حظى مجلس الجامعة العربية فى دورته ال 144 على المستوى الوزارى بحضور واجتماعات متواصلة ما بين تشاورية ورسمية ومن بينها لقاء تشاورى مغلق مع المبعوث الأممى إلى سورية استفان دى ميستورا وقد هيمن ملف الإرهاب ومكافحته وخطر التنظيمات الإرهابية وأهمية معالجة هذه القضية على كل الاجتماعات وكذلك قضايا سورية واليمن وفلسطين وليبيا وقد أقر المجلس الوزارى وبالإجماع أهمية الحل السياسى لهذه القضايا والتعاون الكامل فى مجال مكافحة الإرهاب وقد اعتبرت هذه الدورة بداية للتشاور والتنسيق قبل الذهاب إلى نيويورك لمشاركة الدول العربية فى اجتماعات الدورة 77 للجمعية العامة للامم المتحدة والتى تناقش عددًا كبيرًا من القضايا المطروحة فى المنطقة العربية. واستهل وزير الدولة للشئون الخارجية الإمارتى أنور قرقاش حيث تتولى دولة الإمارات العربية المتحدة رئاسة هذه الدورة العادية حديثه عن الظروف الاستثنائية بالنظر إلى الأزمات وما يحيط بها من أخطار التى تزايدت حدتها وتعقيداتها، وطالب بمضاعفة وتكثيف العمل المتواصل والمنسق لمواجهتها والتعامل معها بصورة جماعية وجادة وفاعلة، مشيرًا بأن الدولة العربية الوطنية تُجابه تحديات تجعلها على المحك، بين محاولات خارجية للتدخل فى شئونها الداخلية، وأخطارٍ داخلية تتمثل فى مؤامرات تُحاك من جماعات ذات أهداف أبعد ما تكون عن المصالح الوطنية، فضلا عن النشاط الإرهابى المتزايد والمتسارع الذى يهز الأمن والسلامة الإقليمية هزًا عنيفًا ناهيك عن التدخل المنظم والمُمَنهج من دول الجوار فى شئون وشجون العرب. وحذر من تنامى الأعمال الإرهابية الإجرامية التى تهدد العالم العربى بالأساس والتى وجدت بيئة حاضنة له ودعما ورعاية من قوى أخرى سواء بالتمويل أو التسليح بهدف النيل من أمتنا العربية ويزيد من خطورة هذا الإرهاب التستر بعباءة الدين الإسلامى الحنيف من ناحية وانطلاقه نحو استهداف تراثنا الثقافى الحضارى بالتدمير والعبث والإساءة، أضف إلى هذا كله استهدافه لشباب الأمة بدعايات مضللة تفسد عليه عقيدته وإيمانه بوطنه. وشدد بأن الوقت قد حان لترجمة القرارات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وعلى رأسها قرارات مجلس الجامعة على مستوى القمة، إلى سياسات وإجراءات وآليات قابلة للتطبيق على الأرض،وتفعيل كافة الاتفاقيات العربية لمكافحة هذه الظاهرة الإجرامية وضرورة استحداث الآليات القانونية والتشريعية لمكافحة هذه الجرائم، وقال إن الإرهاب يستهدف اليوم تقويض أركان الدولة الوطنية الحديثة وتدمير مؤسساتها وهياكلها وتعريض سيادتها واستقلالها ووحدة ترابها لمخاطر حقيقية. وطرح مقترحات الإمارات للتعامل مع ظاهرة الإرهاب والتى من بينها وضع خطوات متسارعة وفعالة للقضاء على هذه الظاهرة من خلال العمل على نشر وترويج الخطاب الدينى الوسطى المعتدل الذى يعالج الإرهاب والتطرف، والتصدى لأفكار الغلو والتشدد والطائفية وتطوير الخطاب الإعلامى العربى من خلال ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال التى تربيّنا عليها وتعلمناها فى ديننا الإسلامى السمح، وأهمية وضع التدابير الوقائية لمنع التطرف الفكرى والتحريض على ارتكاب الأعمال الإرهابية. كان من الملاحظ فى هذه الدورة ارتفاع وتيرة الغضب مما يحدث من تداعيات قاسية فى المنطقة العربية بسبب الإرهاب الذى ينال من حاضر ومستقبل الأمن القومى العربى برمته، بل ومستقبل شعوب هذه الدول وأمن واستقرار المنطقة بأكملها والعالم. وهو ما عكسته