بات من شبه المؤكد أو لنقل من شبه المرجح أن تُجرى الانتخابات البرلمانية فى غضون ثلاثة أو أربعة أشهر من الآن. والمرجح أيضا أن تبدأ إجراءات فتح باب الترشيح والحملات الانتخابية فى مطلع يناير المقبل، وبعدها بفترة وجيزة تُجرى عملة التصويت. ووفقا لهذا المشهد المرجح سيكون لدينا برلمان جديد فى غضون فبراير أو مارس المقبل. وهو أمر مسنود بتصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى فى احتفال القوات البحرية يوم الاثنين الماضى، والتى قال فيها إنه مُصر على تنفيذ بنود خريطة الطريق التى لم يتبق منها سوى انتخاب البرلمان، وأن مسألة تأمين الاقتراع ليست محل مناقشة ما دامت القوات المسلحة لديها القدرة على ذلك، وأنه مستعد لدعم الأحزاب دون تمييز لتكون مستعدة لخوض الانتخابات بلا خوف أو تردد. الدعم المعنوى والسياسى من الرئيس للأحزاب أمر مهم وحيوى لاسيما فى هذه الظروف الحساسة والملتبسة التى تمر بها الحياة السياسية ككل، وهو دعم شكك فيه البعض فى الفترة الماضية، خاصة مع غموض الموقف الحكومى من القانون الخاص بتقسيم الدوائر الانتخابية. ومع أهمية الدعم الرئاسى، فإننا نقول بكل صراحة وشفافية إنه وحده لا يكفى، فإذا كانت الحكومة مُكلفة بسرعة الانتهاء من إعداد قانون تحديد المحافظات بعد إعادة تقسيم بعضها، وقانون آخر لتقسيم الدوائر الانتخابية، وربما إعادة النظر فى قانون الانتخابات نفسه، وإن كنت شخصيا أشك فى ذلك، فإن الأحزاب عليها المسئولية الأولى والأخيرة فى ترتيب شأنها الداخلى وإعداد الكوادر والتواصل مع المواطنين وطرح الأفكار البناءة لخدمة الوطن ككل، وعليها أيضا أن تتحالف مع بعضها البعض، خاصة الصغيرة التى يسيطر عليها أشخاص محدودون وليس لها أى وزن حقيقى فى المجتمع وبين المواطنين، وصولا إلى تكتل قوى يستطيع أن يحصل على أكبر قدر ممكن من الأصوات وبالتالى تأمين عدد مؤثر من النواب، يكون له شأن فى تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، وتشريع القوانين التى أقرها الدستور من حيث المبدأ. ??? ولا تعنى الدعوة للتحالف بين عدد من الأحزاب، أن تكون كل الأحزاب على اختلاف مشاربها فى سلة واحدة، فهذا أمر غير معقول لا نظريًا ولا عمليًا، فعدد الأحزاب الرسمية الآن يقارب 92 حزبا، وهناك أيضا عدد كبير وغير معروف على وجه الدقة من الحركات المجتمعية غير المسجلة رسميا، ولكن لها تأثير بشكل أو بآخر على تحركات قطاعات من المواطنين خاصة من جيل الشباب. وإذا نظرنا إلى الخريطة الفكرية لهذه الأحزاب فسوف نجد منها أحزابا مدنية موزعة إلى تيارات مختلفة ما بين ليبرالية واشتراكية ويسارية وذات منحى اجتماعى وناصرية، وكلها تتفق على مبدأ مدنية الدولة المصرية وتعددية الحياة السياسية وفقا للدستور والقانون ومرجعية ثورتى 25 يناير و30 يونيو. ومنها أحزاب ذات مرجعية دينية منقسمة ما بين دعم الدولة المصرية وهدم الدولة المصرية، ووراء كل منهما جمعيات دعوية وتحالفات ظاهرة وخفية. وإزاء هذا التنوع الفكرى والأيديولوجى يصبح من المتعذر عمليا تشكيل ما يمكن وصفه بالقائمة الوطنية الواحدة، حتى بين التيار الواحد. وفى أفضل الأحوال يمكن تشكيل ثلاث أو أربع قوائم لأحزاب ذات مرجعية مدنية، وقائمتين لأحزاب ذات مرجعية دينية. وإلى جانب هذه القوائم الجماعية توجد أحزاب عديدة تنظر لنفسها باعتبارها قوية بما يكفى لكى تشكل قائمة بمفردها دون الاندماج مع قوائم حزبية أخرى. وأعتقد أن التطور الطبيعى للأمور لن يختلف عن هذا التصور. وقد رأينا فى الأشهر القليلة الماضية كما هائلا من المحاولات والمشاورات واللقاءات بين شخصيات سياسية مختلفة من أجل تجميع أكبر عدد ممكن من الشخصيات والرموز فى قائمة واحدة وخوض الانتخابات وتحقيق أفضل نتائج، بافتراض أن هذا الأمر هو الأساس لدعم الرئيس السيسى فى مهمته التاريخية بإعادة بناء مصر مدعوما بحب الناس وثقتهم الغالية فى شخصه وفى وطنيته وفى إخلاصه، وكذلك لترسيخ كل المبادئ الرئيسية لمدنية الدولة وفقا لما جاء فى الدستور. ورغم إيماننا بصدق هذه المحاولات وثقل الشخصيات التى سعت إليها مثل السيد عمرو موسى ود.