«الصورة بألف كلمة» مبدأ يعرفه كل من يعملون فى بلاط صاحبة الجلالة ويؤكد أهمية الصورة فى الكشف عن الحقائق وهو ما تظهره صور الآثار الإسلامية التى تبدو مُدمرة ومنهارة ومتهالكة وتحيط بها مظاهر الإهمال والعشوائية وعدم الاعتناء وتحاصرها القمامة وتحتلها المحلات والورش لتُكذّب تصريحات مسئولين لطالما قالوا لنا «كله تمام» بينما تقول الصورة عكس ذلك «تماما»..أكتوبر تجولت فى حى الدرب الأحمر والغورية ومختلف نواحى القاهرة الفاطمية بعد أيام قليلة من افتتاح المسئولين للجامع الأزرق لتكتشف بالصورة والكلمة حال الآثار الإسلامية .. بصدق.!!»احتشدت الكاميرات ووسائل الاعلام المختلفة بالجامع الازرق بحى الدرب الأحمر لكى تنقل صورة جميلة لجامع أثرى تم تجديده يفتتحه المسئولون وهى صورة بلا شك إيجابية، لكن الحقيقة التى رصدتها أكتوبر بعد أيام من انتهاء حفل افتتاح المسجد كانت صارخة بالإهمال الشديد والتفريط الواضح فى حق آثار أجدادنا والتى هى ملك لنا ولأجيال ستأتى من بعدنا كما يؤكد الآثاريون الذين عبّروا عن غضبهم الشديد من هذا الإهمال وكانت أولى المفاجآت هى أن هذا الغضب ممتد إلى العاملين بوزارة الآثار نفسها.. عماد مهدى عضو اتحاد الآثاريين ومكتشف الاثر الإسلامى العظيم «مجمع البحرين» الذى ورد ذكره فى القرآن الكريم بسورة الكهف: قطاع الآثار الإسلامية هو أكثر قطاع يتعرض للضرر والإهمال بسبب وجوده فى قلب القاهرة والأحياء القديمة التى تتهالك فيها البنية التحتية ومن ثم تظهر فيها المياه الجوفية وآثار الزحف العمرانى السلبية بعكس المواقع الأثرية الفرعونية التى غالبا تكون موجودة فى الصحراء أو فى مناطق جافة، ومشيرًا إلى أن هناك آثارا تم ترميمها واستغلالها بشكل جيّد مثل بيت السنارى بمنطقة السيدة زينب والذى تخضع أنشطته لاشراف مكتبة الإسكندرية، وربما يكون هذا هو السبب فى تقديمه أنشطة ثقافية وفنية جيدة وخروجها من دائرة الإهمال والتقصير كونه لا يخضع للإشراف من وزارة الآثار وهناك أيضا بيت السحيمى وبيت زينب خاتون وغيرها من الآثار التى تم ترميمها واستغلت فى تقديم انشطة وندوات تؤدى إلى زيادة الوعى التاريخى واحترام الأثر وهو الدور الذى كان من المفترض أن تؤديه وزارة ولكنها تُقصر فيه بشدة. وقال عن آثار القاهرة الفاطمية: إن أى موقع اثرى سواء كان إسلاميًّا أو مسيحيًّا أو يهوديًّا مسجل كأثر عالمى يعتبر تراث يهم العالم كله وترجع نشأة القاهرة الفاطمية إلى دخول سيدنا «عمرو بن العاص» إلى مصر واستقراره بمنطقة «الفسطاط» ومعناها «الخيمة» والسبب أنه عندما استقر بن العاص بجيشه هناك تم بناء خيمة كبيرة وكان ذلك عام 641م، ثم سميت مدينة العسكر فى عهد الخليفة العباسى «عبد الله السفاح» عام 725م وصولا إلى عهد أحمد بن طولون والذى من أبرز آثاره مسجد الجيوشى وهو من أقدم المساجد التى تم بناؤها فى مصر وعندما تم ترميمه تغيرت ملامحه تماما عن الشكل الذى كان عليه قبل الترميم، ثم سميت هذه المنطقة باسم «القطائع» لأنها تم تقسيمها بين قادة الجيش والمماليك، إلى أن أعاد بناءها جوهر الصقلى سنة 696م وأُطلق عليها اسم «قاهرة المعز» حيث رصد الفلكيون كوكب المريخ عند بداية سور باب النصر وكانوا يطلقون على هذا الكوكب اسم «قاهر الفلك». الاعتراف بالفشل وأضاف: القاهرة الفاطمية مسجلة كأثر عالمى واليونسكو مستعدة للمساعدة ولا تتأخر عن ذلك ولكن يجب أولًا على السلطات المسئولة فى الدولة إخطارها من قبل الجهات المنوط بها حماية الآثار وهى هنا وزارة الآثار والتى للأسف لا تلجأ إلى ذلك لأنها تعتبر ذلك اعترافًا بفشلها وهى أبدا لا تعترف بالخطأ او الفشل او الاخفاق وهذا ما أكدته مواقفها السابقة مثل ما حدث فى هرم سقارة وذقن الملك توت عنخ آمون والتى تزن وحدها اثنين كيلو جرام من الذهب الخالص، فالمسئولون يعاندون ويفضلون مصلحتهم الشخصية على حساب مصلحة البلد فى بعض الأحيان، وللأسف فهم فاشلون فى الترميم وفى حماية المخازن أو حراستها حتى دورهم الأساسى والرئيسى وفى زيادة الوعى الأثرى أخفقت وزارتا الآثار والثقافة فى ادائه. وحول ظاهرة انتشار المحلات والمصانع البدائية داخل الآثار الإسلامية بالقاهرة الفاطمية قال مهدى: معظم مساجد الآثار