لا يزال الإرهاب الأسود يفرض نفسه على لبنان وحاول منفذى تفجيرات منطقة جبل محسن بطرابلس شمال لبنان التى أسفرت عن سقوط 9 شهداء وأكثر من 36 جريحاً اشعال نيران الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة لتجديد سيناريو الحرب الأهلية التى عانت منها لبنان وهذه المرة فى منطقة طرابلس تحديدا ذات الأغلبية العلوية خاصة بين منطقتى باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن اللتين شهدتا على مدى السنوات الماضية عشرين جولة قتال على خلفية نزاع طائفى قائم منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990) وشهد تصاعدا بعد اندلاع النزاع فى سوريا المجاورة بسبب انقسام السنة والعلويين حول هذا النزاع وهو ما أعلنته جبهة النصرة فى بيان رسمى نشرته عبر أحد حساباتها على موقع «تويتر» متوجهة إلى من أسمتهم «النصيرية وحزب إيران وحلفاؤهم» بالقول «لن ندخر جهداً لضربكم فى عقر دياركم وستدفعون ثمن جرائمكم المستمرة التى ترتكبونها بحق أهل السنة واعتداءاتكم على مقدساتهم فى أرض الشام وهو مارد عليه النائب السابق فى تيار «المستقبل» مصطفى علوش إنّها محاولة واضحة للإيحاء لسنّة طرابلس بأنّ المجموعات المتطرّفة هى الأكثر قدرةً على «الانتقام» لأبناء المدينة ومحاولة لضرب الاعتدال المتمثّل بتيار «المستقبل» بشكل عام وغيره وللتأكيد أنّ التطرّف هو الوحيد الذى يمثّل السنّة ولكنّ ردّة فعل أبناء طرابلس أكدت أن هذا الأمر لن يمرّ. وقد ركزت مواقف الاستنكار لا سيما من زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريرى على وقوف اللبنانيين وراء الجيش والقوى الأمنية لحفظ الأمن. ودعا إلى تجاوز الخلافات المذهبية والسياسية وعلى كفاءة الأجهزة الأمنية. معلنا أن مؤسسة الحريرى ستتولى إصلاح الأضرار ودفع التكاليف فى جبل محسن لطى صفحة الماضى والإقدام نحو التوافق الوطنى ودعم الدولة والمؤسسات الأمنية. من جانبه، اعتبر وزير الشئون الاجتماعية رشيد درباس أن محاولات فرض إمارة فى طرابلس مازالت مستمرة مشددا على أن المجرمين لا يلقون تجاوبا داخليا لأنه لا بيئة حاضنة للإرهاب والتكفير ورأى درباس فى تفجير جبل محسن محاولة لتعطيل الحوار الحاصل بين حزب الله وتيار المستقبل لافتا إلى أن ردود الفعل الشعبية جاءت مخالفة لما توقع الإرهابيون. وفى تحليله للاستراتيجية التمددية للدولة الإسلامية فى لبنان. يرى الخبير الاستراتيجى جاسم عجاقة أن العدو الأول لتنظيم داعش هو الفكر الشيعى والذى يُجسِّده حزب الله الذى هو بنظر التنظيم الأداة الأولى التى سمحت لنظام الأسد بالصمود خصوصاً فى ريف دمشق وفى القلمون. كما أن الانخراط الإيرانى والشيعى عامة فى العراق وفى لبنان (حزب الله) فى مقاومة التمدد الداعشى أخذ أبعاداً أكبر مع اقتراب داعش من المناطق الشيعية فى لبنان وفى العراق كما من الحدود الإيرانية. من هنا فكرة محاربة النفوذ الشيعى فى لبنان والحصول على منفذ بحرى. وأخذ تنظيم داعش على عاتقه تنفيذ المحور اللبنانى فى استراتيجيته وذلك بحكم وجوده فى القلمون داخل سوريا. لكن هذا التنظيم اصطدم على الأرض بأرضية مغايرة لما شهده فى العراقوسوريا والسبب يعود إلى عاملين: - الأول هو أن سنّة لبنان يعتبرون أن الفكر الداعشى لا يعكس فكرهم وبالتالى لم تنجح المغامرة الأولى التى قام بها التنظيم على عرسال. من هنا اعتمد التنظيم استراتيجية أخرى عبر دفع عدوه الشقيق جبهة النصرة إلى الواجهة فى عرسال وطرابلس وهى التى تحظى بتعاطف فى الشارع السنّى وهذا ما لاحظناه فى الفترات الأخيرة حيث كَثُرَ الحديث عن جبهة النصرة وقلّ عن داعش.والثانى هو النجاح الذى حقّقه الجيش اللبنانى فى تصديه لهجوم التنظيم والذى على الرغم من ضعف القرار السياسى استطاع ردع داعش إلى الجرود المُطلّة على عرسال. ويأتى الحوار بين تيار المُستقبل وحزب الله كترجمة للانتصار المعنوى الذى حققته إيران فى جولة المفاوضات الأخيرة حول برنامجها النووى. هذا الأمر دفع بالسعودية وإيران إلى محاولة تنفيس الاحتقان المذهبى فى الشارع اللبنانى عبر حضّ الفرقاء اللبنانيين على الحوار لإيجاد صيغة تعفى لبنان من حرب مذهبية داخلية وتُحافظ على الوضع فى سوريا، ويبقى الرهان أخيرًا على الجيش اللبنانى الذى يظهر كخشبة الخلاص الوحيدة من أتون سورى – داعشى قد يُطيح بلبنان والكيان اللبنانى.