كمال الجنزورى وعبدالجليل مصطفى وغيرهم من الرموز، وسمو الأهداف الوطنية المبتغاة من ورائها، فهى لم تُثمر شيئا حتى الآن، والسبب بسيط للغاية لأنها محاولات افتقدت الرؤية الواقعية التى تقول إن خريطة الأحزاب الراهنة فى مصر موزعة على عدة توجهات وليس توجهًا واحدًا أو توجهين، فضلا عن أن طموح بعض الشخصيات السياسية والحزبية الراغبة فى الترشح هو أكثر مما ينبغى ولا يسنده بين الناس أى دليل. وكما رأينا فى محاولات عمرو موسى ود. كمال الجنزورى، فإن عدد المقاعد المقترح لكل حزب أو ائتلاف كانت هى المدخل المباشر لإفشال العملية برمتها، جنبا إلى جنب التباينات الفكرية المحدودة بين هذا الطرف وذاك. فكل طرف يطمع فى أن يحصل على عدد أكبر من الترشيحات، التى تعكس من وجهة نظره قوة ومكانة حزبه مقارنة بالآخرين. ومما يقال إن حزب الوفد رفض الدخول فى القائمة القومية الموحدة التى يسعى من أجلها د. كمال الجنزورى، لأن العرض الذى قدم إليه كان تسعة مقاعد، فى حين أن الجنزورى عرض على حزب الأحرار المصريين عددا أكبر من المقاعد بغية الحصول على قدر أكبر من التمويل يساعد القائمة ككل على خوض الانتخابات بطريقة مريحة، مما أثار حزب الوفد، فقرر الرفض، وأن يخوض الانتخابات منفردا وفى ظل القائمة التى يشكلها تحت اسم تحالف الوفد المصرى. فى الوقت نفسه يُقال إن تيار الاستقلال طالب بحصة 50% من جملة القائمة القومية الموحدة. ??? والحقيقة أن فكرة أن يقوم رمز سياسى معين بمحاولة تجميع عدد كبير من الشخصيات الحزبية المتباينة فى قائمة يكون هو على قمتها من شأنها أن تثير الغيرة والحسد. والسؤال الأبرز هنا هو على أى أساس قرر هذا الرمز أن يعطى هذا الحزب تسعة مقاعد وذلك الحزب عشرين مقعدا؟ وبالطبع فإنه لا توجد معايير مُعلنة، فضلا عن أن عدد المقاعد المقترحة لكل حزب هو مجرد اجتهاد شخصى من الرمز السياسى لا أكثر ولا أقل، وغالبا ما رفضت الأحزاب هذه الأرقام باعتبارها تقلل من قيمة الحزب، جنبا إلى جنب السؤال الأبرز الثانى والمتعلق بالعائد السياسى الذى سوف يحققه هذا الرمز من وراء جهود تجميع شخصيات مهمة على قائمته الانتخابية؟ والإجابة المتداولة وكما يعرف الجميع أن هناك طموحا بأن ينال هذا الرمز السياسى مقعد رئاسة أهم برلمان فى تاريخ مصر المعاصر. وليس هناك شك فى أن هذه الإجابة المتداولة ليست محل ترحيب من كثيرين، ومن ثم يرفضون المسعى برمته. وبافتراض أن هذه الإجابة المتداولة ليست صحيحة تماما، وبها قدر من المبالغة، وأن جهود هذا الرمز السياسى هى بدافع وطنى بحت وحرصا على مستقبل الوطن ككل، ففى هذه الحالة يُفضل أن تكون المعايير لتكوين القائمة القومية أو الوطنية أو المستقلة واضحة للكافة، ومعلنة للجميع. وأيا كانت ملاحظاتنا على تحرك هنا أو تحرك هناك، فالتقدير واجب لكل من يبذل جهدا لحماية البلاد، ويدفع بها نحو الاستقرار والديمقراطية والدولة المدنية. ??? إن وجود أكثر من قائمة وطنية تتنافس من أجل مقاعد البرلمان هو الطريق الأصوب، ولا بأس أن يكون هناك مزيج من التعاون فى دوائر معينة بعد والتنافس السياسى الشريف بين هذه القوائم فى دوائر أخرى، وبذلك يكون هناك وجود مُعتبر لممثلى التيار المدنى بغض النظر عن الأسماء والشخصيات وأسماء القوائم. فالمسألة ليست فى قوائم بعينها، بقدر ما هى أشخاص وطنيون يحبهم ويحترمهم المصريون، ويؤمنون بمدنية الدولة والحفاظ على هوية مصر وحماية مؤسساتها وحيوية مجتمعها. وهو ما يتحقق إذا تجمعت الأحزاب القريبة فى توجهها الفكرى فى قائمة واحدة، وتنافست مع القوائم الأخرى بكل شرف وأريحية. ولذا لا نرى أى غضاضة أن تكون هناك قومية موحدة، وأخرى لتيار الاستقلال وثالثة لتحالف الوفد، ورابعة يشكلها رمز آخر تحت أى عنوان أو شعار. ما يهمنا يا سادة هو أن تتواصلوا مع المواطنين، أن تزرعوا لأنفسكم جذورًا قوية فى المجتمع، أن يشعر بكم الناس، أن يثقوا فيكم، أن يروا فيكم رموزًا للوطنية المصرية دون ادعاء أو رغبة فى كسب شخصى أو مادى. فالمنافسة مفتوحة ولا مجال لإقصاء أو استعلاء. مصر بحاجة ماسة للجميع، بحاجة حقيقية لكل المخلصين، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون والمخلصون والوطنيون.