كان الرئيس السيسى يتحدث من موقع مسئوليته فى الحفاظ على كيان الدولة وحمايتها من المؤامرات والمتآمرين فى الداخل والخارج، ولا نحتاج إلى دليل جديد على حجم الخطر الذى واجهته مصر ومازالت تواجهه بعد أن ظهرت لنا أدلة عديدة مذهلة فى الوثائق والشهادات والوقائع التى تكشف فى المحاكمات التاريخية التى أظهرت الخديعة الكبرى التى وقعت فيها البلاد وانقذها الله بفضل يقظة ووطنية الرجل الذى غامر بحياته من أجل انقاذ بلده. ومصر فى المرحلة الحالية تخوض أكثر من معركة. معركة عسكرية مع جماعات إرهابية قتالية منظمة ومدربة ولديها الأموال والسلاح كان هدفها فرض السيطرة على سيناء وعزلها عن الوطن لتكون إدارة للإرهاب وتدعى أنها جزء من دولة الخلافة الإسلامية كما يحدث فى العراق وسوريا واليمن، ومع تعدد واختلاف هذه الجماعات إلا أنها تعمل لخدمة مشروع واحد يظهر فى كل بلد بما يناسبه ويظهر لكل جماعة بما يتفق مع تكوينها. مشروع واحد للقضاء على ما تبقى فى الدول العربية من عناصر القوة وتفتيت كل كيان عربى وخداع الشعوب بشعارات الإسلام التى تجذب العامة بآمال براقة. ??? فى معركة ثانية من أجل إصلاح ما فسد من أجهزة الدولة وإعادة بناء ما هدمته الجماعة الإرهابية من المساجد والكنائس ومديريات وأقسام الشرطة والمدارس والمستشفيات ومنشآت الكهرباء وغيرها كثير، وهى معركة تستنفد الكثير من الأموال وتحتاج من الحكومة إلى جهود كبيرة. أما المعركة الثالثة فهى الأكثر أهمية، لأنها معركة من أجل المستقبل.. لأن مصر بعد أن تنتصر فى حربها على الإرهاب، وبعد أن تعيد بناء وإصلاح ما هدمته يد الغدر وأعداء الوطن، تريد أن تحتل مكانها اللائق بها إقليميًا وعالميا. مصر مؤهلة لذلك بتاريخها وثقافتها وكوادرها وشبابها وإمكانياتها وثرواتها التى لم تكتشف بعده هذه المعركة تحتاج إلى أن يكون الشعب المصرى على وعى بالظروف والتحديات والآمال، ومستعدًا لتحمل التضحيات التى لابد منها، ولديه الإرادة والتصميم والقدرة على العمل لبناء وطن المستقبل، وبناء الأوطان لا يتم بالكلام، ولابالتمنيات الطيبة، ولكن يتم بالعمل وبالتضحية وبالالتفاف حول أهداف واضحة وخلف قيادة مخلصة وهذا ما تحقق فى الدول التى خرجت من دائرة الفقر والتخلف وصعدت إلى الصفوف الأولى. ??? يأتى دور الإعلام.. هناك إعلام ينشر فى نفوس الناس الشعور باليأس والقلق والخوف والتردد والسلبية وهناك إعلام يدعم إيمان الشعب بنفسه وبقدرته على الانطلاق وتخطى الصعاب والانتصار على المؤامرات مهما كانت طبيعة المخططين لها والمحرضين عليها، لأن الشعب المصرى كان دائمًا على مدى تاريخه يواجه المؤامرات - وما أكثرها - وينتصر عليها بالسلاح القوى الذى لا يهزم وهو: وحدة الشعب، والروح المعنوية العالية، وبإرادة التحدى والقدرة على تحقيق ما قد يبدو صعبًا أو حتى يبدو مستحيلًا. أين الإعلام المصرى من كل هذا؟ صحافة جادة تبنى وصحافة تهدم ولا يهمها إلا الإثارة وزيادة التوزيع ولو على حساب الوطن.. تنشر الشائعات وتدعى أنها مجرد ناقل وناقل الكفر ليس بكافر.. وتنشر بأساليب ملتوية عن جرائم الإرهاب ما يبدو أنه ضد الإرهاب بينما يترك فى نفوس القراء تعاطفًا مع الإرهابيين وكأنهم أصحاب عقيدة أو أصحاب قضية يجاهدون من أجلها ويقدمون أرواحهم لتحقيقها، والحقائق تثبت أن الإرهابيين ليسوا سوى عصابات ضالة ومضللة فاسدة ومفسدة تهدم وتقتل وتدمر وتثير الرعب وترفع شعارات مضللة وتحاول أن تكتسب شرعية زائفة وباطلة، وترفع راية الإسلام والإسلام برىء من الأفعال الدنيئة التى تقوم بها.. وهل الإسلام يدعو إلى القتل والخراب وهو قائم على أمر