اشتعلت حالة الصراع الدائرة بين جبهتى الإخوان المتصارعتين على سلطة الجماعة منذ عدة شهور، وزادت حدة التراشق الإعلامى بينهما بعد قيام جبهة الدكتور «محمد كمال»، الموالية للمخابرات القطرية، من إنشاء كيان تحت مسمى «الهيئة الشرعية للإخوان» وإصدار دراسة فقهية تتبنى التأصيل الشرعى للعنف ودفع الشباب إلى منحنى مواجهة الدولة المصرية بكل الوسائل الممكنة، لإشعال الوضع الداخلى، ومحاولة تشويه صورة الأمن المصرى أمام الرأى العام الدولى.ما استفز الجبهة التاريخية للإخوان بقيادة الدكتور «محمود عزت» نائب المرشد، والدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة، والدكتور إبراهيم منير مسئول التنظيم الدولى، والتى تمكنت من إثبات حقها فى إدارة الجماعة خلال الانتخابات التى تمت مؤخرا، ودفعتها إلى إصدار بيان تتبرأ فيه على لسان عبد الخالق الشريف، مسئول النشر والدعوة داخل الإخوان، من هذه الدراسة وما تضمنته من تحريض على العنف، نافيا وجود ما يسمى ب «الهيئة الشرعية للإخوان»، من الأساس، والرد على ناشريها بأنها لا تمثل الجماعة فى شىء، ولم تخرج من القيادة الرسمية للتنظيم التى مازالت تؤمن بالسلمية ولن تحيد عنها. وقد أوضحت الدراسة التى نشرتها «الهيئة الشرعية للإخوان» على بوابة القليوبية التابعة لجبهة الدكتور «محمد كمال»، أن الهيئة كُلفت من قِبل إدارة الإخوان فى الداخل بعمل دراسة للتأصيل الشرعى لما أسمته «العمل الثورى»، وتهدف فى دراستها إلى وجوب مقاومة النظام المصرى بكافة الأشكال والأنواع مع ضرورة مراعاة الضوابط الشرعية حين تنفيذها. وقد أفاد البيان أيضًا بأن هذه الدراسة تم قراءتها كاملة أمام إدارة الإخوان واعتمدتها، تم نشرها على جميع الأسر التربوية. وحرضت الدراسة شباب الجماعة على مواجهة قوات الجيش والشرطة، وإباحة قتالهم، وأن المسار الثورى هو الخيار الوحيد أمام مواجهة الدولة المصرية، ولابد عنه حتى تصل الجماعة إلى مبتغاها. كما استخدمت الدراسة لتعبير «النكاية والإنهاك» الذى ورد فى تفاصيل كتاب ادارة التوحش الذى يمثل المرجعية الشرعية لداعش. وأوضحت الهيئة فى بيانها أن هذه الدراسة أصبحت ملكًا لجميع الإخوان، وليس من حق شخص أو مجموعة معينة إلغاءها وأقرت بطريقة مؤسسية فى أعلى درجات الشفافية. رفض السلمية الصراع لم ينته عند هذا الحد ووصل إلى ذروته بعد ظهور لجنة تحت مسمى «لجنة الشباب المركزية» بالجماعة تطالب «محمود عزت» وجبهته للخضوع لجبهة «محمد كمال»، وترفض مصطلح السلمية الذى يروج له جناح «عزت» على حد وصفها. وأكدت فى بيانها أن ما تمر به الجماعة هو الدافع الأساسى حول أخذ مواقف أكثر جرأة وتجردًا لإنجاح الثورة بحسب تعبيرهم. وقالت لجنة الشباب فى بيان هو الأول من نوعه «إن ما مرت به دعوتنا فى الخمس سنين الأخيرة أثبت أنه كان لزامًا علينا أخذ مواقف أكثر جرأة و تجردًا لإنجاح الثورة»، مضيفة «مضت الأيام واستدعينا بصفتنا الاعتبارية ككيان شبابى بالجماعة فى