فى معركة صفين، والتى راح ضحيتها الكثير من القتلى والشهداء، لمّا رأى معاوية بن أبى سفيان انتصارات جيش علىَّ على جيشه، وقد قرب منه القائد مالك الأشتر مع مجموعته، دعا عمرو بن العاص إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات. فقام عمرو بن العاص بدعوة جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بينهم، ليدعو جيش على إلى التوقف عن القتال ويدعوا علياً إلى حكم القرآن. وفعلاً جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش على حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: "يا على، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم". فأجابهم على فى هذا الموقف أمام خيارين: فإما المضى بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل معاوية. وإما القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً. فقبل على بن ابى طالب التحكيم وترك القتال مكرها. فتعاهدوا على ذلك، واتفقوا على ألا ينقض أحد عهده، وأنهم سوف يذهبون لقتلهم، أو يموتون، وتواعدوا أن يقتلوهم فى شهر رمضان، وكتموا الأمر عن الناس جميعًا إلا القليل، ومن هؤلاء القليل من تاب وحدّث بهذا الأمر. قُتل من الطرفين خلال المعركة سبعون ألف شهيد، فمن أصحاب معاوية بن أبى سفيان قتل خمسة وأربعون ألفاً، ومن أصحاب على بن أبى طالب خمسة وعشرون ألفاً. اتّفق جيش على وجيش معاوية على مبدأ التحكيم، فاجتمع الحكمان فى دومة الجندل وقيل فى أذرح على جبل التحكيم، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل جيش معاوية بن أبى سفيان، وكان أبو موسى الأشعرى المفاوض من قبل جيش على بن أبى طالب. فكتبت صحيفة التحكيم وتوقف القتال وأذن على بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام، واتفق الحكمان على خلع (على) و(معاوية) فى وقت واحد وترك الأمر شورى للمسلمين يختارون من يشاءون، ثم قام (أبو موسى الأشعرى) فأعلن خلع (على ومعاوية) غير أن (عمرو بن العاص) قال: أنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبى معاوية . فاحتج (أبو موسى) على هذا واستمرت الفتنة حتى قتل علىّ وتنازل الحسن وتولى معاوية الأمر.