فى بلد يعيش أكثر من نصف سكانه فى فقر مدقع، ويحيط به شبح المجاعة من كل جانب، لا يزال طرفا الصراع على السلطة فى جنوب السودان يراوحان فى مكانهما دون أى بوادر حلول للصراع الدموى الذى يهدد بتحول جنوب السودان إلى دولة فاشلة بعد ثلاث سنوات فقط من الإعلان الرسمى لاستقلالها عن السودان. ثقافة العناد، هى كلمة السر فى صراع الجنوب، فى ظل الإصرار الشديد لدى كل من رئيس البلاد سلفاكير ميارديت وغريمه ريك مشار زعيم المعارضة، على فرض شروطه على الآخر، فى الوقت الذى يرفض كلاهما الاستجابة لأى شروط مسبقة لحل النزاع..وفى هذا السياق شهد النزاع فى جنوب السودان عدة تطورات ذات دلالة يمكن إجمالها فى النقاط التالية: أولا: الحكومة المؤقتة: والتى نص اتفاق أديس أبابا برعاية دول شرق أفريقيا «إيجاد» نهاية الشهر الماضى، على تشكيلها خلال 45 يوما، شكلت أولى النقاط الخلافية التى زادت الأمور اشتعالا، إذ اقترحت المعارضة تولى زعيمها ريك مشار رئاسة هذه الحكومة، الأمر الذى أثار حفيظة سلفاكير، فأعلن رفضه تقلد مشار منصب رئيس الوزراء فى الحكومة الانتقالية، وفى لقاء جماهيرى أقيم بالعاصمة جوبا، قال سلفاكير إن «مقترح تقلد مشار منصب رئيس الوزراء، سيخلق مشكلة كبيرة فى دستور البلاد»..دون أن يحدد جوهر هذه المشكلة. ثانيا: تحويل جنوب السودان إلى «دولة فيدرالية»: وهو المقترح الذى جاء ضمن أربعة محاور دفع بها ريك مشار للوسطاء الأفارقة لحل الأزمة فى بلاده..وشملت المحاور الأربعة، إعادة تسمية دولة جنوب السودان لتصبح «دولة جنوب السودان الفيدرالية» بحيث تشمل 21 ولاية فيدرالية وفق حدود 1956، وتغيير اسم الجيش الشعبى لتحرير السودان إلى «القوات المسلحة بجنوب السودان»، وفصل الجيش عن الحركة الشعبية (الحزب السياسى)، وهيكلة الحرس الجمهورى وتكوينه من جديد بفرقة واحدة تشمل خمس كتائب، هذه المطالب التى حددها زعيم المعارضة من المؤكد أنها لن تلقى قبول سلفاكير ورجاله فى الحكم. ثالثا: دعوة سلفاكير للبشير: والتى جاءت ضمن رسالة سلمها سفير جنوب السودان فى الخرطوم، موجهة من الرئيس سلفاكير ميارديت، للرئيس السودانى عمر البشير، يدعوه فيها إلى عقد اجتماع بينهما لمناقشة القضايا الثنائية والمتبادلة بين البلدين الجارين. ورجح مراقبون أن يطلب سلفاكير من البشير قطع علاقات بلاده مع «حركة التمرد» التى يتزعمها مشار، والضغط على مشار، لقبول برتوكول المبادئ تحت رعاية «الايجاد» كأساس للتفاوض فى جولة المحادثات المقبلة بإثيوبيا. رابعا: تكلفة المفاوضات: وهنا لابد من ملاحظة التغيير الذى جرى على مكان المفاوضات بين طرفى الصراع فى جنوب السودان، حيث قررت إثيوبيا ولأول مرة نقل المفاوضات خارج العاصمة، لتعقد فى مدينة بحر دار، ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر فى «ايجاد»، أن تكاليف إقامة وفدى مفاوضات جنوب السودان منذ بدء المفاوضات فى يناير وحتى يوليو الماضيين بلغت 17 مليون دولار أمريكى، الأمر الذى أرهق ميزانية الوساطة الأفريقية. أخيرا.. ومع بدء الجولة الجديدة من المفاوضات بين طرفى النزاع بدولة جنوب السودان فى مدينة بحر دار الإثيوبية، لا تزال عدة قضايا عالقة أهمها: تشكيل الحكومة الانتقالية، وانسحاب القوات الأجنبية، والاختلاف على الفترة الانتقالية، والتوصل لصيغة لتقاسم السلطة، بينما تبدو الصورة على الأرض أكثر سخونة فى ظل حشد طرفى النزاع مئات الجنود والعتاد العسكرى استعدادا لخوض جولة جديدة من الاشتباكات المسلحة.