جناحها الثورى للمشاركة فى إدارة ملف حل الأزمة الراهنة». وتابعت: «هالنا ما رأينا من البعض من إخواننا من تعمد تعطيل رأب الصدع، و رأينا من البعض رغبة فى السيطرة والتحكم رغم بعده عن المشهد الثورى منذ فترة - فى إشارة للقيادات القديمة - رأينا تحزبات جغرافية، وكذلك استخدام قضية الاحتياجات المالية لأهالى الشهداء والمصابين والمعتقلين والمطاردين والمضارين ودعم العمل الثورى فى الأزمة الدائرة». واتهمت اللجنة من وصفتهم بالقيادات الكبار بالسعى لشق الجماعة قائلة: «شباب الجماعة مع غيرهم معنيون بالحفاظ على لحمة جماعتهم، ومواجهة خطر شق الصف الذى يقوده وللأسف إخوة كبار احتلوا فى السابق مراكز قيادية ثم غابوا عن المشهد عقب جريمة فض رابعة والنهضة». وطالب شباب الجماعة هذه القيادات بالانسحاب من المشهد قائلين: «ندعو إخواننا هؤلاء أن يعودوا بخبراتهم للخلف وليكونوا فى ظهورنا داعمين لا أمامنا قادة ومسئولين». وصعد الشباب من حدة هجومهم اللفظى قائلين: «ونؤكد أيضا أن ميراث الجماعة الثورى الذى أسسه الإمام الشهيد حسن البنّا لن نسمح أن يضيع تحت هوى باحثين عن سيطرة أو راغبين فى سكون و مهادنة، كما أن الثورة حية فى نفوسنا لا يمكن لأحد أن يطفئها بإعادة جيل فاته قطار الثورة منذ زمن فلم يؤمن بها ولم يدفع من أجل تحققه». وقالت اللجنة إن «السلمية الاستسلامية المطلقة تم تجاوزها، و أن السلمية المرادة كما نعيها هى عدم الدخول مع المجتمع فى صراع بل إعادة أشكال التواصل معه و مد الجسور والتشبيك اليومى مع قضاياه، ونؤكد أن إزاحة النهج الثورى بالجماعة بإعادة رسم هيكلها بإجراءات غير شرعية متجاوزة إرادة الجمعية العمومية للجماعة التى اختارت ممثلين جددًا عنها أو باستمالة بعضها لحساب طرف ليس من نهج دعوتنا ولا قيمها المثالية التى تربينا عليها و يدفع ذلك لإيجاد حالة من اليأس و الإحباط من شأنها شق وحدة الجماعة». غلق «مصر الآن» من جهة أخرى حاولت جبهة محمود عزت عن طريق رجلها فى تركيا أحمد سليمان – بصفته المسئول الأول عن ملف الإعلام فى الخارج - بإغلاق قناة «مصر الآن» التى تتبنى خط العنف والمواجهة ضد الدولة المصرية، ويسيطر عليها فعليا «كمال»، حيث تعمد سليمان تأخير رواتب العاملين بالقناة لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، والتلويح بأنه لم يعد هناك ميزانية لاستمرار القناة، والتأكيد على أنها ستغلق خلال أيام، كنوع من تجفيف مصادر التمويل وغلق منافذه عليهم، وهو الأمر الذى دفع جبهة «كمال» و«أحمد عبد الرحمن» للتحرك سريعا، وايجاد أموال لها، عن طريق المخابرات القطرية المستفيد الأول من وجود القناة واستمرارها فى مهاجمة الدولة المصرية، بعد غلق قناة الثورة، وقناة الشرق . فيما حذر مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء من محاولات «دعشنة» المشهد المصرى من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وإغراقه فى مسلسل العنف والفوضى، وإنهاك