الإسلامية لا يُعرف من المسئول عنها فبعضها يتبع وزارة الأوقاف وبعضها يتبع الآثار فإذا أصيب أثر بمكروه فإن كل جهة تلقى باللوم على الأخرى ويتفرق دم الأثر بينهما ولا أحد يُحاسب على الإهمال والتقصير وهناك مبرر جاهز ومعلب وهو نقص الإمكانيات رغم أن وزارة الآثار من المفترض أن تكون أغنى وزارة فى مصر بل وفى العالم كله. تشتكى لربها «المشكلة ليست وليدة اللحظة وجذورها تعود إلى 25 سنة مضت» بهذه الكلمات بدأ نور عبد الصمد مدير عام التوثيق الأثرى بوزارة الآثار حديثه ويستكمله مهاجمًا وزارته بشدة فيقول نحن الآن مخالفون لدستور اليونسكو الذى وقّّعنا عليه عام 1972م وإلى اليوم تطلب اليونسكو من الدولة تنفيذ بعض الأمور لكنها لا تنفذ، مثل طلب اليونسكو من الحكومة المصرية خريطة للقاهرة الإسلامية ولم تقدم الحكومة هذه الخريطة حتى اليوم على الرغم من كون القاهرة التاريخية (Historical Cairo) مسجلة كأثر عالمى لأنها تحتوى على آثار إسلامية وقبطية ويهودية، إضافة إلى ذلك فمنذ عام 1992م لا تزال الكثير من الآثار الإسلامية مصلوبة على أعمدة حديدية، هذه الآثار تشكو لربها ظلم العباد وبخاصة العاملين فى وزارة الآثار، على الرغم من وجود مادة فى قانون الوزارة وهى المادة رقم (117) لسنة 83 والتى تؤكد أن الوظيفة الأساسية للمجلس الأعلى للآثار والوزارة هى حماية وصيانة الآثار وهو ما يخالف الحقيقة تماما منتقدًا حالة الإهمال التى تتعرض لها الآثار والمتمثلة فى تركها دون هذه الآثار ترميم لأن هذه الصورة تقول للعالم بوضوح إن الدولة غير قادرة على حماية تراثها على الرغم من توقيعها على المواد (3 و5 و7) من قانون اليونسكو والتى تقول الدولة تكون مكلفة بحماية هذا التراث وإلا يتخذ ضدها إجراءات مثل أن تضع المنظمة بعض المواقع الأثرية التى يتم التعدى عليها فى قائمة (Historical Cairo) المهددة بالخطر وهذا معناه أنه يمكن حذف هذا الأثر من قائمة التراث، ما يمثل فضيحة عالمية. وأضاف: وهناك مثال صارخ على ذلك فى منطقة أبومينا الأثرية بغرب الإسكندرية، وهى واحدة من المواقع الأثرية المصرية (وهم ستة فقط !!) المسجلة فى قائمة التراث العالمى، حيث توجد عليها تعديات منذ عام 2002م وحتى هذه اللحظة فشلت الدولة المصرية فى إزالة التعديات على هذا الموقع، فإلى متى سيستمر التفريط فى هذا التراث أمام العالم الذى ينظر إلى حضارتنا وتراثنا وآثارنا بمهابة واحترام وتقدير. كبابجى فى الأثر تساءل: أين خطة الوزارة الحالية أو المستقبلية لحماية التراث وانقاذه مضيفًا: كل ما تم انجازه من إجراءات هو اختيار بعض الآثار ليتم إسناد ترميمها إلى شركة مقاولات غير متخصصة وبعضها أثبت فشلا ذريعا ودمّر الآثار الفرعونية والإسلامية مثل هرم «زوسر»، وهناك تشتت وتخبط داخل الوزارة، والمسئولون يتغيرون وكل شخص له فكر وبعضهم غير جديرين بهذه المناصب وهذه الأمور هى التى أدت بنا إلى هذه الصور التى نتحدث عنها! وحول المحلات والمطاعم والورش الموجودة داخل الآثار الإسلامية قال الصمدى: عنصر المال هنا يلعب دورًا مهمًا ودائما ما ننادى بأن يكون للآثار خصوصية فى التعامل فهى تراث وطن يجب حفظه للأجيال القادمة فهو ملك لكل المصريين بل وللعالم كله، وبالتالى ألا يجب أن يتولى مسئولية إدارته أشخاص تقدر قيمة هذه الآثار، ورغم تقديرنا أن السلطة الحالية لديها أعباء جسيمة فى مواجهة الإرهاب وعليها مسئوليات كبيرة وخطيرة لكننا يجب أن نشير إلى أن هذا الموضوع فى منتهى الخطورة ولا بد أن تتدخل الدولة لتصحيح هذا الوضع والذى لا يجب استمراره بأى شكل من الأشكال، لأن العالم ينظر الينا من خلال آثارنا. واختتم الصمدى حديثه وقال: الكلام عن نقص الإمكانيات مجرد شمّاعة والذى يقول هذا الكلام يجب أن نسأله هل أعد خطة وقام بعرضها على السيد رئيس مجلس الوزراء فرفضها ؟!بالتأكيد لم يفعل.. وبالتأكيد لن يرفض رئيس الوزراء مثل هذا الأمر، يجب أن ننتبه جيدا فهناك مخطط لعملية تخريب متعمد داخل بعض المناطق وهو يؤدى إلى الهدف الذى تسعى إليه شركة إسرائيلية تحلم بتأجير الآثار المصرية من خلال شركات إحدى الدول العربية وهذا الأمر حدث فى حكم الإخوان ثم جرت محاولة فاشلة لذلك فى عهد الرئيس السابق عدلى منصور.