ظهرت مصر أمام العالم فى مؤتمر شرم الشيخ بصورة جديدة تماما، أثبتت أنها تغيرت بعد ثورتين وأصبحت أكثر وعيا بقيمتها وبدورها وبقدرات شعبها، أثبتت مصر أنها تستطيع تنظيم مؤتمر يحتشد فيه ملوك ورؤساء دول وحكومات ووزراء وشخصيات دولية وآلاف المستثمرين ورؤساء شركات عالمية ويشهد الجميع بدقة التنظيم وبالأسلوب العلمى الحديث فى الإدارة، و يجد الجميع أن لغة الخطاب المصرى تغيرت.. لم تعد عبارات رنانة وتمنيات ولكنها أصبحت فكرا سياسيا واقتصاديا دقيقا ومشروعات قابلة للتنفيذ ولكل مشروع دراسة جدوى و يحقق عائدا مجزيا للمستثمر وللمصريين، كانت «مصر المستقبل» حاضرة وقادرة على تحقيق أحلامها بإرادة لا تعرف المستحيل.. وقدمت مصر رؤيتها للمستقبل الاقتصادى والسياسى بصورة تدل على أن الفكر المصرى الجديد هو فكر القرن الحادى والعشرين بعد أن هزم الشعب المصرى فكر القرن العاشر وأنصاره، وعبر عن ذلك تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وممثل الرباعية الدولية بقوله إن مصر- لأول مرة- أصبحت لديها قيادة قوية وعصرية حديثة تدرك دور هذا البلد، وتعمل على تقويته، وتقوده إلى الطريق الصحيح، وأن الإجراءات التى اتخذتها الحكومة تدفع النمو وتحقق تحسين مناخ الاستثمار والحد من الفساد، وسوف تأتى إلى مصر استثمارات عديدة للاستفادة من الفرص المتاحة الآن.. وليست شهادة بلير هى الشهادة الوحيدة للتغير الثورى الذى حدث فى مصر، وقد كانت شهادات الزعماء والقادة العرب والأوروبيين بل وشهادة وزير الخارجية الأمريكية تركز على أهمية مكانة مصر العربية والعالمية، وأهمية الاستقرار السياسى والاقتصادى لمصر لضمان الاستقرار والأمن العالمى، وأهمية حزب مصر على الإرهاب ووقوفها بقوة لحماية الأمن العربى والأمن العالمى من خطر الجماعات الإرهابية التى لا ترعى حرمة للدين ولا للإنسانية، وتهدد الحضارة الحديثة. ومع أن المؤتمر فى الأساس مؤتمر اقتصادى يعرض فرص الاستثمار فى مصر ويقدم لكبار المستثمرين العالميين ما فى مصر من الفرص لإقامة مشروعات صناعية وزراعية وخدمية ويطرح عليهم الفرص الواعدة فى مشروع عالمى بإنشاء قناة السويس الجديدة وتنمية محور القناة الذى تتحول به سيناء إلى منطقة صناعات وخدمات وسياحة عالمية، وأيضا أكبر مشروع عالمى لإنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر على أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا وتخطيط المدن.. ووقعت عقود فى أثناء انعقاد المؤتمر بمليارات الدولارات مع الأشقاء العرب ومع الشركات العالمية الكبرى.. وما تحقق يطول شرحه وله مجال آخر. ومن حقنا أن نشعر بالفخر وبالتفاؤل لأن لدينا الآن قيادة تمتلك «رؤية» واضحة ومتكاملة لمستقبل البلد.. قيادة تواجه فكر المتخلفين والمجرمين بفكر تقدمى يضع قواعد المستقبل على أساس راسخ من أجل أن تصل مصر إلى مكانة تليق بتاريخها وبقدرات شعبها وباسهامها فى الحضارة الإنسانية، لدينا قيادة تتحرك فى كل اتجاه بحسابات دقيقة وبإدراك لكل العوامل والتحديات والمخاطر، ولدينا بلد حياه الله بموقع حاكم يمتد فى إفريقيا وآسيا ويجاور أوروبا ويؤثر فى العالم.. بلد يعيش فى محيط عربى لديه قدرات هائلة يمكن أن تتكامل لتصنيع قوة عالمية يعمل العالم لها حسابا. ومع أنه كان فى الأصل مؤتمرا اقتصاديا إلا أن القيادة المصرية طرحت فيه رؤيتها السياسية للتخلص من التبعية الاقتصادية والسياسية وإصرارها على تنفيذ خطة للتنمية ومعالجة الاختلالات فى النظام الاقتصادى، وفى التفاوت فى توزيع الدخل وإصلاح التعليم والرعاية الصحية ومحاربة الفساد والمحسوبية وتحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل.. ولديها الإرادة التصميم على تنفيذها مهما تكن الصعوبات والعقبات والمؤتمرات. والأمر الذى حقق النجاح الكبير لهذا المؤتمر هو «المصداقية» المصداقية التى تحظى بها القيادة والدولة.. والمصداقية فى الوعود والتعهدات، والمصداقية لما تعلنه الحكومة من حقائق ووقائع بشفافية تجعل من يتعامل مع مصر