الدولة الإسلامية فى بلاد العراق والشام «داعش» .. الاسم الذى تحول خلال عامين إلى كابوس مفزع، بعد استخدامها لأخطر سلاح فى العصر الحديث «الإعلام» بكافة وسائله خاصة مواقع التواصل الاجتماعى، لكى يصل إلى جمهوره المستهدف، فتحولت عدسات الأطباق اللاقطة باتجاه كل جديد حول التنظيم الإرهابى، الذى ملأ الفضاء ضجيجا بمذابحه التتارية وتهديداته التى لا تتوقف، ووعيده الذى لا ينتهى، منصّبا نفسه وصيا على دين الله. وهو فى الحقيقة ليس سوى إحدى أوراق اللعبة لتقسيم المنطقة وإحداث الفوضى فيها فهو صنيعة 6 أجهزة استخبارات دولية، تسعى جاهدة لإتمام سيناريو التقسيم. وخلال السطور القادمة، وفى أول تحقيق استقصائى يخترق أقوى أسلحة التنظيم الإرهابى «داعش».. حاولنا كشف حقيقة التنظيم وكيف تم تأسيسه؟ ومن يقف خلفه ويموله وكيف يستطيع تجنيد عناصر جديدة؟، وكيف يحصل على السلاح، ودور السينما فى الدعم والدعاية، وما هى الاستراتيجية التى رسمت له، وشفرات الحديث بين عناصره أو المنتمين للتنظيم خارج دولة الخلافة المزعومة؟، ومن أين تدار الحملات الإعلامية؟ البداية كانت على باب منزل بإحدى قرى محافظة الشرقية وقف الجميع يودعونه قبل سفره إلى المملكة العربية السعودية .. شاب فى نهاية العقد الثالث من عمره، اسمه «أحمد محمد» مدرس رياضيات، تخرج فى كلية التربية جامعة الأزهر أنهى خدمته العسكرية.. بدأ يبحث عن فرصة عمل، أبلغ والده بأنه وجد فرصة عمل بالخارج فى إحدى المدارس بدولة خليجية، وفى الموعد المحدد أعد «أحمد» حقيبة سفره، ودعه الجميع وتمنوا له التوفيق وخرج ومعه دعوات أسرته بأن يكون سفره باب رزق جديد وأن يوفقه الله.. مرت ثلاثة أشهر لم يتلق الأهل أى اتصل من الابن المسافر وفجأة كان الاتصال الصادم. الأب : الو الابن: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأب: وعليكم السلام .. أحمد واحشنى جدا يابنى ثلاثة أشهر لم تتصل وتطمئننا عليك، إيه أخبارك.. ومال صوتك.. لو تعبان تعالى.. وسيب الشغل، متقلقش مستورة الحمد لله، تعالى يا أحمد وأنا هأجوزك ع طول أول ما توصل. الابن: أنا اتصلت بك يا أبى لكى أبشرك.. نتقابل إن شاء الله على باب الجنة. الأب: باب الجنة إيه .. مالك فيك إيه يابنى قولى حرام عليك. الابن: أنا فى أرض الجهاد. الأب: أرض الجهاد إيه .. أنت فين؟ الابن: أنا فى دولة الخلافة الإسلامية فى سوريا. الأب: ألهى ما أشوفك فى جنة ولا نار روح ربنا ما يرجعك، بهذه الكلمات أنهى الوالد المكلوم مكالمته مع ابنه. ثم خر الأب مغشيا عليه وسط ذهول الأهل والجيران. تلك كانت مكالمة أحد الشباب المنتمين حديثا إلى تنظيم «داعش» الإرهابى والذين وصلوا إلى أرض الخلافة المزعومة. ودفعتنا الحادثة إلى ضرورة اختراق أقوى سلاح لهذا التنظيم الإرهابى وكانت البداية يوم الخميس 25 أكتوبر 2014 ومن خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعى بعد حديث مع صديق تربطه علاقة صداقة قديمة بأحد العناصر الجهادية والذى وصل إلى الرقة منذ 6 أشهر بعد أن قضى فترة تدريب تجاوزت ال 60 يوما فى أحد المعسكرات الخاصة بالمجاهدين على الحدود الأردنية وحول اسمه من إبراهيم دسوقى إلى أبو «عمر المصرى»، لأن كل من هم فى الدولة الإسلامية يجب أن تكون له «كنية» قدمت له طلب صداقة بعد