جاء حادث سقوط طائرة الركاب الماليزية فوق شرق أوكرانيا ليشكل لحظة فارقة فى الصراع الدائر هناك بين السلطات فى كييف والانفصاليين الموالين لروسيا.. فهو بالتأكيد الحدث الأكثر مأساوية منذ بدء النزاع منذ ثلاثة أشهر.. ولابد أن يكون دعوة استيقاظ لكافة الأطراف للوصول إلى حل حقيقى لإنهاء الصراع فى أوكرانيا. الطائرة «إم اتش 17» التى يقال إنها أسقطت بصاروخ أرض– جو فى السابع عشر من الشهر الحالى فوق شرق أوكرانيا الذى يسيطر عليه الانفصاليون الموالون لروسيا بينما كانت متجهة من مدينة أمستردام إلى كوالالمبور كان على متنها 295 شخصا من جنسيات مختلفة من جميع أنحاء العالم وقتلوا جميعا فى الحادث. وبينما شكل الحادث صدمة للعالم أجمع، فإنه كان بمثابة كارثة جديدة للحكومة الماليزية، حيث لم يتم التوصل حتى الآن إلى أى أثر للطائرة الماليزية التى اختفت فى مارس الماضى فوق المحيط الهندى وكان على متنها 239 شخصا. وفى هذا السياق، وصف رئيس الوزراء الماليزى نجيب رازق الكارثة الجديدة بأنها «يوم مأساوى» جديد فى «عام مأساوى» بالنسبة لماليزيا. ومع انتظار نتائج التحقيق الدولى وفى ظل تأكيدات شركة الطيران الماليزية أن الطائرة كانت سليمة وملفها خال من أى أعطاب أو نقائص فى أدائها، أخذ أطراف النزاع فى تبادل الاتهامات بشأن المسئولية عن إسقاط الطائرة، حيث نفى الانفصاليون الأوكرانيون أى مسئولية عن إسقاط الطائرة مؤكدين أنهم لا يملكون أنظمة دفاع جوى من النوع الذى أسقطت به الطائرة، بينما نفت وزارة الدفاع الأوكرانية وجود أى مقاتلات تابعة لها وقت وقوع الحادث فى المنطقة التى أسقطت فيها الطائرة، وقال جهاز الاستخبارات الأوكرانى إن الانفصاليين قصفوا الطائرة اعتقادا منهم أنها طائرة عسكرية أوكرانية من طراز أنتونوف «آى إن 26»، بل اتهمت السلطات الأوكرانية موسكو بإمداد الانفصاليين بالنظام الصاروخى الذى استخدم فى إسقاط الطائرة. ومن جانبه، أنحى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين باللائمة على الحكومة الأوكرانية، مؤكدا أن الحادث ما كان سيقع ما لم تستأنف سلطات كييف حملتها العسكرية ضد الانفصاليين، داعيا إلى تسوية سريعة للأزمة فى أوكرانيا بعد الحادث المأساوى. وفى سياق تناول وسائل الإعلام العالمية للحادث، قال تقرير تحليلى على موقع «دويتشه فيله» الألمانى إن الحادث أظهر أن الانفصاليين فى أوكرانيا يحصلون على دعم عسكرى من روسيا وبالتالى فمن المتوقع أن يعلو من صوت الدعوات للاتحاد الأوروبى للتدخل بشكل أكثر قوة فى النزاع بإمداد أوكرانيا بدعم عسكرى مباشر لمحاربة الانفصاليين. كما توقع الموقع أن يزيد الحادث الدعوات لتشديد العقوبات على روسيا على الرغم من أن الاتحاد الأوروبى لا يريد تصعيد المواجهة الحالية معها، وعلى الرغم من أن معظم المراقبين يرون أن العقوبات الغربية لن تثنى بوتين عن دعم الانفصاليين الموالين لروسيا. أما صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فرأت أن مأساة الطائرة الماليزية قد تفتح آفاقا جديدة لحل الأزمة فى أوكرانيا، مشيرة إلى أن هناك حادثين مشابهين فى الماضى- سقوط الرحلة 007 التابعة للخطوط الجوية الكورية قبالة الساحل الشرقى للاتحاد السوفيتى عام 1983 وسقوط الرحلة 655 التابعة للخطوط الجوية الإيرانية عام 1988- أديا فى نهاية المطاف إلى فتح آفاق دبلوماسية جديدة، حيث ساعدا فى إقناع الأعداء اللدودين بأنهم سيخسرون الكثير إذا ما استمر الصراع بينهم. ومن ناحية أخرى، قالت صحيفة «الجارديان» البريطانية إن إسقاط الطائرة الماليزية وضع الرئيس الروسى أمام معضلة كان قد سعى إلى تجنبها: فإما الاستمرار فى دعم الانفصاليين فى أوكرانيا وهو ما سينظر إليه من الآن فصاعدا على أنه تهديد مباشر للمجتمع الدولى وسيثير غضب العالم كله، أو مقاطعة الانفصاليين والسماح بهزيمتهم من قبل الحكومة فى كييف وهو ما يعنى هزيمة استراتيجية لبوتين.