أجمل الحكيم المصرى القديم «بتاح حوتب» دستوره فى تربية الطفل حين قال: «إذا نضجت.. وكونت دارًا.. وأنجبت ولدًا من نعمة الإله.. واستقام هذا الولد.. ووعى تعاليمك.. فالتمس له كل شىء حسن.. وتحّر كل خير من أجله.. فإنه ولدك.. وفلذة كبدك.. ولاتصرف عنه نفسك».وتدور عجلة الزمن.. وتجرى فى نهر الحياة مياه كثيرة لنجد الشاعر حطّان بن المعلّى فى العصر الأموى يقول: وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشى على الأرض إن مرت الريح على بعضهم لامتنعت عينى عن الغمض هكذا كانت نظرة الأجداد إلى أبنائهم.. جعلتهم مشاركين فى صنع الحياة.. يعملون.. ويحاربون.. ويصاحبون القوافل.. ويشاطرون الكبار فى الرأى والتفكير.. وكان لابد أن يجتمع المربون والمفكرون والمبدعون حول تربية الطفل وتغذيته جسديًا ووجدانيا وثقافيا.. ويتنافسوا فى هذه المهمة التى تؤدى فى النهاية إلى تنشئة رجل المستقبل.. وحاكم المستقبل. ومؤخرًا.. عقد فى مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية المؤتمر الثانى حول «الإبداع الأدبى للطفل» بمشاركة مع شعبة أدب الأطفال باتحاد الكتاب.. وهيئة الفنون والآداب بالإسكندرية.. ومركز الشباب البحرى بالأنفوشى.. وبحضور نخبة من المتخصصين فى الكتابة للطفل منهم الكاتب الكبير يعقوب الشارونى.. والباحثة أمانى الجندى والشاعر عبده الزارع وكاتب هذه السطور.. إلى جانب عدد من مبدعى الإسكندرية منهم د. فوزى خضر - جابر بسيونى - مصطفى نصر - خالد البوهى - أحمد مبارك - أحمد شاهر وآخرون.. ولم ينس معدو المؤتمر دعوة عدد من الأطفال الموهوبين فى الإلقاء والغناء. وتم افتتاح المؤتمر بمشاهدة معرض لرسوم الأطفال تجلت فيه مواهب الأطفال الفنية التى عبرت عن هموهم ووطنيتهم فى رسوم معبرة مدهشة. وتعددت محاور المؤتمر.. حيث قدم الكاتب يعقوب الشارونى بحثا عن «فن الكتابة للطفل» وركز على فكرة الإبداع باعتبارها تقدم إضافة لوعى الطفل وخياله.. وحرص على المبدعين لتقديم الجديد فى ضوء معطيات العصر. أما الباحثة أمانى الجندى فقد تناولت موضوع الفرجة الشعبية وفنونها وتأثيرها فى تنمية الوعى الثقافى لدى الطفل.. وعرضت لأشكال هذه الفرجة مثل: المسرح الشعبى المرتجل.. ومسرح العرائس الذى يشمل: خيال الظل - الأراجوز - صندوق الدنيا - الدمى- المقلداتى - السامر- وغير ذلك ثم تحدثت الباحثة عن تأثير ذلك كله على الطفل وكيف يثير انتباهه والترفيه عنه.. ويكسبه القيم الخلقية.. ويزوده بالخبرات الجديدة.. ويشبع شغفه وحبه للمغامرات من خلال المواقف التى تعرض أمامه.. وينمى تفكيره الابتكارى ويجعله يحب الموسيقى والغناء واللعب ويحاكى مايشاهده باستمتاع وإضافة فينعكس ذلك على وجدانه ومواهبه.. ومن ثم فإن موضوع الفرجة الشعبية ينبغى أن يوضع فى دائرة اهتمام الدولة لاستعادة الهوية الفنية العربية.. وغرس القيم الخلقية والثقافية فى وجدان الطفل. وتحدث الكاتب مصطفى نصر عن أطفال الشوارع وكيف تقع مسئولية رعايتهم على الدولة والمبدعين معا.. وكيف عالجت الكتابات الأدبية والسينما هذه القضية وأوصى الكاتب بضرورة الاهتمام بهذه الفئة المهمشة والعمل على مزجهم فى المجتمع وتعديل سلوكياتهم. أما الشاعر عبده الزارع فتحدث عن مسرح الطفل واللعب.. وركز على أهمية المسرح فى تثقيف الطفل.. وكيف أن اللعب جزء من المسرح باعتباره ترفيها وإضافة إلى وجدانه. وتناول د. فوزى خضر تجربة الشاعرة نجوى السيد فى ديوانها «مفيش مستحيل» وكيف عبرت فى قصائدها عن تجربة شخصية حيث تتعامل مع ولدٍ لها من أصحاب الاحتياجات الخاصة.. وبحسّها الشاعرى رصدت تلك التجربة بما فيها من تحديات وصعاب وصبر وإيمان قوى بإرادة الله تعالى.. وقد صدر هذا الديوان أخيرًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. كما قدم جابر بسيونى بحث سيكلوجية المفردات فى شعر شوقى للأطفال وكيف سيطر الشاعر على لغته واختار فيها مايناسب المرحلة العمرية التى يكتب لها. ويقدم خالد البوهى بانوراما قصيرة عن اهتمام العرب القدامى بأطفالهم خاصة ما عرف بترقيص الأطفال هذا الفن الذى كانت الأم تهدهد به أطفالها وترقصهم على أنغامه. ثم قدم عدد من شعراء الأطفال نماذج من أشعارهم منهم كاتب هذه السطور والشعراء أحمد مبارك وأحمد شاهر.. وغيرهم.. وكان الحضور فى المؤتمر يتابعون وقائعه بمتعة شديدة وقد اختتم المؤتمر بفقرات فنية للأطفال من إعداد وتقديم الشاعر أحمد يحيى - وريهام صلاح ووليد إسماعيل الذى بذل جهدًا رئيسيًا فى تنسيق وإعداد المؤتمر ومعه فوزية إسماعيل ثم وزعت شهادات تقدير على الأطفال المتفوقين فى الرسم والغناء وقا بتوزيع هذه الشهادات د. محمد زكريا عنانى - ويحيى عبد القادر وكيل أول وزارة التربية والتعليم بالإسكندرية إلى جانب ضيوف المؤتمر. تلك كانت وقائع المؤتمر الثانى لأدب الأطفال الذى عقد بالإسكندرية وشارك فيه الأطفال بنصيب كبير فأدهشونا بمواهبهم وفقراتهم الإبداعية وأكدوا للكبار أنهم يمتلكون ناصية الإبداع.. وأنهم جديرون بأن يكونوا رجال المستقبل. ولقد أسهم فى دعم هذا المؤتمر جهات كثيرة آمنت وقدرت مسئوليتها الاجتماعية والثقافية تجاه أبنائنا.. فكان الإخلاص هو الطابع العام الذى تجلى وحقق النجاح للمؤتمر. كان يوليوس قيصر يداعب ولده بقوله: ياولدى أنا أحكم العالم.. وأمك تحكمنى.. وأنت تحكم أمك.. إذن فأنت تحكم العالم!