عمل أكثر من أكونت مستعار باسم «محمد أبو الحارث» وأسماء أخرى جميعها بأرقام هواتف حتى لا يتمكن أحد عناصر التنظيم تتبعها من قبل مجموعاتهم الالكترونية.. وما أن بدأت متابعته لحين قبوله طلب الصداقة الذى أرسلناه له حتى كانت المفاجأة، معظم صفحات عناصر التنظيم ليست سرية المعلومات بالكامل وخاصة نشاط العناصر .. لكن القادة فقط هم من يتم إخفاء وجوههم والمعلومات الخاصة بهم ولا يستطيع أن يتعرف عليهم سوى من يضمنون ولاءه للتنظيم، أو من هم إلى جوارهم فى أرض الخلافة المزعومة. الرسالة الأولى خلال الأيام الثلاثة الأولى لم نكن نفعل شيئًا سوى ضغط علامة «الإعجاب» على كل ما ينشر و«التكبير» حتى نستطيع كسب ثقة العناصر سواء فى أرض الخلافة أو عناصرها المتواجدة فى خارجها، والتى تعمل من داخل أوطانها منتظرة إشارة التحرك للتخريب والتدمير وسفك الدماء. بدأ أحد العناصر يدعى «أبو حفص الشامى» وهو أحد العناصر التى تقوم بأعمال الاختبار للأعضاء الجدد وتجنيدهم (وهو ما علمناه بعد ذلك عندما استطعنا اختراق الحساب الخاص به). قائلا: هل تحب النفير؟ رددنا عليه: ومن منا لا يحب النفير.. ألم تر أن ما يحدث فى بلاد المسلمين الآن من ظلم لأنهم تركوا النفير، ولكنى لست فى أرض الخلافة حتى أستطيع النفير إننى أحاول الهجرة إلى أرض الخلافة حتى أكون فى صفوف المجاهدين. صمت قليلا ثم قال: مرحبا بك أخونا «أبو الحارث» وقريبا سيكون لنا لقاء. مرت عدة أيام قام خلالها «أبوحفص الشامى» بمتابعة نشاط صفحتنا وطلب من بعض أصدقائه ذلك وهو ما اكتشفناه من صندوق رسائله الخاصة. ولأننا ندرك خطورة ما نقوم به كنا أكثر حرصا على ألا يتم التواصل على هذه الصفحات إلا من أماكن متفرقة وعبر المحمول..واستعنا بأكثر من متخصص فى تكنولوجيا المعلومات وفك الشفرات واختراق الحسابات الشخصية، للوصول إلى الهدف، وتأمين الحسابات الشخصية الخاصة بنا وكشف حقيقة التنظيم. بعد الأيام الثلاثة كانت البداية أرسل «أبو حفص الشامى» على إحدى الصفحات التى كنا انضممنا بها ضمن هذه المجموعات الجهادية حيث رحب بنا ثم طلب منا عمل أكونت باسم «سمية أبو بكر التونسى» وخلال حديثه ظهر موقع تواجده نظرا لأنه كان يتحدث من خلال الهاتف المحمول الخاص به قال: السلام عليكم: مرحبا أخى: كيف حالك بارك الله فيك أريد منك طلبا أن تقوم بعمل أكثر من أكونت على الفيس بوك بأسماء «سمية أبوبكر التونسى، أبو عمر المجاهد، أبو الليث الافغانى، أبو أمينة الليبى» وأن ترسل لى الصفحات نظرا لقيام إدارة الفيس بوك بإغلاق صفحات الإخوة المجاهدين ونحن نقوم بعمل صفحات بديلة لهم. قلنا له: ولكن هذا يحتاج إلى أكثر من بريد إلكترونى أو أرقام هواتف . رد قائلًا: لتجعلها جهادا فى سبيل الله قلنا له: إن شاء الله سوف نوافيك بالصفحات وال user name وكلمة السر الخاصة بكل صفحة. تركناه أربعة أيام بعدها تلقينا رسالة منه يطلب استعجال المهمة، لأن المنطقة سوف تشهد حادثا يزلزلها ونريد نشره على أوسع نطاق . وفى يوم 10 نوفمبر 2014 كان إعلان التنظيم عن تلقى الخليفة أبو بكر البغدادى البيعة من خمس ولايات جديدة كان منها (بيعة اليمن وبيعة مصر «جماعة أنصار بيت المقدس»، وبيعة ليبيا وبيعة الجزائر وبيعة جزيرة العرب). ثم كان إصدار جديد من إصدارات التنظيم