يكن تصويت اليونانيين ب«لا»فى الاستفتاء المتعلق بشروط المقرضين الدوليين أمرًا مفاجئًا للمتابعين للأزمة اليونانية من البداية، خاصة أن معظم استطلاعات الرأى التى أجريت قبل الاستفتاء أكدت أن هذه النتيجة كانت متوقعة، ولكن الأمر الذى يشغل أوروبا، بل العالم أجمع، هو ما إذا كانت هذه النتيجة ستؤدى إلى خروج اليونان من منطقة اليورو، أم ستعزز وتدعم الحكومة اليونانية فى أى مفاوضات مقبلة مع الدائنين الدوليين. وكان الناخبون قد رفضوا فى الاستفتاء الذى أجرى الأحد الماضى، خطة التقشف بنسبة 61.21% بينما أيدها 38.74%، وبلغت نسبة المشاركة 62.5%. وأعطت تلك النتيجة دفعة لرئيس الوزراء اليونانى « الكسيس تسيبراس» الذى أكد فى تصريحاته أن نتيجة الاستفتاء لا تعنى أبدا قطيعة مع أوروبا، ولكنها ستعزز قدرة بلاده التفاوضية، وأكد أن حكومته مستعدة لاستئناف التفاوض على خطة إصلاحات ذات مصداقية ومنصفة اجتماعيًا، أما وزير المالية اليونانى فأعلن استقالته، وقال على مدونته الإلكترونية إنه «بعد إعلان نتائج الاستفتاء أُبلغت بأن بعض أعضاء مجموعة اليورو والشركاء يفضلون غيابى عن الاجتماعات، وهى فكرة يقول رئيس الوزراء إنها قد تكون مفيدة للتوصل إلى اتفاق، ولهذا أترك وزارة المالية». وإذا كان هذا موقف الحكومة اليونانية، فإن موقف المسئولين الأوروبيين يمكن وصفه بالمنقسم، فبعض التصريحات كانت متشددة وترفض إجراء مزيدا من المفاوضات، أما البعض الآخر فأكد على أهمية استئناف المفاوضات مرة أخرى. وفى هذا السياق، قال رئيس وزراء مالية اليورو إن الأمر يعود للسلطات اليونانية فى أن تتقدم بخطط جديدة، لكنه وصف نتيجة الاستفتاء بأنها مؤسفة للغاية بالنسبة لمستقبل اليونان، أما وزير الاقتصاد الألمانى فقال إنه يصعب تصور إجراء مفاوضات جديدة بين الأوروبيين وأثينا، بعد رفض غالبية اليونانيين خطة الدائنين، وفى نفس الإطار، عقد زعماء منطقة اليورو قمة طارئة لمناقشة تداعيات الاستفتاء. وكان الاستفتاء قد نُظم بعد أشهر من المباحثات غير المثمرة بين اليونان والجهات الدائنة، وهى الاتحاد الأوروبى، وصندوق النقد الدولى، والبنك المركزى الأوروبى، ومنحت هذه الجهات الدائنة منذ 2010 اليونان 240 مليار يورو من المساعدات أو وعود بقروض، لكنها لم تدفع شيئًا لأثينا منذ نحو عام، وتوقف الدفع بسبب رفض أثينا تنفيذ بعض الإصلاحات التى اعتبرتها صعبة جدا اجتماعيًا. وقد شغلت الأزمة اليونانية اهتمام جميع الصحف، ووسائل الإعلام العالمية، لأنها لن تحدد مصير اليونان فقط، وإنما يمتد تأثيرها للاتحاد الأوروبى بكامله. وحاولت بعض الصحف تحليل تلك النتيجة، ومناقشة تداعياتها، فى حين هاجمت صحف أخرى الحكومة اليونانية ورئيسها، فكتبت صحيفة « تايمز» البريطانية أن أوروبا تنظر إلى المعاناة التى تجتاح اليونان الآن بتعاطف مع شعبها، لكن الخطر هو أن التصويت بلا قد سبب ضررًا دائمًا لمنطقة اليورو، مضيفة أن الرفض الشعبى الساحق لشروط الاتحاد الأوروبى لمزيد من المساعدة، ألقى كل الحسابات السياسية تقريبًا فى حالة من الفوضى. وهاجمت الصحيفة