زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للصين تعبر عن توجه استراتيجى لمصر يهدف إلى إقامة علاقات متوازنة مع كافة التكتلات الاقتصادية ورفض التبعية، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين البلدين تقوم على بناء علاقات اقتصادية طويلة الأجل عميقة ومتنوعة فى جميع المجالات، كما تساهم فى زيادة حجم التجارة بين مصر والصين لتقليص الخلل فى الميزان التجارى بين البلدين البالغ نحو 10 مليارات دولار. وفى ضوء هذا التوجه والاتفاقيات الثنائية التى تم توقيعها بين الطرفين، فإنه من المنتظر تنفيذ مشروعات اقتصادية عملاقة على المستوى الإقليمى من أهمها إحياء طريق الصين القديم الذى يربطها بدول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إحياء طريق الحرير البحرى الذى يربط بحر الصين الشرقى بالمحيط الهندى بالبحر الأحمر مروراً بقناة السويس وصولاً إلى البحر المتوسط، بهدف الوصول إلى أوروبا، وكذلك إنشاء بنك أسيوى للاستثمار فى البنية الأساسية ينافس البنك الدولي، وأخيراً إنشاء بنك التنمية الجديد مع دول "بريكس" التى تضم بالإضافة إلى الصين (البرازيل، وروسيا، والهند، وجنوب أفريقيا) ، لتمويل مشروعات البنية الأساسية هذا ما أكده الخبراء وأساتذة الاقتصاد تعقيبًا على نتائج زيارة الرئيس عبد الفتاح االسيسى للصين مؤخرًا. وردًا على ما يثيره البعض من مخاوف من زيادة إغراق السوق المصرية بالسلع والبضائع الصينية ومن ثم التأثير سلبًا على المنتجات المحلية فى ضوء توسيع قاعدة العلاقات الاقتصادية مع الصين، أكد عبد الستار عشرة المستشار الاقتصادى للغرف التجارية أن الشراكة الاقتصادية مع الصين ودعوة المستثمرين الصينين للاستثمار فى مصر تستهدف المشروعات العملاقة والضخمة وخاصة فى مجالات الاستثمار الجديدة وفى مقدمتها مشروعات الطاقة. وفيما يتعلق بالسلع والمنتجات الاستهلاكية الصغيرة أكد أن الجهود المبذولة تستهدف الاتفاق مع الجانب الصينى لإنتاج تلك السلع فى مصر مما بأيدى عاملة مصرية مما يساعد توفير فرص للعمل والحد من مشكلة البطالة، وعلاوة على ذلك فإن إنتاج تلك السلع فى مصر يساعد تصديرها بدون رسوم جمركية للدول الموقعة على اتفاقيات اقتصاية مع مصر وخاصة المحيط الإفريقى . الخريطة الاقتصادية الصين المستفيد الأكبر من قناة السويس من حيث عدد السفن المحملة بجزء كبير من تجارة الصين التى تمر عبر القناة نحو الشمال الأوروبى، وكذلك رغبتها فى إقامة مشروعات للتخزين وبناء سفن وترانزيت للبضائع وخدمات للسفن، وتنفيذ مشاريع مثل الحاويات وتخزين الغلال وصناعات التجميع، والثقة فى دور مصر كدولة محورية مؤثرة فى محيطها العربى والإفريقى جميعها عوامل تدفع الصين نحو توسيع قاعدة علاقاتها مع مصر، هذا ما أكده الخبير الاقتصادى محمود عبد النبى أستاذ الاقتصاد جامعة جنوب الوادي، مشيرًا إلى أنه على الجانب الأخر تعد الصين أكبر ممول على الخريطة الاقتصادية العالمية وصاحبة تجربة فريدة فى النمو الاقتصادى مما يؤكد ضرورة توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين . وأضاف التعاون مع الصين يفتح باب الاقتصاد على مصراعيه، انطلاقًا من كونها ثانى أقوى اقتصاد بعد الولاياتالمتحدة من ناحية الإنتاج مؤكداً أن الدخول فى مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادى مع الصين يتطلب ضرور ترتيب الأوراق والأولويات . تخفيض العجز ومن جانبه أكد فخرى الفقى مساعد المدير التنفيذى السابق لصندوق النقد الدولى، أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للصين تأتى فى توقيت مهم للغاية، ومصر على أعتاب مؤتمر التنمية الاقتصاية مارس المقبل، مشيرًا أن زيادة التعاون مع الصين فى ضوء ما تم توقيعه من اتفاقيات يساعد على زيادة حجم التجارة بين مصر الصين وعلاج الخلل القائم فى الميزان التجارى بين البلدين لصالح الصين حيث يصل حجم أن الواردات الصينية لمصر 10 مليار دولار، مقابل مليار دولار حجم الصادرات المصرية للصين، لافتًا أن هذا العجز فى الميزان التجارى لا يليق بمصر، مما يتطلب المزيد من الجهد لتقليص هذا العجز. وأوضح الفقى أن العمل على جذب الاستثمارات الصينية إلى مصر يتطلب جهودًا موازية لتطوير المواد الخام بدلا من تصديرها