باسم «صولة الأنصار» عن حادثة كرم القواديس الإرهابية فى سيناء أتبعه إصدار «يا أيها الكافرون» والذى ظهر فيها مقاتلو التنظيم الإرهابى وهم يذبحون مجموعة من الجنود . واصلنا رحلتنا داخل صفوف التنظيم وساعدنا إلغاء إدارة الفيس بوك لحساب «أبو حفص الشامى» فقد استطعنا الفكاك من إنشاء الصفحات المطلوبة، والتى تستخدم فى الترويج للتنظيم، ولكننا استطعنا التعرف أيضا على أصدقاء كثر من داخل صفوف التنظيم ومنهم من هم فى الرقة والموصل ودير الزور ومن هم خارج العراقوسوريا ومن هم فى مصر وتونس وليبيا حتى فى إحدى دول شرق آسيا مثل جزر الملايو والتى اكتشفنا وجود شفرة للحديث بين عناصر التنظيم هناك. وقد كشفت الرسائل داخل صندوق أحد العناصر الإرهابية أنهم يستطيعون كشف العناصر الدخيلة عليهم من خلال جمل معينة وهو ما وجدناه داخل صندوق بريد شخص يدعى «مصطفى فهمى زيدان» حيث كان فى حوار مع شخص آخر يبدو انه ليس أحد عناصر التنظيم يدعى «أبو عبد القهار الحسينى» حيث دار حوار بين الاثنين انتهى باكتشاف الأول أن الثانى ليس من تنظيم الدولة الإسلامية فقام بنشر تعميم على أصدقائه يحذرهم من التعامل مع أبو عبد القاهر، قائلا: شخص اسمه أبو عبدا لقهار حدثنى على الدردشة وقال إنه يعرفنى وهو من كركوك وطلب منى صورتى وهو ما أكد كذبه، ولما حدثته عن النفير وحبى له قال أنك شاب مغرر بك. ويقول مصطفى زيدان على صفحته محذرا أصدقائه من أعضاء التنظيم الإرهابى: ابحثوا عن هذا العنصر الذى يخترق صفحاتنا ولا يؤمن بما نؤمن به. تجنيد العناصر ساهمت شبكة المعلومات الدولية ومواقع التواصل الاجتماعى بشكل كبير فى تجنيد عناصر جديدة وانضمامهم إلى التنظيم الإرهابى «داعش» الذى استطاع من خلال الأفلام الوثائقية أن يقنع أعدادا كبيرة من الشباب العربى والأجنبى للانضمام إلى صفوف مقاتليه، إما بدعوى الجهاد أو بدعوى إعادة الخلافة الإسلامية، أو بوضع تلك العناصر فى دائرة الضوء وتحويلهم إلى أبطال فى أرض الخلافة المزعومة، وجعلهم حديث عناصر التنظيم فى كافة البلدان، أو استخدام المشهورين منهم فى الترويج للتنظيم الإرهابى مثل بعض مغنى الراب، ومنهم المغنى البرلينى دينس كوسبيرت المعروف باسم «دسيزو دوج» النجم فى فن «الهيب هوب»، وهاهو اليوم مقاتل باسم «أبو طلحة الألمانى» فى صفوف تنظيم داعش، وقد يكون هذا أشهر مثال لشاب ألمانى اعتنق الإسلام وأصبح داعية سلفيا قبل أن يقرر الانضمام إلى الجهاديين. وهذه هى الطريقة التى يضم بها التنظيم عناصره الجديدة من خارج العراقوسوريا أما داخل الأراضى العراقية والسورية، أو ما يطلق عليها التنظيم « أرض الخلافة»، فيتم تجنيد الشباب والأطفال عن طريق المال واستغلال حاجة الأسر بسبب حالة الفقر التى تعيشها فى ظل حكم التنظيم الإرهابى، وحالة الخراب والدمار التى خلفتها العمليات العسكرية فى مواجهات التنظيم مع كل من الجيش العراقى والسورى وقوات التحالف. فبحسب المعلومات التى حصلنا عليها من الحساب الشخصى ل «أبو حفص الشامى» وهو مصرى الجنسية ومقيم فى شارع سليمان القانونى بأحد أحياء اسطنبول على ساحل بحر مرمرة بتركيا، ويزعم انه موجود فى ولاية الرقة بأرض الخلافة المزعومة، يقول فى رسالة له أن التنظيم يدفع ما بين 1000 إلى 3000 دولار لشباب المقاتلين من سن 15 