تعطيل الدراسة ب 334 مدرسة بالقاهرة لمدة يومين لهذا السبب    أمين البحوث الإسلامية: دار الإفتاء حصن منيع للمجتمع في عصر الفتن وفتاوى المتفيهقين    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الإصدار الرابع لسندات توريق بقيمة 3.821 مليار جنيه    وزيرة التضامن الاجتماعي تتفقد وحدة إنتاج الحرير خلال زيارتها لمحافظة الوادي الجديد    تحصين 94,406 رأس ماشية عبر 1,288 فرقة بيطرية خلال 4 أسابيع بأسيوط    رئيس الوزراء: خطة لتطوير العلاقات بين مصر وفيتنام في كافة المجالات    " أردوغان": سنقيم كيف يمكن نشر قوات أمن ضمن قوة الاستقرار بغزة    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    «يونيفيل»: إعادة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب خطوة لبسط سلطة الدولة    الجبلاية تقرر إعادة تشكيل لجان اتحاد الكرة    سباليتي يعترف بتأخره في الدفع بالتبديلات أمام فيورنتينا    إنزاجي: كررنا هذا الخطأ أمام الفتح.. وعلينا تداركه مستقبلا    ضبط 622 لتر بنزين و600 كيلو دقيق مدعم قبل بيعها بالشرقية    فضيحة "مشروع الزئبق"| كيف أخفت "ميتا" أدلة ضرر منصاتها على الصحة العقلية؟    تجديد حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 15 يومًا    مواعيد الاجازات.. بالرابط تفاصيل التقييمات الأسبوعية للمرحلة الابتدائية لتعزيز مهارة الطلاب    ضبط 7 أشخاص اختطفوا شخصا بالتجمع    الدكتور شوقي علام : تاريخ دار الإفتاء يسطِّر جهودًا كريمة لبناء المجتمع المصري    شيرين عبدالوهاب تنفي شائعات الاعتزال وتعد جمهورها بمفاجآت جديدة    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    وزير الصحة يبحث مع سفير قطر سبل تقديم المساعدة الطبية للأشقاء الفلسطينيين    مصرع سائق توك توك بطلق ناري على يد عاطل بعد تدخله لفض مشاجرة في شبرا الخيمة    صحة غزة: 106 شهداء وجرحى بالقطاع خلال 24 ساعة    حاكم موسكو: اندلاع حريق في محطة كهرباء تغذي العاصمة جراء هجوم بطائرات مسيرة أوكرانية    «المنوفية» تحصد 12 ميدالية في «بارلمبياد الجامعات المصرية»    محافظ الشرقية: المرأة شريك أساسي في بناء الوطن وحماية المجتمع    المصل واللقاح: نمر بذروة انتشار الفيروسات التنفسية وعلينا تجنب العدوى    نتنياهو: إسرائيل ستقوم بكل ما هو ضروري لمنع حزب الله من إعادة بناء قدرته التهديدية    متحف الأكاديمية المصرية بروما يجذب أعدادًا كبيرة من الزوار الأوروبيين    جامعة بني سويف ال 8 محليا و 130 عالميا في تصنيف تايمز للعلوم البينية 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    ورشة عمل عملاقة.. أكثر من 200 منشأة قيد التنفيذ لدعم مشروع الضبعة النووي    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    «غرق في بنها».. العثور على جثة شاب أمام قناطر زفتي    غرف السياحة: كريم المنباوي ضمن أقوى 50 شخصية مؤثرة بسياحة المؤتمرات عالميا    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أول لقاح لسرطان الرئة فى العالم يدخل مرحلة التجارب السريرية . اعرف التفاصيل    موعد مباراة ريال مدريد أمام إلتشي في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    اليوم.. الزمالك يبدأ رحلة استعادة الهيبة الأفريقية أمام زيسكو الزامبى فى الكونفدرالية    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    وزير الرى: تنفيذ خطة تطهيرات للترع والمصارف خلال السدة الشتوية    أنواع الطعون على انتخابات النواب.. أستاذ قانون يوضح    «هنيدي والفخراني» الأبرز.. نجوم خارج منافسة رمضان 2026    ضايل عنا عرض.. عندما يصبح «الفرح» مقاومة    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذخائر العرب.. عيون التراث العربى
