لماذا ظهرت وثائق «ويكيليكس» الخاصة بالمملكة العربية السعودية فى هذا التوقيت تحديدًا؟ لقد أصبح هذا السؤال هو الأكثر تداولًا فى الصحف ووسائل الإعلام، وبين المحللين السياسيين، عقب نشر آلاف الوثائق الخاصة بالخارجية السعودية من قبل «ويكيليكس». ويظل التساؤل الأهم عن مغزى التوقيت، لأن ظهور الوثائق المسربة تم فى توقيت مهم ودقيق للغاية، حيث جاء عقب الزيارة التى قام بها ولى ولى العهد السعودى، وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، إلى روسيا، وتوقيعه عدة اتفاقيات ما بين البلدين، أهمها التعاون فى مجال الطاقة النووية للاستخدام السلمى، حيث ذكرت وسائل الإعلام أن المملكة تسعى إلى بناء 16 مفاعلا نوويا للأغراض السلمية، سيكون لروسيا دور بارز فى تشغيلها، فهل لهذا الأمر دور فى ظهور الوثائق فى هذا التوقيت؟! إذا تتبعنا ما نشر عن تلك الوثائق، سنجد أن أغلبها يتعمد إظهار المملكة كأنها تتدخل فى شئون الدول الأخرى وخاصة مصر، ولم نجد فيها ما يشير- على سبيل المثال- إلى العلاقات السعودية الأمريكية، مما يدعم التحليلات والرؤى التى تذهب إلى أن الولاياتالمتحدة صاحبة المصلحة فى تسريب الوثائق الآن، ردًا على سياسة القيادة الحالية للمملكة التى تعتمد على وجود حلفاء جدد، مثل روسيا وفرنسا، بالإضافة إلى التجاهل السعودى للولايات المتحدة فيما يتعلق بسياستها داخل اليمن. لم تكن الولاياتالمتحدة فقط المتضرر الوحيد من هذا التقارب الروسى السعودى، إذ تسببت تلك الزيارة فى غضب إيران، خاصة بعدما دخلت السعودية على الخط النووى، لذا لجأت إيران إلى حليفها فى الشرق الأوسط «حزب الله» للرد على الموقف السعودى، والذى سارع عبر وسائل إعلامه لنشر الوثائق، حيث أعلنت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله أنها اتفقت مع وليام أسانج، صاحب ويكيليكس، على نشر ما يرسله إليها من «وثائق»، وأنها «ستفرج عن تلك الوثائق كون حق التشهير مطلق»! وأكدت العديد من وسائل الإعلام والمراقبين الدوليين أن الولاياتالمتحدة هى من تقف وراء التسريب، كنوع من الإجراء العقابى أو التحذيرى لحليفها الخليجى، ومن باب الضغط على السعودية التى ذهبت بعيدا فى حربها ضد اليمن، بينما ذهب أحد التحليلات إلى افتراض أن الأمر قد يكون جرى على يد الحوثيين، وبتخطيط من إيران. وقد أفردت العديد من الصحف البارزة صفحاتها لمناقشة تلك القضية، وأسباب ظهور تلك التسريبات فى هذا التوقيت، وتأثيرها على السياسة الخارجية السعودية، وفى هذا السياق ذكرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن السعودية دعت مواطنيها إلى تجاهل تسريبات الآلاف من الوثائق الدبلوماسية من قبل ويكيلكيس، موضحة أن ويكيليكس لم تنشر أى معلومات محرجة للسعودية مثل تلك التى نشرت عام 2012، والتى جاء فيها أن الملك الراحل عبد الله دعا إلى قطع رأس الأفعى « إيران»، أما صحيفة « الإندبندنت» البريطانية فأشارت إلى أن مئات الآلاف من الوثائق السرية الحكومية من شأنها توفير نظرة مفصلة فى عمل الحكومة السعودية، ولكن على الرغم من كم الوثائق التى تم تسريبها، فإن هناك شيئًا واحدا لا نعرفه .. كيف تم تسريب هذه الوثائق فى المقام الأول؟ ونقلت الصحيفة البيان الصادر من ويكيليكس الذى ألمح إلى أن مجموعة من القراصنة اليمنيين، اخترقوا بنجاح شبكات وزارة الخارجية السعودية فى مايو الماضى، واستولوا على مجموعة من الوثائق السرية، إلا أنه شدد على أن مجموعة وثائق ويكيليكس بالكامل تم الحصول عليها عبر آلاف الاختراقات على عدة سيرفرات، مما يشير إلى أن التسريبات التى تم الكشف عنها لم تأت من القراصنة اليمنيين، وتساءلت الصحيفة .. من أين أتوا؟ مضيفة، لا أحد يعرف تماما، حتى الآن، يمكن أن يكون من عمل «برادلى مانينج» الجندى الذى عمل محلل استخبارات فى القوات البرية الأمريكية، وتحول الآن لفتاة تدعى «تشيليسى»، أو من عمل مجموعة من القراصنة المنظمين. أما صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فرأت فى سياق تحليلها لتلك القضية، أن الوثائق المنسوبة للدبلوماسية السعودية، التى كشف عنها موقع «ويكيليكس»، لا تحتوى على مفاجآت صادمة عن السعودية، كالتنصت على الولاياتالمتحدة أو شحن الأموال للمجموعات المسلحة، لكن هذه الوثائق، حسب الصحيفة الأمريكية، تحتوى على تفاصيل ومعلومات كافية لتسليط الضوء على خبايا دبلوماسية المملكة.