مؤسسات الدولة الحامية والضامنة لبقاء الدولة وقوتها، وصولاً إلى وضع مصر على قوائم الدول الفاشلة على غرار دول عديدة فى المنطقة. وشدد مرصد الإفتاء فى تقرير له على أن جماعة الإخوان الإرهابية فكرًا وسلوكًا تسعى لشرعنة جرائم أتباعها بإضفاء نصوص باطلة لخدمة منهجها الدموى، عبر ممارسات لهيئات تطلق على نفسها مسمى الشرعية أو غيرها من المصطلحات التى تسعى من ورائها لتخدير أفهام البسطاء، وإغماض أعينهم عن الباطل الذى يرتكبونه فى حق أوطانهم. وأشار مرصد الإفتاء فى تقريره إلى أن إحدى الهيئات المناصرة لجماعة الإخوان بمحافظة القليوبية وتسمى «الهيئة الشرعية للإخوان»، أصدرت وثيقة ادعت أنها «تأصيل شرعى» لمنهجية الممارسات الدموية، متضمنة عددًا من الفتاوى التى تجيز اغتيال رجال الشرطة والجيش والقضاة والإعلاميين والسياسيين والأقباط، وحرق واستهداف المؤسسات العامة، وقتل المواطنين المعارضين للإخوان، وتنفيذ العمليات الإرهابية ضد الجيش فى سيناء. وكشف مرصد الفتاوى التكفيرية أن متابعته لعلاقة جماعة الإخوان المسلمين بالعنف أبرز مراحل أربع، الأولى: انتهاج الجماعة للعنف وإن كان بشكل سرى، حيث أنشأت الجماعة فى سبيل ذلك ما سُمى وقتها ب «التنظيم السرى»، الذى نفذ العديد من العمليات الإرهابية والإجرامية والتى عانت منها مصر كثيرًا، وما إن افتضح أمره وسار أمرًا معلومًا للجميع، حتى غيرت الجماعة من استراتيجيتها لتتحول إلى مفرخة للجماعات العنيفة والتكفيرية دون أن تكون هى الفاعل الأساسى. وتابع المرصد، أن المرحلة الثانية تمثلت فى ظهور جماعات بمسميات متنوعة تنحدر جميعها من جماعة الإخوان وتحمل الفكر نفسه، إلا أنها تطلق على نفسها مسميات مختلفة لتقوم بدورها فى نشر العنف والفوضى دون أن يمس الجماعة الأم أى مكروه أو أن يوجه إليها أى اتهام، وبعد نجاح الدولة المصرية ممثلة فى مؤسساتها الحامية والضامنة لأمن المجتمع وسلامته فى القضاء على هذه الموجة من الجماعات العنيفة والتكفيرية، وهو الأمر الذى دفع جماعة الإخوان إلى رفع شعار العمل الدعوى ورفض ممارسات العنف والتبرؤ منه بل السعى نحو إيجاد تأصيل شرعى يرفض العنف ويجرمه! تشجيع العنف وفى أعقاب ثورة 30 يونيو، والتى أزاحت الجماعة من سدة الحكم، ظهرت ملامح المرحلة الثالثة للجماعة، وهى مرحلة تشجيع العنف وسلك ممارساته دون التصريح بذلك، بحيث يكون لدى الجماعة خطاب علنى يرفض العنف ويتبرأ منه فى ظل ممارسات على الأرض تؤصل للعنف وتشجع عليه بل تدفع البلاد نحو مزالقه، وقد رأينا أن هذا الخطاب قد أفقد الجماعة ما بقى من مصداقيتها فى الشارع المصرى، وأسهم فى خلق إجماع شعبى على تجريم الانتماء للجماعة أو العمل لدى أى من كوادرها. وأكد المرصد أننا إزاء مرحلة رابعة تشبه إلى حد كبير المرحلة الأولى فى حياة الجماعة، والتى تتمثل فى تكوين جماعات وتنظيمات عنقودية داخل الجماعة الأم لتقوم بأعمال عنف وقتل وتخريب، ويواكب ذلك تدليس شرعى يرسخ للعنف ويشرعن له.