فرضت الأحداث العسكرية الساخنة فى منطقة القلمون السورية المحاذية للحدود اللبنانية نفسها على المشهد السياسى اللبنانى الملبد بالغيوم وادخل حزب الله لبنان فى مغامرة غير محسوبة العواقب بقرار مشاركته فى معركة القلمون التى تدور رحاها بين قوات النظام السورى و«حزب الله» من جهة ومسلّحى «جبهة النصرة» من جهة أخرى. وفرضت مشاركة من حزب الله تساؤلات حول انعكاساتها على مستقبل الجنود المختطفين من قبل جبهه النصرة وسلامتهم وتأثير هذه المعركة على مستقبل جولات الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل ومستقبل العملية السياسية فى لبنان الذى يعانى فراغا رئاسيا قارب على العام فاللبنانيون متخوفون من إمكانية انتقال هذه المعارك إلى الداخل اللبنانى خصوصاً إلى القرى الواقعة على طوال الحدود اللبنانية- السورية من شبعا حتى رأس بعلبك أو إمكانية حصول تفجيرات جديدة فى البلد انتقاماً لما يقوم به الحزب فى القلمون. ويسعى الجيش اللبنانى ومعه باقى المؤسسات الأمنية إلى توفير ما يمكن من مناعة بالإجراءات الوقائية ولا سيما الجهد الاستخبارى وملاحقة المجموعات الإرهابية ومحاولة تجفيف مصادر تمويلها وأسلحتها والسهر على الأمن عند الحدود الشرقية والشمالية وإبقاء العين مفتوحة على الداخل خاصه وأن الوقائع شبه اليومية تثبت أن بعض المجموعات الإرهابية تسنى لها على مدى السنوات الأربع من عمر الأزمة السورية«الاستثمار» وإنشاء شبكات للقتل والتفجير والاغتيال فى بعض المناطق اللبنانية. من جهته اختار «حزب الله» إستراتيجية للمواجهةعلى قاعدة أن المنطقة تواجه المخاطر والتحديات والمصائر نفسها وهذا ما حاول عكسه الأمين العام للحزب حسن نصرالله فى خطابه السياسى عندما ربط ما يجرى فى اليمن والعراق وسوريا بما يهدد لبنان من مخاطر وتحديات سياسة وأمنيا وجبهات وفيدراليات. وتحمل مشاركه حزب الله فى معركة القلمون عدة رسائل سياسية كما يراها المراقبون لعل أهمها أن المواجهة التى يقوم بها «حزب الله» فى قلب سوريا وانتقاله إلى ميادين جديدة هناك انما هى مواجهة دفاعية عن لبنان والمنطقة بأسرها بدليل أن الخطر الارهابى بات يدق الحدود الشرقية من دون ان تسقط سوريا فماذا إذا سقطت وسيطرت عليها المجموعات التكفيرية، هذا إلى جانب تطمين الداخل السورى بأن المقاومة وحليفيها الروسى والإيرانى لن يتخلوا عن سوريا بل كانوا وسيبقون متمسكين بخيارهم السورى. وعلى الجانب الآخر المعارض لمشاركة حزب الله فى القلمون جاءت أغلب التحليلات بأن حزب الله يحاول أن يقول من خلال هذه المعركة إنه المتحكم فى الحرب والسلم وأنه غير معنى بمصالح لبنان واللبنانيين والحزب يحاول الانفصال عن المجتمع اللبنانى والقيام بأمور لا تعبر عن أدبيات اللبنانية ولا تمت إليهم بأى صلة وهو يحاول فى كل مرة تصوير نفسه على انه المنتصر فى القلمون وفى غيرها من المناطق فى الداخل السورى على عكس الواقع، وأنه لا شىء سيتغير فى لبنان جراء معركة القلمون إلا فى حال تشردت مجموعات من المعارضة إلى الداخل اللبنانى وهذا ما يسعى اليه جاهداً حزب الله فى محاولة منه لزج الجيش فى هذه المعركة ولن تنفع معه كما لم تنفع محاولاته السابقة طوال سنة ونصف من جر الجيش إلى هذه المعارك ليتكبد الخسائر عنه وعن جيش النظام السورى. واعتبر رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان أن غالبية الشعب اللبنانى ترفض خوض معركة لحماية غير لبنانيين، فيما أعلن زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريرى أن لبنان غير معنى بالدعوات إلى تنظيم المعارك فى القلمون وأن لا حزب الله ولا الحرس الثورى الإيراني... وآلاف أطنان البراميل المتفجرة سيكون فى مقدورها حماية بشار الأسد من السقوط. وكانت تداعيات معركة القلمون مدار بحث فى جولة الحوار الحادية عشرة بين قيادة الحزب وقيادة تيار «المستقبل» حيث طرح ممثلو الأخير جملة أسئلة عن رد فعل المجموعات المسلحة السورية على الأراضى اللبنانية وموقف الجيش من هذه المعركة وهو ما عكسه الحريرى فى بيانه محذراً من السياسات الرعناء التى يمارسها حزب الله.