قبل 41 عاما وفى مثل هذه الأيام كانت الدنيا غير الدنيا وكان العالم غير العالم. كانت مصر على وشك أن تعبر محنتها وتتخلص من كابوس الهزيمة.. وكان العالم يرقب الأحداث الساخنة التى تشهدها المنطقة غير مصدق لما يراه ويسمعه. قبل 41 عاما كانت الحرب التى أذهلت العالم وجعلته يغير نظرياته العسكرية بعد أن وقف على أطراف قومية يرقب ويتأمل غير مصدق لما يراه من أداء المصريين. قبل 41 عاما كانت حرب أكتوبر المجيدة التى نحتفل بذكراها هذه الأيام.. والتى لا تزال أحداثها وتفاصيلها تعيش فى قلوب وذكراه الذين عاصروها.. كأنها وقعت للتو. قبل 41 عاما انتصرت إرادة الشعب المصرى واستطاع أن يهزم الهزيمة.. وما أشبه الليلة بالبارحة! وقبل أن نتحدث عن الليلة والبارحة أجد أنه من الضرورى أن أضع أمام الذين لم يعيشوا هذه الأيام ويعاصروا هذه الأحداث.. صورة للذى لم يعيشوه ولم يعاصروه. والحكاية كلها بدأت فى عام 1967 وبالتحديد فى يونيو من عام 1967 عندما تعرضت مصر لمحنة الهزيمة وتعرض جيشها للنكسة. كانت الصدمة فوق أى احتمال ومع ذلك استطاع المصريون أن يمتصوا هذه الصدمة ويتعايشوا معها ويتجاوزها.. وهكذا لم يسمحوا للرئيس جمال عبدالناصر أن يتنحى وأجبروه أن يمسك بالدفة من جديد.. والأهم أنهم لم يسمحوا لإرادتهم أن تنكسر فعاشوا يحلمون بالثأر ويهتفون بالحرب! وهكذا كانت حرب الاستنزاف كما أطلق عليها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والتى بدأت بالفعل فى 1 يوليو من عام 1967 عندما تقدمت المدرعات الإسرائيلية صوب مدينة بورفؤاد بهدف احتلالها فتصدت لها قوة من الصاعقة المصرية بنجاح فيما عرف بمعركة رأس العيش. وخلال الأشهر التالية تصاعدت العمليات العسكرية بين القوات المصرية المحتشدة على الجانب الغربى لقناة السويس والقوات الإسرائيلية التى احتلت سيناء بالكامل. كان استمرار هذه الحرب واستمرار صمود وتحدى المصريين مستحيلًا فى ظل التفوق الهائل للأسلحة التى يمتلكها الإسرائيليون. على سبيل المثال كان لا يمكن للمقاتلات المصرية من طراز ميج 15 وميج 17 ذات المدى القصير والتسليح المحدود أن تجابه الطائرات الإسرائيلية من طراز ميراج وسوبرميتير وسكاى هوك وغيرها.. وكان لا يمكن أن تتصدى الدبابات من طراز ت34 المستخدمة فى الحرب العالمية الثانية للدبابات الإسرائيلية المتطورة من طراز شيرمان وسنتوريون.. كما أن الدفاعات الجوية المصرية كانت من طرازات عتيقة.. وغير ذلك الكثير. لكن مصر استمرت فى حربها معتمدة على أداء المقاتل المصرى الذى أصاب بأداءه المذهل الإسرائيليون بالجنون. كان الجنود المصريون يتسللون ليلًا للجانب الشرقى من القناة ويقومون بغارات يدمرون خلالها بعض مواقع الجيش الإسرائيلى ويقتلون جنوده.. وكانت المدفعية المصرية تفتح نيرانها بين الحين والحين فتدمر بعض نقاط الجيش الإسرائيلى الحصينة.. ونسمع عن بطولات نادرة مثل معارك القوات الجوية يومى 14 و15 مايو 1967 ومعركة المدفعية التى وقعت يوم 20 سبتمبر 1967.. ثم إغراق المدمرة البحرية إيلات يوم 21 أكتوبر من نفس العام. واستمرت هذه