رسوله الكريم «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» وقوله «كل المسلم على المسلم حرام: ماله وعرضه ودمه» و «من آذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة» والآيات والاحاديث كثيرة تدعو إلى الرحمة والتعاون وإلى البناء والجهاد فى ميادين العلم والإصلاح. ??? أن جانبا من الإعلام المصرى يسير فى الاتجاه العكسى، ويغرد خارج السرب.. وهل من مصلحة البلد أن نترك قضايا الإرهاب والإصلاح والبناء، ونترك ما يجرى فى عشرات المشروعات وما يتحقق من إصلاحات وإنجازات ونهى الناس بالحديث عن العفاريت والاشباح والجن وتحضير الأرواح.. وهذه موضوعات يلجأ إليها الإعلام حين يريد أن يلهى الناس عن قضاياهم الجادة ويغيب عقولهم.. وكذلك ما نراه من إسراف فى طرح آراء المنحرفين ليشرحوا للناس ما دعاهم إلى الإلحاد أو إلى الشذوذ.. هل هو الهزل فى وقت الجد؟ هل هو عدم الشعور بالمسئولية أو عدم الشعور بطبيعة المرحلة واحتياجاتها وذلك بدلًا من مناقشة قضايا جادة وطرح أفكار بنّاءة تساهم فى عملية التقدم وبدلًا من تقديم شخصيات مهمة كنماذج للإرادة والتحدى والنجاح، وبدلًا من تقديم أفكار جديدة واقتراحات تساعد على إنجاز المشروع الوطنى لبناء بلد ديمقراطى متقدم علميا وثقافيا واجتماعيا، وبدلا من طرح نماذج لمشروعات حققت تقدم بلاد كانت متعثرة ومتخلفة وأصبحت ناهضة ومتقدمة. ??? بالدهشة وأنا أشاهد مقدم برنامج يفاخر بأنه لا يؤيد الحكومة على أى شىء فعلته ولكنه يهاجم المسئولين دائما ثم يصيح بأعلى صوته وكأننا مصابون بالصمم وهو يطالب بإقالة الوزير الفلانى والمحافظ الفلانى ورئيس الشركة الفلانية بدلًا من أن يناقش أوجه القصور ومقترحات الإصلاح.. سهل جدًا أن تتحول البرامج إلى وصلات ردح وصراخ يثير فى المشاهد القلق والتوتر.. لماذا الصراخ وهو نوع من الإرهاب والعدوان على المشاهد.. من لديه رأى فإنه ينتصر به إذا عرضه بصوت هادئ ومنطق سليم وأدلة مقنعة، ومن ليس لديه فكر يلجأ إلى الصوت العالى.. ثم كيف تكون الشاشات وسيلة لنشر الشائعات والأخبار غير المؤكدة والآراء الفجة والشاذة.. ولماذا يتحول مقدم البرنامج إلى زعيم سياسى وداعية ودوره أن يجرى حوارات مع أصحاب الفكر الحقيقى الذين لديهم العلم والخبرة ليقدموا لنا ما ينير لنا الطريق ونتغلب به على الصعاب. ??? لا يركز الإعلام على تقديم الجرائم التى ارتكبها ويرتكبها الإرهاب والخسائر التى يتحمل الشعب تكلفتها من أموال كان يمكن أن توجه إلى التنمية بتحقق نتائج أفضل واسرع؟! ولماذا لا يناقش الإعلام أفكار الإرهابيين بالتفصيل مع علماء يجيدون الحديث الهادئ بالمنطق والدليل ويظهرون ما فى هذا الفكر من انحراف وضلال؟ ولماذا لا يكون التليفزيون وسيلة إعلام بحق يعرف المواطن من خلاله الأحداث والأخبار الحقيقية ومن مصادر محترمة ومسئولة؟! ولماذا لا يكون وسية تعليم وإنارة لتعريف المواطن بحقوقه وواجباته، ويدعو إلى القيم التى يجب أن تسود فى مصر الثورة.. قيم التسامح والاعتدال والعلم والعقل والاعتراف بحقوق الآخر. لماذا يعتمد التليفزيون على الهواة والأدعياء ولا يعتمد على المهنيين المدربين؟! لماذا لا يكون مقدمو البرامج عندنا على مستوى نظرائهم فى تليفزيونات العالم.. «لارى كينج» أكبر محاور لا يرفع صوته ولا يعرف الصياح والتهليل ولم يؤخذ عليه قول كلمة نابية أو خبر غير مؤكد أو ادعاء العلم والفهلوة أمام ضيوفه، والفرق كبير بين المهنية والفهلوة وبين الجدية والعمق والسطحية والاستسهال؟! وللحق لدينا بعض المهنيين الجادين نقدرهم ولهم كل الاحترام ونتمنى أن يكون الكل على هذا المستوى.