وسط كل الحوادث الجسام التى تمر بها مصر، يخرج الآلاف من أبناء شعبها لتوكيل المرشحين رسمياً لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة فى مشهد يسجل لتلك الأغلبية الصابرة على بلاء الإرهاب وجرائم قيادات الجماعة المدحورة ،لحظة فارقة فى تاريخ طويل يمتزج فيه المجد والانتصارات والتراكم الحضارى بالآسى على وطن مازال يصارع ليأخذ مكانته بين الأمم المتقدمة. فى تلك اللحظة الفارقة يظهر معدن شعب لا يلين فى مواجهة التطرف، والخروج على وسطيته، وهى اللحظة الممتدة من 30 يونيو إلى اليوم ويدفع ثمن تلك اللحظة الرائعة خير شباب الأمة من رجال الشرطة والجيش على مدى شهور من المواجهة مع قوى الإرهاب، وبقايا حكم سابق ،أصيبت قياداته بعمى البصيرة وضلال القصد فراحوا يطلقون إرهابييهم على شعب انتموا إليه ليسقط من يسقط فى مقابل الرجوع إلى كرسى السلطة! فى تلك اللحظة أيضا تتحدد خيارات واضحة لحسم المعركة مع قوى التطرف والإرهاب وقوى عصر الفساد , وتحين لحظة الحقيقة لدى البعض ممن وقفوا طويلا على الحياد فى معركة لا تحتمل الحياد، ويصبح فيها الحياد خيانة، ولايصح فيها أن تكون الوطنية وجهة نظر. بات من الضرورى أن يراجع البعض منا وقوفه فى معسكر يخالف كل ما يخرج عن السلطة الحالية ،ويرفض ما سوف تسفر عنه خريطة المستقبل مقدما دون النظر بعمق فى دلالات ما جرى من خروج شعبى تاريخى ضد طغمة تولت مقاليد الحكم ووجهته لصالحها ولصالح مشروع دولى خطر كان سيحيل مصر إلى أفغانستان الشرق الأوسط... مركز لصناعة التطرف وتصدير الفكر المتشدد ويضيفها إلى طابور الدول الفاشلة التى لم تدخلها جماعات التشدد إلا وتركوها أنقاضا وخرابات ينعق فيها البوم.. تأمل ما يحدث فى طوابير التوكيلات، فى مقرات الشهر العقارى فى جميع أنحاء مصر يدعونى إلى ضرورة مراجعة مقولات ومسلمات عن مواقف المصريين من الأحداث الجارية.. رأينا شبابا ونساء وشيوخا يخرجون لإصدار التوكيلات لمرشحيهم، ولم يلتفت هؤلاء لإمكانية تعرضهم لخطر الإرهاب واستهداف المراكز الشرطية، أو مقرات الشهر العقارى لعرقلة التقدم فى خريطة المستقبل، ولم يعبأ المصريون بتهديدات قيادات التطرف أو انحطاط البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، فراحوا يؤكدون أمام أنفسهم وأمام الوطن أن مسئولية انتشال مصر مما هى فيه فى الاستمرار فى دعم طريق المستقبل بلا تردد أو خوف. بالمثل، نحن فى حاجة إلى حسم مواقف بعينها فى الإعلام والصحافة المصرية، تتوافق مع اللحظة الفارقة، وترتقى إلى وعى الأغلبية الساحقة من المصريين وأهمها المسئولية الملقاة على الإعلام المملوك للشعب، وفى القلب منه صحيفة الأهرام التى مازالت عنوانا أصيلا وراقيا للصحافة المصرية. اليوم، تقف الأهرام واحدة من قلاع التنوير الراسخة ،وهى تستعيد دورها التاريخى فى مسيرة الوطن مع خيارات الشعب فى الوصول إلى نهاية خريطة المستقبل بانتخاب رئيس جديد، وبرلمان يمثل كل فئات المجتمع، ويرتقى إلى طموح الأجيال الصاعدة فى إعادة بناء دولة تتطلع إلى فجر جديد. وفى سبيل ما سبق من غايات، يبدو الطريق وعرا وغير ممهد، ودورنا أن نسهم قدر ما نستطيع فى تحقيق الاستنارة للحاكم، ونواب الشعب، وأن نقدم إسهاما ملموسا فى بنيان حضارى يليق بنا.. والمسئولية المجتمعية لصحيفة كبرى تحتم أن نمضى فى تقديم صورة معبرة تعبيرا حقيقيا عن كل ما يدور فى الشارع المصرى من جدل ونقاش حول سباق الرئاسة والمرشحين على اختلافهم وتنوعهم، وأن نوفر منبرا حقيقياً للنقاش العام والصريح لإثراء التجربة الديمقراطية ،ومن أجل أن يكون للناخب صوت مسموعً يصل إلى المرشحين وحملاتهم. نعلم أن المزاج الشعبى العام يميل لتأييد كبير لمرشح الرئاسة المشير عبد الفتاح السيسي، ونعلم جميعا أن الرجل هو الخيار الأول للغالبية ،ولكننا نتحدث اليوم من منطلق أوسع وأشمل، عن مسئولية أكبر للصحافة المصرية للاضطلاع بدور بات مطلوبا، وهو تبصير القادم إلى السلطة بهموم ومشكلات الوطن، وأن يكون لها دور فى النقاش العام بما يتلافى القصور المهنى الذى اعترى المهنة فى السنوات الأخيرة. وفى سبيل وصول تلك الرسالة السامية إلى القادم لكرسى الحكم، تدفع الأهرام حثيثا إلى تقديم صحافة تتلافى أخطاء ما سبق وتعلى قدر المهنية وترقى إلى طموح الناس فى صحافة حرة تعبر عن همومهم وآمالهم فى الحكم الجديد، دون تحيزات أو خروج على تقاليد العمل الصحفى فيما نضع نصب أعيننا فى تلك المرحلة الدقيقة أن الصحافة القومية المملوكة للشعب لابد أن تكون لها مسئولية جديدة تليق بطموحات المستقبل وترسخ للرصانة والموضوعية دون الانجرار وراء محاولة البعض ممن اعتاد فى عصر الفساد استخدام المال الخاص الترويج لأهداف وسياسات بعينها لا تتوافق مع الصالح العام، وتلك مسئولية جديدة يتعين على الهيئتين الجديدتين لتنظيم الصحافة والإعلام أن تقوما بدورهما لإعادة الممارسة المهنية إلى مسارها الصحيح ويعيدان ثقة المواطن فيما يقرأ ويشاهد ويسمع. تلك كلمة «الأهرام» إلى قارئه قبل أن تنطلق حملات انتخابات الرئاسة ونبدأ بالعرض والتحليل لبرامج كل المرشحين للمنصب الرفيع راجين أن نقدم أفضل ما لدينا لبلد يستحق رئيساً يليق بتضحيات شهدائه الأبرار وبطموح أبنائه .. تلك هى لحظة الوطن وهذه مسئولية الأهرام.. لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام