يقول الكاتب «تزيفتان تودوروف»: (بحثنا عن العدو.. فوجدنا أنه نحن) وهو صاحب كتاب (الخوف من البرابرة) الذى يقول فيه: إن خوفنا الزائد من صدام الحضارات وتصورنا للآخر على أنهم «برابرة» من شأنه أن يحولنا نحن إلى برابرة لأننا بواقع الخوف نرتكب الأعمال الأكثر فظاعة. والكاتب الذى يعيش فى فرنسا وهو من أصل بلغارى.. اكتسب شهرته من صراحته ومنطقه المختلف فى تحليل الأمور فهو يرفض ما يسمى بصدام الحضارات.. ويقول إن الصدام قد يحدث بين دول مختلفة.. لكنه لا يحدث بين حضارات مهما كانت الفروق والاختلافات بينها.والصراعات التى تحتدم اليوم ليست صراعات ذات طبيعة سياسية، فليست هناك مشاكل مع الإسلام.. لكن هناك مشاكل مع عدد من البلدان وأكبر مثال على ذلك أن أمريكا مختلفة مع دولة دينية مثل إيران.. لكنها صديقة لدولة دينية أخرى مثل السعودية.. أكثر من هذا تعتبر أمريكا مسئولة شكلا وموضوعا وقلبا وقالبا عن دولة دينية غاشمة معتدية مثل إسرائيل. بشجاعة غير مسبوقة يخصص تزيفتان قلمه وتفكيره فى كشف العداء الغبى من جانب أمريكا وأوروبا.. تجاه الإسلام بصفة خاصة وبدون مبرر.. وتجاه العرب ودول الشرق عموما.. وهو ما جعل الغرب لا يفكر إلا فى استخدام القوة كرد فعل على هذه البربرية المزعومة وعو عبر عنه أيضًا المفكر الأمريكى «فريد زكريا» فى كتابه (عالم ما بعد أميركا) عن دهشته فى رؤية الدولة الأقوى فى العالم تعيش فى براثن الخوف من كل شىء ومن الآخرين أيضًا. ولكن ما لم يذكره «تزيفتان» فى مؤلفاته المحترمة.. أن الغرب من أجل تبرير خوفه المزعوم.. صنع لنفسه مجموعة من العفاريت.. فإذا لها تنقلب عليه.. فهل تذكرون من صنع بن لادن وتنظيم القاعدة.. ثم داعش وغيرها من عصابات الإرهاب.. تماما مثلما كان يفعل كفار مكة.. يصنعون أصنامهم من العجوة فإذا جاعوا أكلوها. حتى أن هذا الخوف الأجوف قادهم إلى شن الحرب ضد الرعب بناء على مواقف وذرائع يشوبها الكثير من الالتباس والغموض، حيث أصبح الغرب لا يرى المسلمين إلا من خلال الإسلام كما عجز عن التمييز بين الإسلام والمسلمين المتطرفين.. والإرهاب.. الشىء الذى جعل الغرب لا يفكر إلا فى استخدام القوة كرد فعل على هذه البربرية المزعومة يأتى هذا فى وقت تصورت فيه النخبة الغربية نفسها المجسد المطلق للحق والفضيلة والنظام الكونى بأسلوب فيه الكثير من التعالى وازدراء قوانين وتقاليد وأعراف الآخرين. ومع ذلك يجب أن نعترف نحن كما قال شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب ان هؤلاء الذين يحاربون أهل الإسلام باسم الخلافة والإسلام.. ويقتلون ويسرقون ويخربون.. هم أكبر إساءة لهذا الدين الحنيف أكثر مما يفعل الأعداء. والأعجب أننا فى وقت قريب وربما بعيد حاولنا أن نقول للغرب تعالى إلى الحوار وإذا كنا لا نكرهك.. فلماذا تكرهنا؟.. وإذا كانت لدينا مبررات كراهيتك كمستعمر وغاصب.. فلماذا تكرهنا أنت لأننا نختلف معك.. وأنت تتباهى بتأييد ودعم سياسة الاختلاف