المعارك خلال سنوات حرب الاستنزاف والتى كان من أهم نتائجها بناء دفاعات جوية مصرية متطورة أذاقت الطائرات الإسرائيلية فيما بعد الجحيم! ويرحل جمال عبد الناصر فى سبتمبر من عام 1970 ويتولى السادات المسئولية.. ويحافظ الشعب المصرى على إرادته ويستمر فى المطالبة بالثأر والهتاف بالحرب.. وفى 6 أكتوبر من عام 1973 تقع الواقعة! بدأت الحرب يوم السبت 6 أكتوبر 1973 بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصرى والجيش السورى على القوات الإسرائيلية التى كانت مرابطة فى سيناء وهضبة الجولان. ونجحت القوات المصرية فى تحقيق معجزات عسكرية.. اقتحمت القناة وعطلت أنابيب النابالم التى نشرها الإسرائيليون على امتداد القناة وحطمت خط بارليف الذى تصور الإسرائيليون أنه غير قابل للتدمير حتى بالقنابل الذرية. ونجحت مرحلة عبور قناة السويس.. أكبر مانع مائى فى التاريخ.. واستطاعت قواتنا المسلحة أن تحتل الجانب الشرقى لقناة السويس.. وقامت كل فرق وأسلحة الجيش المصرى بتحقيق معجزات بالمفهوم العسكرى.. القوات الجوية والبرية والبحرية وقوات الدفاع الجوى والصاعقة وغيرها. وراح العالم يراقب أداء الجيش المصرى غير مصدق.. وراح جنود وضباط الجيش المصرى يسطرون بأدائهم سطورًا من نور فى سجلات المجد والفخار. وتدخلت الولاياتالمتحدة بشكل سافر لمساعدة الإسرائيليين.. ثم تدخل هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى وتوسط لفرض هدنة تحولت فيما بعد إلى اتفاقية سلام شاملة فى كامب ديفيد عام 1979. كانت الحرب قد انتهت رسميًا فى 31 مايو 1974 وكان من أهم نتائج هذه الحرب استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس واسترداد جميع الأراضى فى شبه جزيرة سيناء.. والأهم تحطيم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر. وكانت كلمة السر فى كل هذه المعجزات هى إرادة المصريين.. إرادة الشعب المصرى التى لم تكسرها الهزيمة وإرادة الجيش المصرى التى لم تكسرها النكسة. كانت هذه هى البارحة.. فما هى الليلة؟! ليس خافيًا أن الجيش المصرى يواجه هذه الأيام حرب.. حرب حقيقية بدأت فى أعقاب الإطاحة بالإخوان من مقاعد حكم مصر عام 2013. وفى حرب 1973 نجح الجيش المصرى فى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى المصرية فى سيناء.. وفى حرب 2013 نجح الجيش المصرى فى إنهاء احتلال الإخوان لكل مصر. فى حرب 1973 كان الجيش المصرى يواجه جيشًا مرئيًا استطاع أن يلحق به الهزيمة وفى حرب 2013 واجه الجيش المصرى جيشًا خفيًا قوامه الإرهابيون من الإخوان ومن الجماعات التكفيرية والمتطرفة.. وهو على وشك أن ينتصر عليه. فى حرب 1973 كانت إرادة المصريين هى كلمة السر التى حققت الانتصار.. وفى حرب 2013 كانت إرادة المصريين هى أيضًا كلمة السر التى يتحقق بها الانتصار. الحرب على الإرهاب لا تقل خطورة وأهمية عن الحرب التى خاضتها مصر فى عام 1973.. وإذا كنا قد حققنا النصر فى حرب 1973 فمن المؤكد أننا قادرين على تحقيق النصر فى الحرب على الإرهاب.. وكيف لا يتحقق والجيش مصرى والشعب مصرى؟!