يروى لنا التاريخ الكثير من قصص وحكايات المحن والصعاب التى واجهها الشعب المصرى على امتداد وجوده.. ويؤكد لنا التاريخ أن المصريين كانوا دائمًا قادرين على هزيمة هذه المحن والصعاب مهما طال الزمن.. وكانت كلمة السر فى انتصارات المصريين دائمًا هى روح الصمود والتحدى.. وكانت انتصاراتهم تقترن باستعادة هذه الروح وعودتها. وبهذه الروح انتصر المصريون على الغزاة الذين حاولوا على امتداد عصور التاريخ أن يقهروا مصر والمصريين.. الهكسوس والرومان والمغول والتتار وغيرهم.. وفى العصر الحديث حاولت بريطانيا وحاولت فرنسا ومن بعدها إسرائيل.. ولم ينجح أحد!.. كلهم انهزموا وكلهم تراجعوا.. وكان ذلك يحدث فى اللحظة التى يستعيد فيها المصريون روح الصمود والتحدى. وما أشبه الليلة بالبارحة! البارحه التى أقصدها هى انتصار مصر فى حرب أكتوبر 1973.. والليلة هى الحرب التى تواجهها مصر الآن والتى تواجه فيها قوى الشر فى الداخل والخارج. أبدأ بالبارحة.. حرب أكتوبر 1973 التى استطاع فيها المصريون أن يكسروا النكسة ويهزموا الهزيمة.. والفضل لروح الصمود والتحدى التى استطاع المصريون استعادتها بعد مرور ست سنوات على النكسة. ولا يعرف معنى هذه النكسة ولا مذاق الهزيمة إلا الجيل الذى عاصرها.. جيل 1967. كانت الهزيمة فوق الاحتمال وكانت الصدمة أكبر من أى تصور وبدا المشهد وكأن مصر على وشك أن تنهار.. لكن ذلك لم يحدث فى الواقع.. لم تنهار مصر ولم تنكسر.. فعلى امتداد ست سنوات كاملة مضى الجيش المصرى يعمل باستماتة على استعادة روح الصمود والتحدى.. ومضى الشعب أيضًا يعمل على استعادة هذه الروح. وكنت واحدًا من الذين شاهدوا عودة هذه الروح. اشتركت فى مظاهرات يناير 1972 والتى عُرفَت باسم مظاهرات الطلبة.. حيث خرج آلاف الطلاب إلى الميادين وخاصة ميدان التحرير يطالبون بإسقاط الرئيس السادات إيمانًا منهم بأنه لن يحارب إسرائيل ولن يستعيد سيناء التى احتلها الإسرائيليون بعد حرب 1967. ركبت الأتوبيس المتجه إلى منطقة وسط المدينة بعد أن سمعت عن تجمع الشباب فى ميدان التحرير.. ولفت انتباهى واحدًا من الشُبّان داخل الأتوبيس يتحدث إلى الركاب عن ضرورة إسقاط السادات لتحرير الأرض. شعرت بالفخر والحماس وقُلت لنفسى: أنا واحد من الذين سيحررون الأرض بمشاركتى فى إسقاط السادات! وانتهت المظاهرات ومرت الأيام وفجأة وقعت الواقعة وقامت الحرب التى انتظرناها طويلًا وانتصرنا وعبرنا.. عبرنا الهزيمة! كان السادات وإلى جواره المشير أحمد إسماعيل يستقلان سيارة مكشوفة فى طريقهما لمجلس الشعب يحتفلان مع نواب الشعب بانتصار أكتوبر.. وكنت أقف فى شارع رمسيس بالقرب من ميدان التحرير عندما مر موكب الرئيس السادات مرتديًا حلته العسكرية يُحيّى الجماهير التى احتشدت على الجانبين.. تصفق له وتصفق للجيش المصرى! ساعتها انهمرت الدموع من عينى تأثرًا وقلت لنفسى: كنا نتظاهر لإسقاط السادات غير مصدقين أن الجيش سيحارب فى الوقت الذى كان الجيش