نشر في أكتوبر يوم 12 - 07 - 2015

125 عاما تمر هذا العام على نشأة دار المعارف، أعرق دور النشر العربية على الإطلاق، وأثراها تراثا وأغناها تاريخا، 125 عاما من نشر المعرفة وإشاعة التنوير وإضاءة العقول، مئات من المبدعين والكتاب والأعلام احتضنتهم وشهدت مولد أعمالهم الأولى، آلاف من الكتب، عشرات من السلاسل، تاريخ مشرق وماض زاخر لم يسجل بعد ولم يتم توثيقه على كافة جوانبه حتى اللحظة.. هنا نستعيد بعضا من مشاهد وفصول دار المعارف، ننعش بها الذاكرة، ونقلب فى الدفاتر القديمة، نتحدث عن كتّاب كبار، نروى قصص مولد أعمال خالدة، شخصيات عظيمة، بعضا مما ندين به لهذا الصرح العظيم..فى العام 1997، نشر الكاتب والمفكر الراحل حسين أحمد أمين مقالة بديعة عن أهم 100 كتاب فى التراث العربى، بمجلة العربى الكويتية، وألحق بها قائمة مختارة بالعناوين المائة الأهم، من وجهة نظره، فى تاريخ التراث العربى. كانت هذه القائمة متوازنة ودقيقة فى جانب كبير منها، راوحت بين المجالات المختلفة للتراث (فقه، أدب، تفسير، تاريخ، تصوف، فلسفة، علم الكلام، شعر، بلاغة، لغة، معاجم.. كما غطت زمنيا ثمانية قرون كاملة فى تاريخنا الوسيط.
بنظرة سريعة إلى هذه القائمة اكتشفتُ أن أكثر من نصفها من العناوين التراثية الأصيلة الراسخة، قد تم إخراجه وتحقيقه ونشره فى سلسلة (ذخائر العرب) التى تصدر عن دار المعارف، فى طبعات مدققة أنيقة يُضرب بها المثل فى روعة الإخراج وقمة ما وصلت إليه مناهج تحقيق التراث على يد أفذاذ المحققين من الشيوخ والعلماء الأجلاء؛ مثل الشيخ أحمد محمد شاكر، وأخيه العلامة محمود محمد شاكر، وعبد السلام هارون، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، وطه الحاجرى، والسيد أحمد صقر. ومن جيل المحققين الأكاديميين الممتازين؛ محمود على مكى، شوقى ضيف، محمد زغلول سلام، ناصر الدين الأسد، إحسان عباس، حسين مؤنس، محمود الطناحى، عبد المجيد دياب، وآخرين.
(ذخائر العرب) هى السلسلة العظيمة التى تصدرها دار المعارف فى مصر، وهى من أهم ما تم إصداره عربيا من سلاسل مختصة بنشر تراث العرب، السلسلة الأعرق التى اهتمت بنشر التراث العربى نشرا راقيا قائما على أسس علمية بالغة الدقة والعمق، ولا شك أن سلسلة (ذخائر العرب) التى أصدرتها دار المعارف تعتبر أرقى وأعظم سلسلة تراثية عربية ظهرت حتى الآن، ولا تكاد تنافسها سلسلة أخرى سوى (الذخائر) التى أصدرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، وهى قياسا بالعمر والتاريخ أحدث طبعا من (ذخائر العرب) وإن كانت لا تقل عنها فى قيمة ونبل ما أخرجته من كتب التراث العربى خاصة خلال الفترة التى تولى رئاسة تحريرها العلامة الكبير الدكتور عبد الحكيم راضى. وأظن أن الكثيرين من الأجيال القديمة وما بعدها يعرفون (ذخائر العرب) جيدا، أما من جيلى والأجيال التى تلته فقلّ منها من يقرأ التراث أصلا أو يقبل عليه، وإن كان لا يخلو جيل من الأجيال فى حقبة من الحقب، من أفراد مفتونين بالمعرفة والسعى إلى النفائس والتنقيب عنها واستخراجها. أما سبب أهميتها وشهرتها فيرجع لما نشرته من كتب و «ذخائر» حقا.
