شهدت القاهرة الأسبوع الماضى جلسات على مدار يومين حضرها وزراء ومفتون من 30دولة إسلامية، خلال فعاليات المؤتمر العام الدولى الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والتى أسفرت عن مجموعة توصيات أعلنها الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، فى الجلسة الختامية للمؤتمر الذى جاء بعنوان «عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه.. طريق التصحيح» المؤتمر الذى شهد لأول مرة منذ انعقاده غياب شيخ الأزهر. أعلن أن الإسلام دين يكفل حرية الاعتقاد استنادًا لقوله تعالى «لا إكراه فى الدين»، وأنه يسوى بين الناس فى المواطنة والحقوق والواجبات على اختلاف معتقداتهم دون تمييز، وأن عماده العدل والرحمة وحماية القيم والدفاع عنها، وقبول التنوع، كما يحرم الاعتداء على الدماء والأعراض والأموال إلا ردًا لعدوان ظاهر على الدولة، ووفق ما يقرره رئيسها والجهات المختصة بذلك فيها، إذ إن إعلان الحرب دفاعا عن الأوطان إنما هو حق للدولة، وفق ما يقرره دستورها ورئيسها وليس حقا للأفراد، وأنه يحترم العقل أداة الفكر الصحيح، ويشبع الوجدان ويغذى المشاعر، ويعانق بين الدنيا والآخرة، وكل تصرف على غير ذلك مجاف لصحيح الإسلام. وتضمنت التوصيات أيضا أن الإسلام برئ مما يرتكبه بعض المنتسبين إليه من التكفير، وترتيب بعض الأفعال الإجرامية عليه من ذبح وحرق وتمثيل وتدمير وتخريب، ولا يصح أن يحتج على الإسلام بأخطاء بعض المنتسبين إليه ولا بسوء فهمهم له أو انحرافهم عن منهجه وطالب المؤتمر جميع أتباع الديانات بالنظر إلى الأديان الأخرى بمعيار موضوعى واحد دون تحميلها أخطاء بعض أتباعها. ومؤكدًا على أن توظيف بعض المنتسبين للإسلام الدين لأغراض نفعية أو سلطوية إساءة إليه وإجرام فى حقه. كما استذكر المجتمعون من العلماء والمفكرين والباحثين والكتاب طرد الناس من أوطانهم، أو هدم دور عباداتهم وسبى نسائهم واستباحة أموالهم بسبب اختلاف دينهم تحت مسمى الدولة الإسلامية أو أى مسمى آخر، مؤكدين أن الإسلام برئ من كل هذا. كما اتفقوا على تحريم ازدراء الأديان لما فيه من اعتداء على مشاعر أتباعها ولما ينشأ عنه من تكدير المسلم المجتمعى والإنسانى العام وما يترتب عليه من إشاعة الفتنة والعنف وصدام الحضارات. وأجمع المجتمعون على ضرورة تصحيح مفاهيم «الإرهاب والخلافة والجزية ودار الحرب والجهاد والحاكمية والمواطنة مشددين على ضرورة وضع المؤسسات العلمية الدينية ضوابط التكفير لتكون بين يدى القضاء، بما يشكل وعيًا ثقافيا ومجتمعيًا يميز بين ما يمكن أن يصل بالإنسان إلى الكفر وما لا يصل به إليه، أما الحكم على الأفراد أو المنظمات أو الجماعات فلا يكون حقا للأفراد أو المنظمات أو الجماعات، وإنما يكون بموجب حكم قضائى مستند على أدلته الشرعية والضوابط التى تضعها المؤسسات الدينية المعتبرة حتى لا تقع فى فوضى التكفير والتكفير المضاد، مع التأكيد على أن استحلال قتل البشر أو ذبحهم أو حرقهم أو التمثيل بهم من قبل الأفراد أو الجماعات أو التنظيمات يعد خروجًا عن الإسلام. وطالب المؤتمر بضرورة تطوير الخطاب الإسلامى بحيث يكون خطابًا متوازنًا يجمع بين العقل والنقل ومصلحة الفرد والمجتمع والدولة، ويسوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات، ويكون قادرًا على محاربة كل ألوان التطرف والغلو والتسيب والإلحاد. كما أوصى بضرورة إقامة مرصد دائم بكل لغات العالم تكون مهمته رصد أخطاء بعض المنتسبين للإسلام والرد عليها بالحجة والبرهان، بحيث يربط بين جميع الهيئات والمؤسسات الإسلامية فى العالم. وكذا إعادة النظر فى مناهج الدراسة الدينية والثقافية فى المؤسسات التعليمية فى العالم العربى الإسلام، وتنقيتها من المسائل المرتبطة بظروف تاريخية وزمانية ومكانية معينة. كما طالب المجتمعون بتفعيل ما نادى به الرئيس عبد الفتاح السيسى راعى المؤتمر بضرورة قيام الدول العربية بتشكيل قوة ردع عربية مشتركة لمقاومة الإرهاب.. بالإضافة إلى اتخاذ خطوات عربية وإسلامية باتجاه تكوين تكتلات سياسية واقتصادية وفكرية وثقافية فى ظل جامعة الدول العربية ومنظمة العالم الإسلامى، بما يجعل منها مجتمعة رقما صعبًا يصعب تجاوزه أو الافتراءات عليه فى المحافل الدولية، أو الغزو الفكرى والثقافى لأبناء أمتنا العربية والإسلامية. وفى كلمته خلال افتتاح المؤتمر أكد المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء أهمية القضية التى يناقشها المؤتمر، وأنه جاء فى توقيت بالغ الأهمية، مشددًا على أن ما يشهده العالم اليوم من تكفير وتطرف وغلو لدى المتطرفين، وما ينشأ عنه من سفك الدماء وقتل الأبرياء، وحرق الأسرى إنما هى أعمال دخيلة على ديننا والإسلام منها برىء.. فديننا الحنيف حذر من ترويع الآمنين وحرم التعدى عليهم. وحذر من أولئك الذين ارتدوا عباءة الإسلام وحفظوا كتب الله أو بعضا من آياته، وقد ستدلون بنصوص ربما يكون بعضها من صحيح السنة غير أنهم لم يفهموها فانحرفوا بها عن الفهم الصحيح، وفسروها تفسيرًا يخدم مصالحهم الشخصية أو أغراضهم الدينية، فضلوا وأضلوا، وحاروا عن سواء السبيل. فى حين أكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر أنه حان الوقت لأن ننطلق من الحديث النظرى إلى العملى ونحول حديث المؤتمرات إلى خطط عملية على أرض الواقع، موضحًا أنه تم عقد الكثير من المؤتمرات، وشارك الأزهر الشريف فيها جميعا لكشف خطر هذا الجماعات وتحذير العامة والخاصة من خطرها. وتابع: «لقد بدأ الأزهر بنفسه، وفور انتهاء المؤتمر العالمى لمواجهة الإرهاب، قام شيخ الأزهر بجمع قادة الأزهر الشريف وطالبهم بتحويل توصيات المؤتمر إلى خطط عمل على أرض الواقع.. وبالفعل أنطلقت هذه الفعاليات بالتعاون مع عدة وزارات وكان من نتائجها مبادرة «الأزهر يجمعنا» وذكر أن الدكتور أحمد الطيب كلف وعاظ الأزهر بأن يذهبوا للناس حيثما وجدوا، حتى فى المقاهى ليتحدثوا معهم عن هموم الوطن وخطورة الجماعات المتطرفة.. فهذا أجدى وأهم وأنفع.