كلمات المتحدثين طيلة الاجتماع وقد بدا هذا واضحا عندما لوح الدكتور نبيل العربى الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن معالجة الأوضاع المُعقّدة والمتفاقمة التى تواجهها المنطقة تتطلب نهجا جديدًا، وعلى نحو مُلح، توجهًا مبتكرًا وغير تقليدى، ومواقف قادرة على التأثير فى مجريات الأحداث وتفاعلاتها الإقليمية والدولية، وبما يضع حداً لهذه الأزمات، واشتكى العربى من الانتقادات الموجهة لفاعلية الجامعة العربية وأمانتها العامة قائلا إنها كثيرًا ما تكون قاسية، وتُقلّل دون وجه حق من شأن الجهود التى بُذلت عبر سنوات طويلة من العمل الشاق من جانب الدول الأعضاء ومن جانب الأمانة العامة. وقال إن قضايا العمل العربى المشترك وما يواجه الجامعة العربية من تحديات فى هذا المنحنى التاريخى الحاسم يتطلب التحلّى بالجرأة والصدق اللازمين، ورفض العربى ممارسة الضغوط التى تقوم بها إسرائيل، ضد الشعب الفلسطينى والضرب بعرض الحائط كافة قوانين وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وطالب باقرار التسوية الدائمة والعادلة لجميع القضايا العالقة وإطلاق مسار مفاوضات جديّة لإنهاء النزاع، وفقاً لحل الدولتين كما حدّدته قرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة. وقال إن سكرتير عام الأممالمتحدة وجّه الدعوة إلى وزراء خارجية المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وكذلك إلى جامعة الدول العربية للمشاركة فى اجتماع وزارى للجنة الرباعية والمقرر عقده فى نيويورك يوم 30/9/2015. وهذه هى المرة الأولى التى تُدعى فيها الجامعة للمشاركة فى اجتماع للرباعية على المستوى الوزارى. وأرجو أن يكون هناك اهتمام حقيقى للقيام بعمل ملموس، ونأمل أن يتم التوصل إلى ذلك فى الاجتماع المُقبل للرباعية فى نيويورك. وحول الأزمة السورية قال العربى نرجو أن تتوصل الدولية المعنية بمجرياتها، حتى يتمكن مجلس الأمن من الاضطلاع بمسئولياته السياسية والأخلاقية تجاه هذه الأزمة، وحتى يتمكن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دى مستورا من إحراز التقدم المنشود فى الخطة التى طرحها لتنفيذ مقررات مؤتمر جنيف (1). مشيرًا إلى أن دى مستورا قدم تقريرًا أمام المجلس لشرح مقترحاته وخطة تحركته المقبلة، وذلك خلال الجلسة المُخصّصة لبحث بند الوضع فى سورية. وأرجو أن يتم بلورة خطة تحرّك مشتركة مع الأممالمتحدة فى هذا الشأن. من جانبه قال السفير سامح شكرى وزير الخارجية إن التحديات الجسيمة التى تواجه أَمنَنا القومى العربى يزدادُ حجمها وصعوبتها، وجميع المؤشرات تشير إلى سنوات صعبة قادمة ستمتحن تصميمنا وقدراتنا، ومن هذه القراءة نرى أن المسئوليات التى تواجهنا جسيمة وكبيرة، الأمر الذى يستلزم منا صياغة سياسات وإجراءات فاعلة على المستوى السياسى والأمنى والاقتصادى والاجتماعى للارتقاء إلى مستوى هذه التحديات، كما أن ذلك يتطلب منا مضاعفة الجهود لإنهاء الخطوات والإجراءات الضرورية لإصلاح وتطوير وتفعيل آليات العمل العربى المشترك لنتمكن من مواجهة هذه التحديات وأضاف شكرى أن نهر الدماء العربية مازال يتدفق فى العديد من أقطارنا على يد جماعات الإرهاب الأسود الذى بات يُهدد الشعوب العربية، حيث لا توجد دولة بمنأى عن هذا الخطر. إن قوى الظلام أصبحت تترصد أمننا القومى وأمن شعوبنا العربية بُغية هدم بنيان الدولة الوطنية وتفكيك مؤسساتها واستنزاف مواردها. وأوضح بأن مواجهة الإرهاب أولوية قصوى تستلزم