فى منتجع كامب ديفيد الرئاسى بماريلاند انعقد اجتماع مهم بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما وممثلى دول مجلس التعاون الخليجى الذى يضم السعودية والكويت وقطر والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان لمناقشة التعاون الأمنى ووضع خطة عمل للتعاون والتحالف الاستراتيجى – لكن يبدو أن هذه العناوين لم تعد مغرية لقادة دول الخليج والعالم العربى فقد سبق وأن استمعنا كثيرا لهذه المفردات والتى شهدنا فى نهايتها المزيد من اشتعال الأزمات فى المنطقة العربية دون غيرها.وتبقى التساؤلات مطروحة حتى بعد انعقاد القمة حول مدى التزام واشنطن بالعمل والتعاون وتحقيق السلام فى المنطقة؟ وهل تسعى واشنطن إلى تحقيق مصالحها الحيوية وفقط أم ستلتزم الإدارة الأمريكية بالأعمال قبل الأفعال والتى تنعكس بالضرورة على دعم استقرار المنطقة بالفعل؟ وهل تسعى واشنطن لتكريس منطق الحوار الدائم مع دول الخليج سنويا وصولا إلى تحقيق مصالح مشتركة؟ ومن يضمن التزام واشنطن بتعهداتها خاصة وأن دول الخليج تطالب الإدارة الأمريكية بتقديم ضمانات بعد مرحلة الاتفاق النووى الإيرانى الأمريكى. بداية قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما إن بلاده على استعداد لاستخدام كل عناصر القوة لحماية أمن دول الخليج العربية من تهديدات ضمن حماية مصالح واشنطن فى الشرق الأوسط وقال أيضا إن اللقاء ينبع من مصلحة مشتركة فى منطقة الخليج يعمها السلام والرفاهية والأمن. إن قول الرئيس الأمريكى هذا ليس بجديد سبق وأن وعد به الرئيس الأمريكى السابق بوش عندما دخل العراق كى يحررها من الإرهاب وإلى اليوم واشنطن مستمرة فى مكافحة الإرهاب فى العراق ولم تشهد أى نوع من الرفاهية والسلام، المؤكد أن ما نسمعه دائما من الولاياتالمتحدةالأمريكية يختلف تماما عما يجرى فى منطقة الشرق الأوسط وما ينتظر المنطقة العربية من تحديات غير مسبوقة لأننا عندما نشهد على مدار اليوم الأدخنة السوداء فى عدد من العواصم العربية فماذا ستفعل واشنطن إذن –الإجابة لا شىء سوى تنشيط مبيعات السلاح وعلى العرب دفع الفواتير لتدمير باقى العواصم لا قدر الله– وتحتاج حكومة أوباما إلى كسب تأييد مجلس التعاون الخليجى للاتفاق للمساعدة فى إقناع الكونجرس المتشكك بأنه يحظى بدعم واسع النطاق فى المنطقة. ورغم أن الرئيس الأمريكى لن يطرح معاهدة أمنية مثلما يرغب بعض زعماء الخليج فإنه يسعى إلى تهدئة مخاوفهم والتأكيد على التزام الولاياتالمتحدة بتلبية احتياجاتهم الدفاعية «وقال مسئولو البيت الأبيض إن القمة تخرج بإعلانات تخص عمليات التكامل بين أنظمة الدفاع الصاروخى الخاصة بالصواريخ الباليستية وزيادة التعاون العسكرى المشترك». فيما تم تسريب مسودة بيان للقمة خلال انعقادها تشير إلى أن مسودة البيان الختامى تُركِّز على إنشاء ترسانة دفاعية للخليج، ورفض زعزعة إيران الاستقرار الإقليمي، وقبول اتفاق يمنع طهران من تطوير سلاح نووي، وتقوية المعارضة السورية، وتأكيد فقدان الرئيس السورى بشار الأسد شرعيته، وتبنّى مبادرة مجلس التعاون أساساً للحل فى اليمن. إنشاء ترسانة دفاعية للخليج يلخص المحور الأول فى البيان الختامى لقمة كامب ديفيد والمتعلق «بإنشاء ترسانة دفاعية للخليج» طبيعة العلاقة بين الخليج والولاياتالمتحدةالأمريكية كدولة كبرى مصدرة للسلاح تستنزف موارد الخليج فى سلسلة من صفقات بيع الأسلحة، تحت ذرائع ومسميات براقة منها حماية أمنها من التهديدات الإقليمية. وتضمن البيان دعم هيكلية أمنية دفاعية لمجلس التعاون والإفساح فى المجال لمبيعات أسلحة