البريطانية الحكومة اليونانية، واصفة الاستفتاء بالحماقة والاحتيال، وأشارت إلى أن هناك نتيجة واحدة لا شك فيها، وهى أن مشروع اليورو كعملة واحدة لكل دول الاتحاد الأوروبى تضرر الآن بشدة، لأن الأعضاء الجدد فى الاتحاد الذين التزموا فى البداية باعتماد اليورو عملة لهم فى المستقبل، يسعون الآن للإبقاء على عملاتهم، والمثاليون الذين روجوا فى البداية للعملة الواحدة وسيلة لدمج اقتصاديات أوروبا المتباينة، ومنحهم قوة جماعية جديدة يتحدثون الآن بخجل عن آمالهم، ويعترفون بوجود صعوبات، أما صحيفة «الجارديان» البريطانية فهاجمت موقف دول الاتحاد الأوروبى من تلك الأزمة، فذكرت أن أوروبا لم تتعامل مع هذا الأمر بشكل جيد، ومن ثم، فهى بحاجة ماسة للقيام بعمل أفضل لرأب الصدع الذى حدث. لم تختلف صحيفة « لوبينبون» الفرنسية كثيرًا، حيث حملت الدائنين مسئولية فشل المفاوضات بشأن أزمة ديون اليونان، وسخرت الصحيفة الفرنسية من مطالبة الرئيس أولاند والمستشارة الألمانية ميركل قبيل الاستفتاء باستمرار المفاوضات أيا كانت النتيجة، مشبهة تلك المطالب بمساءلة قبطان سفينة عملاقة للركاب عن الاتجاه الذى يرغبون فى اتخاذه، فيما توشك السفينة على الاصطدام بجبل جليدى، فوفقًا للصحيفة، لا مهرب من غرق اليونان، نظرًا لأن الزعماء الأوروبيين لم يأخذوا الاحتياطات اللازمة من قبل. أما صحيفة «أوجورد وى آن فرانس» الفرنسية فاعتبرت أن تسيبراس نجح من خلال الاستفتاء بإدخال الشعب اليونانى فى مفاوضاته مع الدائنين، ما سيجعله أكثر قوة فى تلك المفاوضات التى ستحمل الكثير من الغموض حول مستقبل منطقة اليورو، نظرا لما وصفته بحيرة الدائنين، وخصوصا المستشارة الألمانية ميركل، ورئيسة صندوق النقد الدولى كريستين لاجارد التى كانت قد دعت اليونانيين إلى الكف عن التصرف بطفولة، وهنا تساءلت الصحيفة بسخرية ما إذا كان حزب سيرينزا قد نضج بين ليلة وضحاها. وإذا كانت الأزمة اليونانية ستنعكس على باقى الدول الأوروبية، فإن تأثيرها سيمتد لدول أخرى أبرزها الولاياتالمتحدة، كما تؤكد صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، حيث رجحت الصحيفة أن يكون للأزمة المالية فى اليونان تأثير على حياة المواطنين الأمريكيين رغم بعد المسافة، وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن هذه التأثيرات ستظهر بشكل واضح خلال الأيام القادمة، بعدما رفضت اليونان خطة الإنقاذ الأوروبية، وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن أبرز التأثيرات تتمثل فى تأثير الأزمة على أسواق الأسهم العالمية والتى تراجعت بعد انهيار المفاوضات بين اليونان ووزراء مالية اليورو فى الشهر الماضى، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500، لأدنى مستوى خلال العام الجارى بتراجع حوالى 2%، ويرى المحللون أن الاضطرابات فى اليونان، قد تكون مؤشرا على نهاية ارتفاعات السوق المستمرة خلال 6 سنوات، فى الولاياتالمتحدة، مما يمثل ضررا كبيرا على أصحاب خطط الادخار للتقاعد، وخاصة أن صناديق التقاعد تقوم باستثمار أموالها فى البورصة.