معارك ضارية تدور رحاها فى شمال شرقى سوريا وبالتحديد فى مدينتى كوبانى والحسكة السوريتين بين تنظيم داعش من جهة والجيش السورى والقوات الكردية من جهة أخرى، والعجيب فى الأمر أن قوات النظام والأكراد اتفقا على توحيد القتال فيما بينهما لمحاربة داعش رغم أنهما على أرض المعارك خصمان ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتحالف فيها النظام وقوات الأكراد فقد تحالفا فى معارك سابقة منها معركة تل حميس وتل براك ومعارك جبل عبد العزيز وتل تمر ومعركة الميلبية. معركة كوبانى – الحسكة ستفضى نتائجها الى ترسيخ أوضاع جديدة وستفرض حسابات مؤلمة ومفرحة لأطراف الصراع الدائر هناك ( داعش- وقوات النظام السورى- التحالف الدولى – القوات الكردية – تركيا). وحسب تقارير إعلامية، أكدت مصادر فى مدينة الحسكة السورية أن قوات الحماية الكردية توصلت إلى اتفاق مع قوات النظام يقضى بمحاربة الطرفين تنظيم داعش الذى بدأ قبل أيام هجومًا على المدينة فى مقابل تقليص النظام لسلطاته داخل الحسكة وحسب مصادر كردية فإن الاتفاق ينص على استلام القوات الكردية إدارة الأحياء التى ستتمكن من السيطرة عليها بعد طرد التنظيم منها إضافة لرفع العلم الكردى فوق هذه المناطق بدلا من علم النظام. زخم الهجوم الأخير الذى يشنه تنظيم داعش على الحسكة يعزوه مراقبون إلى موقع المدينة الجغرافى المهم لاتصاله بالحدود التركية كما أن التنظيم يسعى أيضا إلى السيطرة على مزيد من المناطق فى المركز الحضرى الرئيسى قرب الحدود العراقية وبالتالى فإن إحكام داعش قبضته على المدينة الاستراتيجية قد يشكل نقطة انطلاق لهجمات مستقبلية نحو الجهة الغربية. العمليات الضارية بالحسكة نجم عنها نزوح قرابة 60 ألفا من أهالى المدينة إلى ريف الحسكة كالقامشلى والدرباسية وعامودا وفق ما أعلنته الأممالمتحدة التى حذرت أيضاً من ارتفاع عدد النازحين إلى 200 ألف مع استمرار المعارك فى المدينة. وكان تنظيم داعش شن هجوماً واسعاً على مدينة الحسكة بهدف بسط سيطرته عليها إثر خسائره المتكررة فى عين العرب (كوباني) وتل أبيض وانحسار وجوده فى ريف حلب الشرقى ومدينة الرقة وبعض المناطق فى دير الزور. وحقق «داعش» تقدمًا إضافيًا فى الحسكة بعدما جهز «جيش الخلافة» الذى يضم عناصر أجانب ومائة انتحارى واستعد لفرض سيطرته الكاملة على المدينة بالتزامن مع اشتباكاته المستمرة مع الأكراد فى عين العرب (كوباني) التطورات الأخيرة فى الحسكة أثارت مخاوف الناشطين هناك من تعزيز حزب الاتحاد الديمقراطى لنفوذه فى المدينة وبالتالى خلق كانتون أو جيب كردى متصل بمناطق سيطرة الحزب من عين العرب غرباً إلى القامشلى شرقا. وتسيطر قوات النظام على الأحياء الجنوبية والغربية من الحسكة وهى أحياء غالبية سكانها من العرب فيما تسيطر الوحدات الكردية على الأحياء الشمالية والشمالية الشرقية ذات الأغلبية الكردية. أما إلى الغرب من الحسكة حيث مدينة كوبانى فتمكنت وحدات حماية الشعب الكردية من طرد مقاتلى داعش من المدينة للمرة الثانية بعد أن هاجمها خلال الأيام الأخيرة ونفذ مذبحة راح ضحيتها أكثر من 140 شخصا. ووجهت اتهامات لتركيا من قبل ناشطون وقياديون أكراد بتسهيل دخول عناصر داعش إلى المدينة عبر الحدود التركية السورية إلا أن أنقرة نفت هذه الاتهامات. والسيطرة على كوبانى-ذات الأغلبية الكردية- تعد هدف استراتيجى للأطراف المتنازعة هناك، فالبنسبة لأكراد سوريا تمثل كوباني، جغرافيا، نقطة الوصل المتوسطة بين المناطق الكردية الثلاث: الجزيرة (شرقا) وعفرين (غربا) وكوبانى بينهما والتى يسعون فيها لتشكيل مناطق حكم ذاتى وإدارة محلية فى هذه المناطق التى يمثلون أغلبيتها ويسيطرون عليها، مما يشكل ضربة قاصمة لهم حال فقدانهم إياها. وأكد صالح مسلم رئيس «الاتحاد الديمقراطى الكردي» أكبر الأحزاب الكردية أن استراتيجيتنا ترتكز على المطالبة بالحقوق الكردية الديمقراطية نريد سورية ديمقراطية تعددية وندعو إلى اللامركزية والديمقراطية وسورية لن تستقر إلا بتغيير النظام الاستبدادى المركزى فى سورية. وتمثل كوبانى بسكانها الأكراد مكانا لعدو علمانى قومى تستهدفه داعش مما دفعها لتغيير اسمها إلى "عين الإسلام"، كما تستخدمه فى المقاطع والأخبار التى تنشرها من هناك وإذا استطاعت داعش السيطرة عليها رغم الدعم الكبير من قبل التحالف الدولى للأكراد والقصف الجوى فإن نصرها سيعزز مكانها ورمزيتها ويظهر أمريكا بمظهر المهزوم الحرج وتستغل ذلك إعلاميا لمزيد من التجنيد العالمى والحشد الجهادى. وبالنسبة للتحالف الدولى وكما هو الحال بالنسبة لداعش فإن انتصار التحالف فى المعركة التى حشد لها إعلاميا وشعبيا وسياسيا أمر ضرورى وأساسى خصوصا بالنسبة لأوباما الذى تبنى استراتيجية المواجهة -المتمثلة بالتدمير والإضعاف كما سماها- والتى تواجه الكثير من الاعتراضات داخل أمريكا -خصوصا مع فوز الجمهوريين بالكونجرس- وخارجها. استراتيجية التدمير والإضعاف لا يمكن أن تنجح دون حصر داعش فى مناطق محدودة، وسيطرة التنظيم على كوبانى ستؤدى لتوسع وامتداد يزيد هذه المهمة صعوبة. أما تركيا فتمثل لها معارك الحسكة وكوبانى هاجس قلق وفى ظل خشية متصاعدة لدى أنقرة من تعزيز حظوظ الأكراد فى تحقيق حلم الدولة المستقلة ولا تنظر تركيا بعين الرضا للتقدم العسكرى الذى يحرزه الأكراد فى شمال شرق سوريا بعد أن تمكنوا من استعادة مناطق مهمة واستراتيجية من أيدى التنظيم المتشدد. أما النظام السورى فحساباته فى معركة كوبانى الحسكة تقضى بأن بقاء كوبانى مع الأكراد القريبين إليه سيريحه فى معاركه فى سوريا وقد يكرر النظام ما فعله فى الرقة فى الفترة الأخيرة بتحريك طائراته وقصف مناطق للتنظيم فى كوبانى ليعزز شرعيته كمحارب الإرهاب فى المنطقة وليخفف عن الجبهات الأخرى التى يحتاجها حول حلب حاصدا ما يستطيع من المكاسب.