مطمئنا أنه يعمل فى النور ومع «دولة» بمعنى الكلمة وليس مع جماعة أو عصابة أو مجموعة مغامرين.. مصر كدولة هى الضمان الأكبر للمستثمرين وللدول الأخرى وهذه أكبر وأهم حقيقة جعلت دول العالم تأتى إلى شرم الشيخ وتشارك بصورة لم يسبق لها مثيل لأنها تتعامل الآن مع نظام حكم يدرك معنى الدولة وكيفية إدارتها إدارة رشيدة، دولة تحترم شعبها وتحترم القانون وتعمل من أجل شعبها وتحسين أحواله بتمكين المرأة والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة وتضاعف المعاشات والضمان الاجتماعى، وتصنع الخطط لتوفير فرص عمل جديدة منتجة، وتعمل على تنوع الاقتصاد المصرى.. وباختصار «دولة» تعرف طريقها وتسير فيه بقوة وثقة وتحقق أهدافها واحدا بعد الآخر بفضل قوة العزيمة والاستعداد للتضحية، والقدرة على الصبر والصمود ما تحقق فى المؤتمر كثيرا جدا حتى إن بعض المعلقين قالوا إن مصر حققت به وفيه ما كان يبدو مستحيلا، وبعضهم أطلق على الرئيس السيسى لقب «رجل المستحيل» ومع ذلك فإن كل ذلك كان بداية.. بداية لوضع أساس لبناء الدولة الحديثة التى وعدنا السيسى بها وها هو ذا يفى بوعده، وكل بداية تستحق التحية والتقدير وتحتاج إلى متابعة السير على الطريق بنفس القوة، ومن حقنا أن نشعر بالسعادة وبالفخر بما تحقق، ولكن ذلك وحده لا يكفى، والطريق لبناء الدولة طريق طويل فيه صعوبات ويحتاج فى أحيان كثيرة إلى تضحيات، كما يحتاج إلى الجدية والانضباط وعدم الاستسلام للاسترخاء للشعور بالرضا.. البداية الصحيحة يلزمها مواصلة السير بنفس قوة الدفع الأولى وأكثر، وهذه مسئولية كل المصريين.. مسئولية الحكومة.. مسئولية كل فرد من أفراد الشعب المصرى. مسئولية الحكومة محاربة البيروقرطية فى الإدارة الحكومية فورا وبقوة وقد كانت هى نقطة الضعف الوحيدة التى توقف عندها المستثمرون واعترف بها رئيس الوزراء ووعد بأن تبذل حكومته المزيد من الجهود لمواجهة هذه المشكلة المتراكمة منذ عقود طويلة، وكانت الحكومات السابقة تسرف فى الوعود بالقضاء على البيروقراطية والتعقيدات الإدارية وتعالج مشكلة عدم كفاءة الموظفين الذين يتعاملون مع المستثمرين ولم تحقق ذلك، والآن لدينا حكومة لا تقول كلمة إلا ويتبعها التنفيذ وتدرك قيمة الوقت وتعمل بلا إبطاء لأن مصر لم يعد لديها فرصة غير هذه الفرصة، فهى الفرصة الأخيرة للحاق بالعصر والدخول فى عالم القرن الحادى والعشرين، ولديها مشروع قانون جديد على وشك الصدور يضع قواعد جديدة للإدارة المدنية ولنظم التوظف والترقيات ولاختيار الموظفين الأكفاء والتدريب المتواصل ويضع قواعد دقيقة للثواب والعقاب.. ولديها أيضا خطة لإعدا ما يلزم للمشروعات الجديدة سواء بتوفير الطاقة أو بإعداد العمالة المدربة، وبالطبع هناك الكثير مما يجب أن تفعله الحكومة. وهناك أيضا الكثير مما يجب أن يتحمل كل فرد مسئولية القيام به.. التعلم واكتساب الخبرة للأعمال والوظائف اللازمة للمشروعات الجديدة وهى وظائف لن تكون لمجرد توفير مصدر للرزق ولكنها ستكون وظائف حقيقية للعمل المنتج فقط وليس فيها مكان لمن لا يجيد أداءها.. ولهذا يجب أن يكون كل من يطلب وظيفة قد أعد نفسه لها، الوظائف الجديدة لن تكون نوعا من الإحسان. وكذلك لكى تشجع السياحة لأهميتها كمصدر رئيسى لتوفير فرص عمل وعملات أجنبية ويصل عائدها المباشر وغير المباشر إلى الملايين يجب أن يكون كل مصرى مشجعا للسياحة ومرحبا بالسياح، بحيث يجد السائح فى مصر بلدا آمنا يتمتع فيه بحريته ولا يواجه فيه ما يضايقه أو يشكو منه حين يعود إلى بلده، وكل البلاد التى حققت طفرات هائلة فى الداخل السياحى هى البلاد التى يؤمن كل من يتعامل مع السائح أنه ضيف له كل الاحترام وكل الحرية حتى يغادر إلى بلده وهو راغب فى العودة إلى مصر مرة أخرى، ويكون هو نفسه أهم وسيلة للترويج للسياحة فى بلدنا. الجدية التى ظهرت من القيادة والحكومة والأمن الذى شعر به الجميع لابد أن يكون أسلوب حياتنا اليومية بعد ذلك لكى يتحقق الأمل وتعود مصر «أم الدنيا» كما كانت فى بداية الزمان.