استراتيجية خلاقة لتحصين الأجيال القادمة واستئصال هذا المرض الخبيث، بما فى ذلك من خلال إصلاح الخطاب الدينى ومواجهة التطرف الفكرى وتجفيف منابعه والتعامل بحسم مع دُعاة الفتنة والخراب وسفك الدماء، فضلاً عن العمل بكل جدية على إيجاد تسويات سياسية للصراعات الإقليمية التى تعصف بمنطقتنا. وفى الشأن الفلسطينى شدد على أهمية حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. وطالب بضرورة وضع إطار زمنى محدد لإنهاء الاحتلال بدلاً من إضاعة الوقت بما لن يُفيد أيّ من الأطراف. وطالب الحكومة الإسرائيلية بالانخراط الفورى فى مفاوضات جادة، وإيقاف كل الإجراءات التى من شأنها تغيير الواقع على الأرض، ولاسيما فى الحرم القدسى الشريف الذى يشهد فى هذه الفترة هجمة شرسة من قبل المستوطنين. وفى الشأن الليبى أوضح شكرى بأن مصر تؤكد على دعمها التام وبشتى الطرق لكافة الإجراءات التى تتخذها الحكومة الليبية تعزيزاً لسيادة الدولة فى مواجهة عصابات الإجرام والإرهاب الأسود. إن الأحداث الأخيرة التى شهدتها مدينة سرت أثبتت صحة وجهة النظر المصرية. أما الوضع المأساوى الذى يعانيه الشعب السورى فقد وصفه العار على جبين الإنسانية. وقال إن مصر تشجع المبعوث الدولى ستيفان دى مستورا على الاستمرار فى الدفع نحو الإعداد الجيد لمؤتمر جنيف3 ليكون بمثابة عملية تفاوض جادة على المرحلة الانتقالية بين النظام والمعارضة السوريين. وقال نأمل أن تكون جنيف خطوة فاعلة على طرق حل سياسى ينتقل بسوريا من وضعية الصراع إلى مرحلة التفاوض الجاد من أجل بناء سوريا مدنية عربية موحدة ديمقراطية، وهو ما يتطلب دعماً فعلياً من القوى الإقليمية والدولية المؤثرة وضمانات من قبلها بتوافر النية الصادقة للتوصل إلى الحل العادل والذى يحمى سوريا والسوريين. رفض تدخل إيران وقد طالب مجلس جامعة الدول العربية، إيران بالكف عن تدخلها فى الشئون الداخلية للدول العربية، والتى من شأنها أن تقوض بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة. جاء ذلك فى مشروع قرار مقدم من دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت عنوان «التدخل الإيرانى فى دول الجوار»،. وأكد المشروع على أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية قائمة على مبدأ حسن الجوار، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها. وأعرب المجلس فى مشروع قراره عن إدانته التدخل الإيرانى فى الشئون الداخلية للدول العربية باعتباره انتهاكًا لقواعد القانون الدولى، ولمبدأ حسن الجوار. وطالب الدول الأعضاء بإثارة هذا الموضوع فى اتصالاتها مع الدول الأخرى، وإدراج هذا البند كبند دائم على جدول أعمال مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى. كما طالب مشروع القرار، الأمين العام للجامعة العربية بمتابعة تنفيذ القرار وتقديم تقرير إلى المجلس فى دورته المقبلة مارس 2016، بالتنسيق مع الدول الأعضاء. واتفق مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزارى على حزمة من مشاريع القرارات والتى تتعلق باليمن وسورياوإيران ومكافحة الإرهاب وليبيا حيث أعرب المجلس عن بالغ القلق إزاء تفاقم الأزمة السورية وما تحمله من تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا وأمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية وسلامتها الإقليمية، إضافةً إلى ما تُخلفه من معاناة إنسانية قاسية للشعب السورى نتيجةً لتصاعد أعمال التدمير والعنف والقتل