات الأخرى وظنت انها ستتغلب بذلك على الحقل الرادارى المصرى وتفاجئ دفاعنا الجوى إلا أن مصر هذه المرة هى من فاجأت العدو الإسرائيلى وهنا تكمن عبقرية الاستراتيجية المصرية والعقل المصرى، حيث استطاعت القوات المصرية ذات التسليح الدفاعى ورغم محدودية إمكاناتها إخفاء حجم وتمركز وحدات الصواريخ وهو يعد أمرا مستحيلا إلى حد كبير مع التطور الهائل فى وسائل الاستطلاع حيث يستطيع أى قمر صناعة أمريكية جوال أن يلتقط لها صورا دقيقة ومتجددة بصفة مستمرة. وعلى امتداد السابع من أكتوبر حاولت طائرات العدو الإسرائيلى مهاجمة قوانتا على طول الجبهه مع التركيز على المعابر والكبارى فوق قناة السويس، كما هاجم بعض المطارات على موجتيت وكان الطيارون يحاولون الابتعاد عن مدى صواريخ الدفاع الجوى المصرى بالإضافة إلى استخدام الإعاقة الراداية إلا أن القوات الجوية المصرية استطاعت إسقاط 18 طائرة للعدو من جملة 486 طائرة. وطوال ليلة السابع والثامن من أكتوبر ظلت مجموعات العمليات الثلاث تنفذ الفتح التعبوى للاستعداد لشن الهجوم المضاد من جانب العدو الذى تحدد له صباح الثامن من أكتوبر وقد خرج أحد التشكيلات الصاروخية من قاعدة بورسعيد بغرض اكتشاف وتدمير أية وحدات بحرية معادية تقترب من منطقة رمانة بالذات. فى الساعة 335 صباح الثامن من أكتوبر اكتشف هذا التشكيل الصاروخى هدفا بحريا متوسط الحجم، ودارت معركة بحرية انتهت بإغراق الوحدة الإسرائيلية وعودة تشكيلنا سالما إلى قواعده، إلا أن صيد الغواصات المصرية فى مياه البحر الأحمر كان وفيرا.