وتسريع تسليمها بإجراءات يتّخذها أوباما، وقالت مصادر غربية فى تصريحات صحفية إن هذه الأسلحة ستشمل منظومة باتريوت الصاروخية وصواريخ ثاد التى تصنعها شركة لوكهيد مارتن. وتعد شركات السلاح هى الرابح الأول من هواجس وفزاعات الخليج والحرب على داعش والإرهاب التى تستنزف أموال دول الخليج لتمويل الحرب ولحماية أمنها الداخلى بأسلحة جديدة. رفض زعزعة إيران لاستقرار المنطقة يقرّ البيان الختامى وفقًا لمسودته بأن المجتمعين يرون فى التوصل إلى اتفاق نووى «شامل» مع إيران قابل للتحقُّق من صدقيتها فيما يتعلق ببرنامجها النووى «مصلحة مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجى وللولايات المتحدة»، وركّزت إدارة أوباما على هذا البند لنيل دعم دولى خلال القمة لمفاوضاتها النووية مع طهران قبل مهلة إنجاز الاتفاق الشامل فى 30 يونيو المقبل. وفى المسودّة خطّان متوازيان، إذ يتعهّد البيان العمل ب«التصدى لتصرُّف إيران المُزعزع لاستقرار المنطقة»، ويشير كذلك إلى «الانفتاح وتطبيع العلاقة مع إيران فى حال توقّفت عن تهديد أمن المنطقة وسلامها». تطبيع إيرانى خليجى أيضا يتحدث البيان عن تطبيع وانفتاح مع إيران ولكن بدون ضمانات واضحة سواء فيما يتعلق بالاتفاق النووى وقدرات إيران النووية، وآليات التحقق منها، وبلا توضيح لكيفية توقفها عن تهديد سلامة المنطقة، وهل يعنى دعم النظام الدفاعى الصاروخى للخليج هو الضمانة وهل يكفى؟ كما يتطرّق البيان إلى ثلاثة ملفات إقليمية، هى محاربة الإرهاب من خلال المسار العسكرى المتمثل بضربات جوية فى سورياوالعراق ومن خلال تعزيز الإجراءات لمحاربة تمويل الإرهاب، وتعزيز شبكة الاتصالات داخل مجلس التعاون والتبادل الاستخباراتى مع واشنطن، وتحسين تكنولوجيا المطارات لهذا الهدف، إلا أنه ينطوى هذا البند على قدر من الغموض مقارنة بما سبقه من بنود وبشأن طبيعة علاقته بإيران. عاصفة حزم سورية وبشأن الملف السورى يتضمن البيان الختامى «أنه تؤكِّد الإدارة الأمريكية ودول الخليج فى القمة أن «الأسد فَقَدَ كامل شرعيته ولا دور له فى مستقبل سورية»، وسيدعو البيان إلى عملية انتقال شاملة فى سورية «تحفظ حقوق الأقليات» ويتعهَّد ب«تقوية المعارضة المعتدلة». ويؤكد هذا البند ما يتوقعه خبراء من بدء «عاصفة حزم سورية» قريبا تطيح بنظام بشار الأسد، تقودها السعودية بالتحالف مع قطر وتركيا، وأكد العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز أنه لا مكان للأسد فى مستقبل سوريا، ويتفق معها تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيري، عن مرحلة ما بعد الأسد، حيث قال «إن الأسد ليس جزءاً من مستقبل سوريا، ولذلك يجب ملاحقته قضائياً، على الجرائم التى ارتكبها ضد الشعب السورى». اليمن والمبادرة الخليجية يحظى اليمن بشِقٍّ خاص فى البيان الختامى لقمة كامب ديفيد بتأكيد «تبنّى» مبادرة مجلس التعاون الخليجى وقرارات الأممالمتحدة أساساً للحل، وهذا يعنى طبق الاتجاه لحل الأزمة اليمنية أنه سيكون بناء على اشتراطات دول الخليج التى دعمت إقرار مجلس الأمن الدولى للقرار 2216 والذى يضع التزامات على جماعة الحوثى دون قيد أو شرط أهمها الكف عن اللجوء للعنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التى سيطروا عليها فى وقت سابق، بما فى ذلك العاصمة صنعاء، والتخلى عن جميع الأسلحة الإضافية التى استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، بما فى ذلك «منظومات القذائف»، والتوقف عن جميع الأعمال التى تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية فى اليمن.