فيه يتدرب ويجهز نفسه للحرب!.. كنا نضغط ونحن لا نعرف أن أبناء القوات المسلحة يبذلون أكثر من طاقتهم لتحقيق المستحيل!.. كنا غاضبين وكانوا مؤمنين بأنفسهم واثقين فيها وفى الشعب! وأدركت ما حدث بدقة.. أدركت أن الجيش المصرى استطاع أن يستعيد الروح.. روح الصمود والتحدى فانتصر وحقق أكبر معجزة عسكرية فى التاريخ الحديث بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء!.. وأدركت أن الشعب المصرى أيضًا استطاع أن يستعيد نفس الروح.. روح الصمود والتحدى.. فكان غضبه وإصراره على الحرب الحافز الأكبر للجيش لكى يحارب وينتصر. وعندما قامت الحرب وقف الشعب فى ظهر جيشه يحميه ويدعمه. لم يكن الشعب عبئًا على جبهة القتال بل استطاع أن يوفر لها كل ما تحتاجه من سلاح وعتاد ومؤن.. ولم تكن الجبهة الداخلية عبئًا على الجبهة الخارجية بأى حال من الأحوال.. لدرجة أن أقسام الشرطة لم تسجل محضرًا واحدًا للسرقة طوال أيام الحرب! وانتصر الجيش والشعب بعودة الروح.. روح الصمود والتحدى. كانت هذه هى البارحة.. وما أشبه الليلة بها! الليله التى أقصدها هى الحرب التى تخوضها مصر منذ أكثر من ثلاث سنوات.. الحرب التى استطاعت أن تهزم فيها مؤامرة كبرى تستهدف تمزيق مصر وإسقاط الدولة.. حرب تشترك فيها دول كبرى مثل الولاياتالمتحدة ودول لا ترتفع قامتها عن قامة الحذاء مثل قطر وتركيا.. حرب نجح الجيش والشعب المصرى فى أن ينهى بها احتلال الإخوان لمصر.. حرب يواجه فيها الشعب والجيش معًا الإرهاب الأسود الذى لا يتوقف عن محاولة تنفيذ مخططاته القذرة.. حرب موجهة إلى اقتصاد مصر وجيشها وشعبها وأمنها واستقرارها. وكل الدلائل تشير إلى أننا نقترب من تحقيق الانتصار الكامل.. كل الدلائل تشير إلى أننا نجحنا فى استعادة الروح.. روح الصمود والتحدى. الجيش استعاد الروح بضرباته الساحقة للإرهاب ودوره المؤثر والفعّال فى الحفاظ على أمن مصر واستقرارها. والشعب استعاد الروح بما يقدمه وبما يصبر عليه ويتفهمه! زادت أسعار الغاز والكهرباء والبنزين وكان رهان أعداء مصر أن هذه الزيادات ستحرك الشارع لإسقاط النظام.. لكن الشارع خيّب آمالهم! انقطعت الكهرباء وزاد معدل قطعها عن المألوف والمعقول فصبر الشعب حتى تَدخّل الرئيس واستطاع أن يحل المشكلة جزئيًا. وبدأ الاقتصاد المصرى يستعيد عافيته وسط تحديات صعبة وظروف معقدة.. واندفع الشعب يشارك فى دعم اقتصاد بلده عن طريق التبرع لصندوق تحيا مصر.. وكان أبرز المتبرعين هم البسطاء الذين لا يملكون إلا أقل القليل. وانطلق مشروع قناة السويس الجديدة فوجدها الشعب فرصة للعطاء.. سواء بالعمل أو بالدعم المادى والمعنوى. باختصار بدأ المصريون يستعيدون الروح.. روح الصمود والتحدى التى كثيرًا ما ساعدتهم على قهر المحن والصعاب! الحرب التى تخوضها مصر الآن لا تقل شراسة عن الحروب التى خاضتها على امتداد تاريخها.. وبإذن الله سيحققون المصريون فيها الانتصار.. وكيف لا ينتصرون وهم يعرفون كلمة السر؟!