سنة وحتى 25 سنة من ساكنى الولايات فى دولة الخلافة، أما المجاهدون القادمون من خارج أرض الخلافة فهم يقدمون أرواحهم ودماءهم بلا مقابل، طمعا فى الجنة والحور العين. دراسة ووفقا لدراسة قام بها المعهد الملكى فى لندن، فإن نحو 3000 مقاتل فى صفوف داعش ينحدرون من دول غربية، من بينهم 320 يحملون الجنسية الألمانية. ويقول فالكو فالده، خبير فى الشؤون العراقية فى مكتب عمان التابع لمؤسسة فريدريش ناومان الألمانية. «تعد داعش من أكثر التنظيمات والميليشيات تشددا وعنفا فى المنطقة، ويبدو أن هذا هو عين ما يجتذب الشبان الذين يبحثون عمن يوجههم إلى طريق ما فى الحياة». وتشير تقارير استخباراتية روسية إلى أن السير الذاتية للسلفيين الذين هم على استعداد لاستخدام العنف هم شبان ذكور بمستوى تعليمى بسيط جدا وعاشوا فى الغالب ظروفا عائلية سيئة. وربما يجب أن تجتمع عدة عوامل سلبية مع بعضها البعض لتجعل من هؤلاء الشبان متشددين إلى درجة التطرف. وعندما يلتقى هؤلاء الشبان الذين يواجهون مصاعب ومشاكل بأناس آخرين يجدون لديهم الاعتراف بهم والصداقة ويقولون لهم ما الذى يتعين عليهم فعله، حينها تأخذ حياتهم منعطفا دراماتيكيا. كما تترسخ عندهم صورة واضحة للعدو: فمن جهة يقف الصالحون، وفى الجهة الأخرى يقف الأشرار بحسب معتقداتهم. ومن هنا يصبح الكفاح المسلح غير بعيد: «طبعا من واجب كل مسلم ملتزم أن يقف إلى جانب الصالحين. وهذا يعنى بأنه لا يوجد أى خيار لتقرير المصير: هل أريد هذا أم لا»؟ التأسيس بحسب تقارير استخباراتية أكدت أن تنظيم الدولة الإسلامية داعش (ISIL) قد أنشأته المخابرات الأمريكية بدعم من MI6 فى بريطانيا، الموساد الإسرائيلي، جهاز الاستخبارات الباكستانية (ISI) والمخابرات العامة فى إحدى دول الخليج العربى والمخابرات التركية. وقد شاركت الأجهزة الاستخباراتية الست فى أعمال التدريب العسكرى والدعم لعناصر التنظيم وذلك لمواجهة بشار الأسد فى البداية لإسقاط النظام السورى . كما قام حلف شمال الأطلسى والقيادة العليا التركية بتجنيد عناصر النصرة وداعش من المرتزقة فى بداية الثورة السورية مارس 2011 ضد نظام بشار. حيث قادت «حملة لتجنيد آلاف المتطوعين المسلمين فى بلدان الشرق الأوسط والعالم الإسلامى للقتال إلى جانب الثوار السوريين وقامت الولاياتالمتحدة وبعض الدول العربية بدفع الأموال للمتطوعين. وقام الجيش التركى بإيواء هؤلاء المتطوعين، وتدريبهم وتأمين مرورهم إلى سوريا ومنحهم الأسلحة المضادة للدبابات والأسلحة الخفيفة فى البداية وتقديم الدعم المعلوماتى واللوجستى لهذه العناصر 14 أغسطس 2011. وتم إنشاء مجموعة من المعسكرات التدريبية داخل تركيا وجنوب العراق على الحدود الأردنية وجنوب سوريا. وبحسب تلك التقارير فإن عناصر من القوات الخاصة الأوربية وعملاء استخبارات غربيين انضموا إلى صفوف التنظيم الإرهابى فى الشام. وقد شاركت الاستخبارات البريطانية MI6 فى تدريب المتمردين الجهاديين فى سوريا. وكان مسئول أمريكى رفيع المستوى قد صرح فى 9 ديسمبر 2012 لعدد من كبار الدبلوماسيين ولل «CNN» أن الولاياتالمتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين يستخدمون مقاولى الدفاع لتدريب العناصر الجهادية على كيفية تأمين مخازن الأسلحة الكيميائية فى سوريا.