فى صورتها الأولية، فعلى سبيل المثال إقامة مصانع لتجهيز مواد البناء بدلا من تصديرها خام. ومن ناحية أخرى أكد الفقى ضرورة أن تستثمر مصر تلك الزيارة فى العمل على الانضمام إلى مجموعة "البركس"، والتى تعد الصين أحد أعضائها، مما يساعد على فتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية فى الهندوالصينوالبرازيل أبرز أعضاء المجموعة. التوازن مصر تتحرك بتوازن تجاه كل التكتلات الاقتصادية الكبرى لدعم مشروعاتها الاقتصادية ومسيرتها التنموية، وتأتى زيارة الرئيس للصين لدعم العلاقات بين البلدين وقد سبقها إعلانه تجديد المصانع الروسية، وهو قرار موفق عقب انخفاض قيمة العملة الروسية "الروبل"، كما يأتى ذلك فى ذات الوقت مع الحفاظ على العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، ذلك ما أكده محمد بدرة الخبير المصرفى ، مشيرًا إلى أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للصين حققت نجاحًا كبيرًا على المستوى الاقتصادى، وهو ما تكشف عنه اتفاقيات الشراكة التى عقدها الرئيس مع الصين، والتى تدل على مدى التفاهم بين الطرفين موضحا أن مشروع تطوير محورقناة السويس يعد من أهم المشروعات التى طرحت خلال الزيارة والذى ينتظر مشاركة المستثمرين الصينيين والاستفادة من الخبرة الصينية. فيما أكد د. عبد المطلب عبد الحميد أستاذ الاقتصاد والرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى تعبر عن توجه استراتيجى لمصر يهدف إلى إقامة علاقات متوازنة مع كافة التكتلات الاقتصادية، موضحًا أن الرئيس يسعى خلالها بناء علاقات اقتصادية طويلة الأجل وعميقة ومتنوعة فى جميع المجالات، فضلا عن أنها تعتبر رسالة من مصر للولايات المتحدةالأمريكية تؤكد رفض التبعية الاقتصادية، كما أنها ستحقق نقلة نوعية فى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة أن الاقتصاد الصينى يعتبر الاقتصاد الثانى فى العالم كما أنه اقتصاد واعد يتوقع له أن يحتل المركز الأول خلال السنوات العشر المقبلة. ومن جانبه أكد د. أحمد قنديل الباحث فى الشئون الأسيوية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أهمية الزيارة، موضحًا أنها تُعد فرصة جيدة للقاء بين القادة والخبراء الصينيين والرئيس السيسى والوفد المرافق له مما يساهم فى الكشف عن الرؤى المشتركة بشأن الدور المستقبلى للصين فى منطقة الشرق الأوسط. ومن جانبه، أكد د. رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد جامعة القاهرة، على أهمية زيارة الوفد المصرى برئاسة الرئيس السيسى إلى الصين كأحد الأسواق الناشئة من أجل تعظيم المكاسب الاقتصادية لمصر وخلق فرص استثمارية عديدة قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى العالمى فى مارس المقبل. وأوضح الصين حريصة على التعاون السياسى والاقتصادى مع مصر خاصة بعد ثورة 30 يونيو وهو ما اتضح فى قرارها بالتراجع عن تمويل مشروع سد النهضة الأثيوبى، حرصًا على العلاقات الثنائية مع مصر، متوقعًا أن تخرج الزيارة بإطلاق عدد من الخطط والإعلان عن مشروعات متنوعة خلال الفترة القادمة، مشيرًا إلى أن الزيارة تعطى رسالة أن مصر بعد 30 يونيو منفتحة على جميع دول العالم دون تحييز. وأكد أستاذ الاقتصاد أن استنساخ تجربة الصين على الصعيد الاقتصادى فى مصر غير وارد نظرًا لاختلاف الطبيعة السياسية والاجتماعية للبلدين، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الصينى قام على القمع والديكتاتورية وهو ما لا يمكن تطبيقه فى مصر بعد ثورتين عظيمتين، ومن ناحية أخرى أكد أهمية إعداد استراتيجات وخطط لدراسة احتياجات السوق فى الصين وغيرها من الدول المستهدفة من الاستثمارات المصرية لتوجيه المشروعات فى هذا الاتجاه وتحديث الصناعة المصرية وتحسين جودة المنتج الوطنى. ومن جانبه أوضح د. محمد سيد حنفى الخبير الاقتصادى، أن الاتفاقيات التى وقعها الرئيس السيسى مع الرئيس الصينى، مدروسة بشكل سليم، وننتظر آثارها الإيجابية على الاقتصاد المصرى. وأضاف ان الشراكة الاقتصادية بين مصر والصين تعتمد على فهم التعامل الاستثمارى بين البلدين، بحيث يكون هناك تبادل فى الصادرات والواردات، وليس الاستيراد فقط، مشيرًا إلى أن الصين تحتاج الكثير من المنتجات المصرية.