ربما لم تحظ انتخابات رئاسية فى أى دولة أفريقية مؤخرًا، بمثل الاهتمام والمتابعة التى حظيت بها الانتخابات الرئاسية التى جرت فى نيجيريا الأسبوع الماضى. هذا الاهتمام أملته الظروف السياسية فى هذا البلد الذى يضم أكبر عدد سكان فى أفريقيا، إضافة إلى أن تلك الانتخابات تعد - فى نظر العديد من المراقبين - أول انتخابات حقيقية منذ عودة نيجيريا إلى الحكم المدنى عام 1999، فقبل ذلك التاريخ كانت الحكومات تتغير عبر العنف المسلح، وليس عبر صناديق الاقتراع. وجرت الانتخابات فى نيجيريا فى ظل ظروف أمنية بالغة السوء، حيث تعانى البلاد من عنف تنظيم بوكو حرام، الذى أودى بحياة الآلاف، مما أدى إلى تأجيل الانتخابات لمدة ستة أسابيع، حيث كان من المفترض إجراء الانتخابات فى مطلع شهر فبراير الماضى، ولكن نظرًا لتهديدات بوكو حرام، أجريت فى نهاية مارس. وفى ظل هذه الظروف، جاءت الانتخابات التى تنافس فها مرشحان رئاسيان هما الرئيس الحالى جودلاك جوناثان، وخصمه الجنرال السابق محمد بخارى المحسوب على المعارضة، والذى خاض الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة، وهُزم فيها جميعا. وعلى غير المتوقع، شهدت الانتخابات هذه المرة منافسة شديدة بين المرشحين، وكانت النتائج بينهما متقاربة، إلا أن بخارى الجنرال السابق، استطاع تحقيق الفوز، بعد حصوله على 15.4 مليون صوت، وتعد هذه النتيجة مفاجأة للكثيرين، لأن المعارضة لم يسبق لها قط أن فازت فى انتخابات رئاسية فى نيجيريا. هذا الفوز الذى حققه بخارى، الجنرال السابق الذى تولى الحكم سابقا، عبر انقلاب عسكرى أطاح بالرئيس «شيخو شاجارى»، قبل أن يُطاح به فى انقلاب فى أغسطس 1985 قاده الجنرال «إبراهيم بابنجيدا»، طرح العديد من التساؤلات لدى الصحف العالمية، حول سبب خسارة الرئيس جوناثان، والتحديات التى تنتظر بخارى، ومدى قدرته على التعامل معها. وفى هذا السياق رأت صحيفة «داجبلاديت» النرويجية أن السبب الرئيسى لهزيمة جوناثان هو عدم استطاعته القضاء على جماعة بوكو حرام المتطرفة، وفشله فى المجال الاقتصادى. واتفقت معها «بى بى سى»، التى عددت خمسة أسباب لفوز بخارى فى تلك الانتخابات، أولها صعوبة تزوير الانتخابات، فالانتخابات الماضية شابتها مخالفات خطيرة وشبهات تزوير، وفى عام 2007 قال مراقبون إن الانتخابات الرئاسية لم تتسم بالمصداقية، وفى انتخابات 2011 اعتبِرت عملية التصويت أفضل لكن المراقبين أكدوا استمرار وقوع التزوير والتلاعب بالنتائج، لكن هذه المرة اتخذت مفوضية الانتخابات المزيد من الخطوات للحيلولة دون وقوع عمليات تزوير، الأمر الثانى يتعلق بعدم قدرة الرئيس الحالى على كبح جماح بوكو حرام، التى قتلت أكثر من 20 ألف شخص وأجبرت 3 ملايين شخص على النزوح من منازلهم، السبب الثالث لتحقيق بخارى الفوز طبقا لتقرير «بى بى سى»، هو انهيار الحزب الحاكم، وتوحد المعارضة خلف بخارى، أما السبب الرابع فيتعلق باستمرار الفساد، والأوضاع الاقتاصدية السيئة، ويتعلق السبب الأخير برغبة الشعب فى التغيير، خاصة أن الحزب الحاكم ظل فى سدة السلطة منذ إنهاء الحكم العسكرى فى عام 1999. وإذا كانت تلك الأسباب ساعدت بخارى على الفوز، إلا أنه تنتظره ملفات وتحديات عديدة، يجب عليه البدء فى التعامل معها بأسرع وقت، يأتى على رأسها جماعة بوكو حرام الإرهابية، حيث يأمل الشعب النيجيرى أن يستطيع بخارى التعامل مع هذا التنظيم المتطرف، خاصة مع وعوده بإنهاء وجود حركة بوكو حرام فى غضون أشهر. ولا تقتصر التحديات التى تواجه بخارى على الملف الأمنى فقط، إذ تنتظره تحديات أخرى كثيرة يأتى على رأسها، البنية التحتية المتهلهلة، بالإضافة إلى قيمة العملة النيجيرية « النايرا» التى انخفضت مؤخرًا، بانخفاض سعر النفط الذى يعتمد عليه النمو الاقتصادى، كما تزداد المخاوف أيضا من اشتعال عمليات التمرد فى «دلتا النيجر» والتى تعد من أغنى المناطق النيجيرية إنتاجا للنفط. وإذا كان بخارى يواجه العديد من التحديات الداخلية، فإنه فى نفس الوقت يواجه أزمة أخرى تتعلق بعلاقته مع الدول الغربية، فهناك تخوف من طريقة إدارته للبلاد، خاصة أنه عندما تولى الرئاسة سابقا، اتسم نظامه بالبطش، وكان يحكم البلاد بقبضة حديدية، ولا ينسى النيجيريون ما فعله عندما قرر إعدام ثلاثة نيجيريين متهمين بتهريب المخدرات، فى الساحة العامة فى وسط لاجوس العاصمة الاقتصادية.