والتعددية. فى ذلك أنشأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أكبر المراكز الثقافية للحوار بين الأديان.. وأقام فى مدريد مؤتمرا عالميا قبل ذلك بسنوات لكى يقول لهم: هذا هو إسلامنا؟.. فماذا عنكم؟! وأمثال تزيفتان قلة فى أمريكا وأوروبا.. منهم «بول فينولى» صاحب الكتاب الشهير (كفى صمتا) ومنهم «كارين أرمسترونج» الراهبة الكاثوليكية التى تركت الدير وخرجت تدافع عن النبى y ضد الهجمات الوقحة التى تعرض لها من هنا وهناك وأبدعت فى ذلك بكل قناعتها الإنسانية والعلمية فكانت النتيجة منعوا عنها الحصول على درجة الدكتوراه ورفضت معظم الجرائد التى كانت تكتب لها أن تنشر مقالاتها! وهذه «أيفون ريدلى» الصحفية الانجليزية التى ذهبت تغطى الحرب ضد أفغانستان ولم تستطع الحصول على تأشيرة فهداها تفكيرها للتسلل من ناحية الحدود مع باكستان وهى مناطق صحراوية وعرة.. لكنها ذهبت وارتدت الزى الأفغانى النسائى الذى يغطى الوجه والجسد وركبت حمارا بصحبة صبى صغير.. وعندما تجاوزت الحدود سقطت منها الكاميرا وقبضت عليها جماعة طالبان وهى متشددة.. وفى البدء ظنوا انها رجلا تنكر فى ملابس النساء.. وتغيرت المعاملة عندما عرفوا بأنها صحفية وليست جاسوسة.. ونقلوا إقامتها إلى مكان لائق.. عاشت أيفون عشرة أيام فى قبضة طالبان.. وخرجت الصحف فى انجلترا تعلن عن اغتصابها وتعذيبها.. فى وفت كان تعيش فيه معززة مكرمة وشاهدت على الطبيعة حياة المسلمين وكيف يفكرون.. وتحاورت طويلا مع المرأة الأفغانية التى تم تكليفها بخدمتها.. وفى لحظة الإفراج عنها طلب منها الشيخ الكبير عندما تعود إلى بلادها أن تقرأ عن الإسلام والمسلمين لأنها لا تدرى عنهم إلا بأقل القليل.. وعمل الصحفى يقتضى منه أن يجمع المعلومة من مصادره بذلك، لكنها بعد عودتها نسيت الوعد واكدت لأجهزة الإعلام التى أحاطت بها فى لندن أنها لم تتعرض لأذى وعاشت معززة مكرمة.. وسخروا منها ولم يصدقوها.. وعادت إلى عملها وانشغلت به لكنها بعد سنة تقريبا أرادت أن تكتب عن موضوع يخص الإسلام فقررت أن تقرأ وأن تفى بالوعد.. ودخلت فى دائرة المعرفة.. ومن عرف أدرك وأحب.. وبالفعل أشهرت أيفون إسلامها.. وتم طردها من عملها لأنها بدأت تسبح ضد التيار. وبصراحته وتفرده يقول لهم «تزيفتان تودروف»: إذا قمنا بتعريف البربرية على أنها رفض اعتبار الآخرين بشرا مثلنا فيجب أن نعد هذا العالم الذى تحكمه سلطة أحادية قائمة على النفوذ الاقتصادى تجسيدا تاما لبربرية أو الفوضى العالمية الجديدة.. فى ظل منظمة للأمم المتحدة عاجزة وضعيفة على اتخاذ قرارها بنفسها وكذلك المحكمة الجنائية الدولية التى تأخذ أوامرها من البيت الأبيض. وما بين نظرة الغرب لنا على أننا مجموعة همجية بربرية وبين أفعال هؤلاء الذين ينتسبون زورا وبهتانا للإسلام.. نحاول أن نقول لهؤلاء وهؤلاء:(ياناس افهمونا!). لكن لن يحدث هذا أبدًا مهما صرخنا قبل أن نفهم نحن أنفسنا ونكون بالفعل من أولى الألباب والبصائر.