ظهرت السلسلة بمقترح من المحقق الكبير عبد السلام هارون سنة 1942، بعد أن اشترك مع قريبه العلامة محمود محمد شاكر فى إخراج وتحقيق أهم وأقدم مجموعتين شعريتين عربيتين تعودان إلى العصر الجاهلى، وهما «الأصمعيات» لعبد الملك بن قريب الأصمعى، و«المفضليات» للمفضل الضبي، وحققتا نجاحا كبيرا، وتخطفتها الأيدى، وطبع منها أكثر من طبعة فى فترة وجيزة.
وأترك صاحب مقترح إنشائها، المرحوم عبد السلام هارون، يروى بنفسه قصة ميلاد (ذخائر العرب) كما سجلها فى كتابه الصغير القيم «التراث العربى» (سلسلة كتابك، دار المعارف، 1978، ص 61)، يقول هارون:
«وقد بدأت دار المعارف نشاطها فى إحياء التراث العربى سنة 1942، حين فكرت أنا وأخى العلامة المغفور له الشيخ أحمد شاكر فى نشر مجموعات عيون الشعر سميناها «ديوان العرب». وبدأنا فى نشر «المفضليات» ثم «الأصمعيات». ثم اقترحنا على الدار أن تخصص نشرا منظما لعيون التراث العربى، فسرعان ما استجابت لهذا الاقتراح وقامت بتنظيم تنفيذه».
ويتابع هارون «وأذكر أن الدار قد أعلنت فى ذلك الوقت عن مسابقة لتسمية هذا المشروع، ففاز به عنوان «ذخائر العرب» يشترك فى تحقيقها علماء الشرق والغرب، وكان باكورة هذه المجموعة كتاب «مجالس ثعلب» فى مجلدين بتحقيق عبد السلام هارون و«إصلاح المنطق» لابن السِّكِّيت بتحقيقه مع الشيخ أحمد شاكر، والطبعة الأولى من «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم تحقيق أ. ليفى بروفنسال. وتوالى بعد ذلك نشر طائفة كبيرة من تلك الذخائر بلغت الآن 54 كتابا؛ منها ما هو فى أكثر من عشرة مجلدات ومنها ما أعيد طبعه أكثر من خمس مرات. ولا تزال تلك المجموعة فى تزايد ونجاح مطرد، نرجو له المضى فى نشاطه واتساعه».
كتب المرحوم عبد السلام هارون هذا الكلام فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، وإذا كانت السلسة قد ظهرت إلى الوجود فى 1942 فإنها وخلال الفترة من 42 إلى 78 (أى خلال ستة وثلاثين عاما) قد أخرجت 54 كتابا/ عنوانا من ذخائر التراث، لو حسبنا عدد الأجزاء التى كان يتكون منها بعض الكتب، وهو الأغلب، وكان يصل إلى عشرة أجزاء فى بعضها، لاكتشفنا بسهولة أن ما طبعته وأخرجته دار المعارف خلال تلك الفترة يتجاوز المائة كتاب محققا ومدققا فى إطار سلسلة (ذخائر العرب).
ويظهر من حديث هارون، كيف كانت تأتى المبادرات العظيمة وكيف كان يستجاب لها، حين كان يقوم على مؤسسات النشر العريقة (العامة والخاصة) فى ذلك الزمن؛ أفراد من عينة شفيق مترى ويوسف شقة ومحمد سعيد العريان، هم فى البدء والمعاد أصحاب رسالة، مثقفون حقيقيون لديهم ميزان من ذهب يزنون به الأفكار والرجال والمشاريع، يتكلمون قليلا ويعملون كثيرا، بياناتهم وخطاباتهم تتحدث من خلال إنجازاتهم، لهذا تركوا وراءهم من الآثار والإنجازات العظيمة التى تتحدث عنهم وتومئ إليهم، وتتقطع نفوسنا حسرات عما جرى وكان!