والجرائم البشعة المرتكبة بحق المدنيين، فى انتهاكات صارخة لمبادئ حقوق الإنسان والقانون الإنسانى الدولى، وما تسفر عنه من تزايد مستمر فى أعداد النازحين واللاجئين داخل سوريا وفى دول الجوار العربية. ورحب المجلس فى مشروع القرار بالخطوات التى اتخذها عدد من دول الاتحاد الأوروبى مؤخرًا لاستضافة أعداد من اللاجئين السوريين، بعد أن تحولت الأزمة السورية إلى أكبر أزمة إنسانية طارئة فى العالم. وأكد المجلس مجددًا على ضرورة تحمل مجلس الأمن مسئولياته الكاملة إزاء التعامل مع مختلف مجريات الأزمة السورية، والطلب إلى الأمين العام للجامعة مواصلة مشاوراته واتصالاته مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص «ستيفان ديمستورا» إلى سوريا، وكذلك مع مختلف الأطراف المعنية، من أجل التوصل إلى إقرار خطة تحرك مشتركة تضمن إنجاز الحل السياسى للأزمة السورية وفقًا لما جاء فى بيان مؤتمر جنيف (1) 30 يونيو 2012، وبما يلبى تطلعات الشعب السورى بكافة فئاته وأطيافه. كما يعرب المجلس فى هذا الصدد عن تأييده للبيان الصادر عن رئاسة مجلس الأمن بتاريخ 17 أغسطس 2015. ورحب المجلس فى مشروع القرار بالمبادرات والجهود المبذولة الهادفة إلى توحيد رؤية المعارضة السورية حول خطوات الحل السياسى المنشود للأزمة السورية، من خلال عملية سياسية يتولاها السوريون بأنفسهم، وعلى أساس تطبيق بيان مؤتمر جنيف (1)، منوهًا فى هذا الصدد بنتائج مؤتمر المعارضة السورية الذى استضافته جمهورية مصر العربية فى القاهرة يومى 8 و9 يونيو 2015، وكذلك بجولات الحوار والمؤتمرات التى عُقدت فى كل من موسكو وبروكسل وباريس لإنضاج خطوات الحل السياسى، مع التأكيد على أهمية تنسيق مختلف الجهود العربية والدولية المبذولة فى هذا الشأن. وأعرب المجلس فى مشروع القرار عن الإدانة الشديدة للجرائم الإرهابية التى يرتكبها تنظيم «داعش» الإرهابى، وغيره من المنظمات الإرهابية ضد المدنيين السوريين، وكذلك تدميره المتعمد للمواقع الأثرية والتاريخية فى سوريا. وأقر المجلس مشروع قرار بشأن اليمن، يؤكد فيه مجددًا على الدعم المطلق والمساندة الكاملة للشرعية الدستورية ممثلة فى الرئيس عبد ربه منصور هادى. وأكد على التأييد والدعم الكامل للإجراءات العسكرية الاضطرارية التى تقوم بها قوات التحالف العربى ابتداءً من القرار الشجاع بعاصفة الحزم وإعادة الأمل والسهم الذهبى فى أن تؤدى إلى استئناف الحوار والعملية السياسية استنادًا إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطنى وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفى مقدمتها القرار 2216، وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع اليمن والتصدى لأى أعمال من شأنها تهديد الأمن القومى العربى وأمن دول المنطقة. ويطالب مشروع القرار جماعة الحوثى وميليشياتها وقوات صالح بالانسحاب فورًا من كافة المدن والمناطق والمؤسسات الحكومية التى سيطروا عليها وإعادة كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة إلى السلطات الشرعية الدستورية والإدانة الكاملة لكافة الأعمال المسلحة التى قامت بها ضد الشعب اليمنى الأمر الذى أدى إلى حدوث أضرار هائلة وجسيمة بشرية ومالية وتتحمل تبعات ذلك قانونيًا وإنسانيًا. وأكد المجلس فى ختام اجتماعاته على تفعيل الاستراتيجيات والاتفاقيات والقرارات الخاصة بمكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية التى باتت تهدد أمن واستقرار دول المنطقة.