أما اللجنة المشرفة على السلسلة، لاختيار العناوين وتكليف المحققين بالعمل عليها وإخراجها؛ فكانت تتكون من: الدكتور طه حسين، أحمد أمين، على الجارم، عبد الوهاب عزام، إبراهيم مصطفى (صاحب إحياء النحو)، أحمد محمد شاكر، ومحمد حلمى عيسى (وزير المعارف العمومية آنذاك) ولك أن تتخيل عزيزى القارئ، سلسلة يشرف عليها أسماء بقيمة وقامة هؤلاء الأفذاذ، المستوى الرفيع الذى كانت تخرج به إصدارات (ذخائر العرب)، من اختيار الموضوعات والكتب، ومستوى تحقيقها بما بلغته من دقة ومطابقة للأصل، وبما ألحق بها من مقدمات وافية أو كتب لها خصيصا من دراسات مفصلة عُدت كتبا كاملة ملحقة بالنص المحقق، باتت (ذخائر العرب) نفسها تراثا إنسانيا رفيعا بما قدمته وأخرجته ونشرته ويسرته للباحثين والدارسين ومحبى التراث والعلوم العربية.
صدر الكتاب الأول من (ذخائر العرب) فى مجلدين بعنوان «مجالس ثعلب» بتحقيق عبد السلام هارون، وهو من نفائس كتب التراث اللغوى، وقد نال هذا الكتاب عقب صدوره الجائزة الأولى للنشر والتحقيق العلمى فى المسابقات الأدبية التى نظمها مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1950. وافتتح «مجالس ثعلب» نشر طائفة من عيون تراث العرب فى اللغة والبلاغة والنقد خرجت تباعا فى (ذخائر العرب)، ومنها: «إصلاح المنطق» لابن السِّكِّيت، «إعجاز القرآن» للباقلانى، «ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن»، «الموازنة» للآمدى، «الإبانة عن سرقات المتنبى» للعميدى، وكتب أخرى.
على أن من أجلّ وأعظم ما أخرجته السلسلة من نفائس التراث الشعرى العربى، تلك المجموعة من الدواوين الكاملة أو شروحات لدواوين أعلام الشعر العربى فى عصوره الأولى، نذكر منها على سبيل المثال: «ديوان امرئ القيس» بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، «شرح ديوان صريع الغوانى»، «ديوان البحترى» فى 5 مجلدات بتحقيق محمد كامل الصيرفى، «ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب»، «ديوان الشماخ بن ضرار الذبيانى»، بالإضافة إلى «شرح ديوان المتنبى» المنسوب إلى أبى العلاء المعروف والمشهور ب «معجز أحمد»..
ولا ينسى عشاق التراث ومحبوه تلك النصوص الرائعة من عيون تراثنا النثرى؛ «رسالة الغفران» لأبى العلاء المعرى التى عكفت على تحقيقها ودراستها وإخراجها للناس فى صورتها الأصلية كما كتبها شيخ المعرة الدكتورة عائشة عبد الرحمن، وأيضا رسالته الأخرى الضخمة «الصاهل والشاحج»، كما أخرج المرحوم أحمد أمين النص الأندلسى الفاتن «حى بن يقظان» مع رسائل مشرقية أخرى دارت حول شخصيتى سلامان وأبسال لكل من ابن سينا وابن النفيس..
يطول الكلام، وحق له أن يطول ويستفيض ويتشعب عند الحديث عن قطعة عزيزة وغالية من تراثنا الفكرى المعاصر، فلم تكن (ذخائر العرب) أبدا مهما مرت السنون وطالتها العوائد مما ينسى أو يهمل ويلقى فى قيعان وطوايا النسيان..
وللحديث بقية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.