ذكريات الماضي تلاحق مودريتش في ميلان    برشلونة يضع أنظاره على لاعب تشيلسي    استشهاد صحفي وزوجته وأطفاله الثلاثة بقصف إسرائيلي على خان يونس فى غزة    انطلاق فعاليات اللقاء التشاوري الثالث لاجتماعات القائمة الوطنية بمقر حزب الجبهة الوطنية    هل تنجح الملكية الجزئية للعقار في إنعاش حركة السوق؟    طريقة عمل المبكبكة الليبية فى خطوات بسيطة    سوريا: وقف امتداد النيران على كافة المحاور في حرائق غابات اللاذقية    حدث غريب في فرنسا.. سجين يهرب من محبسه داخل حقيبة زميله المفرج عنه    أسعار الكتاكيت والبط اليوم 13 يوليو 2025    رئيس أكاديمية البحث العلمي السابق مستشارًا لجامعة بنها الأهلية للبحوث والابتكار    "20% من قيمة الصفقة".. المريخ البورسعيدي يضمن مبلغًا ضخمًا من انتقال إبراهيم عادل إلى الجزيرة    اتحاد السلة يدرس الاعتذار عن عدم المشاركة في البطولة العربية للرجال    شبكة بالساحل الشمالي تستخدم مطاعم وهمية لترويج المخدرات، والجنايات تعاقبهم بالمؤبد    مصرع شقيقين أثناء الإستحمام بترعة في كفرالشيخ    إيرادات السبت.. "المشروع X" الثاني و"ريستارت" بالمركز الثالث    بعد طرح 4 أغنيات من ألبومها الجديد، لطيفة تتصدر محركات البحث بمواقع التواصل    "شارابوفا مصر".. ريم مصطفى تخطف الأنظار بإطلالة جريئة من ملعب "التنس"    للحفاظ على صحته النفسية والجسدية.. 5 نصائح لبرج العذراء    "هوت شورت".. نسرين طافش تخطف الأنظار بإطلالة جريئة على البحر    هل يجوز المسح على الطاقية أو العمامة عند الوضوء؟.. عالم أزهري يوضح    أمينة الفتوى تحسم الجدل حول حكم الصلاة بالهارد جيل    ما حكم استخدام مزيلات العرق ذات الرائحة للنساء؟.. أمينة الفتوى تجيب    الوطنية للانتخابات تدعو المواطنين لتحميل التطبيق الإلكترونى الخاص بالهيئة    أعراض الحمى الوردية وأسبابها وطرق علاجها    محافظ كفرالشيخ يبحث الاستعدادات النهائية لتدشين حملة «100 يوم صحة»    الجَدّ    تنسيق الجامعات الأهلية 2025.. تفاصيل الدراسة في برنامج طب وجراحة حلوان    تكييفات «الطاقة الشمسية».. توفير لنفقات المواطن وحماية للبيئة    إحالة أوراق صاحب محل وسائق للمفتى بالقليوبية    مايا مرسى تكرم «روزاليوسف» لجهودها فى تغطية ملفات الحماية الاجتماعية    الرئيس التركي يبحث مع نظيره الإماراتي تخليص المنطقة من الإرهاب    4 أشقاء راحوا في غمضة عين.. التحقيق مع والدي الأطفال المتوفين في المنيا    الأكثر فاعلية، علاج القولون العصبي بالأنظمة الغذائية الصحية    نقيب الصحفيين: علينا العمل معًا لضمان إعلام حر ومسؤول    أخبار السعودية اليوم.. مطار الملك خالد يحقق يقتنص مؤتمر الأطعمة والضيافة في برشلونة    حجز إعادة محاكمة أبناء كمال الشاذلى بتهمة الكسب غير المشروع للحكم    نجم مودرن سبورت.. صفقة جديدة على رادار الزمالك    عرض جديد من أرسنال لخطف نجم الدوري البرتغالي    ذكري رحيل السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق.. تعرف على أهم الكتب التي تناولت سيرتها    وكيل الأزهر يدعو الشباب للأمل والحذر من الفكر الهدام    أحدهما يحمل الجنسية الأمريكية.. تشييع فلسطينيين استشهدا جراء هجمات مستوطنين بالضفة    وزير الأوقاف: شراكة الإعلام والمؤسسات الدينية خطوة تاريخية لمواجهة تحديات العصر الرقمي    وزراء العدل والتخطيط والتنمية المحلية يفتتحون فرع توثيق محكمة جنوب الجيزة الابتدائية | صور    خبراء: قرار تثبيت أسعار الفائدة جاء لتقييم الآثار المحتملة للتعديلات التشريعية لضريبة القيمة المضافة    التعليم العالي: احتفالية بمناسبة مرور 50 عامًا على التعاون العلمي بين مصر وإيطاليا    محافظ أسوان: دخول 24 مدرسة جديدة للعام الدراسي القادم    بعد قبول الاستئناف.. أحكام بالمؤبد والمشدد ل 5 متهمين ب«خلية الإسماعيلية الإرهابية»    الأحوال المدنية تواصل خدماتها المتنقلة لتيسير استخراج المستندات للمواطنين    مكافحة الحرائق.. مشروع تخرج بهندسة المطرية -تفاصيل    مساعدات أممية طارئة لدعم الاستجابة لحرائق الغابات في سوريا    الوطني الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي بإقامة"المدينة الإنسانية" لا يمت بأي صلة للقيم الإنسانية    القديس يعقوب بن زبدي.. أول الشهداء بين الرسل    لاعب الأهلي السابق يكشف عن أمنيته الأخيرة قبل اعتزال الكرة    حالة الطقس في الإمارات اليوم.. صحو إلى غائم جزئياً    هل يحق للعمال مطالبة المؤسسة بالتدريب والتطوير؟    كوريا الشمالية تزود روسيا ب12 مليون قذيفة مدفعية    في شهادة البكالوريا .. اختيار الطالب للنظام من أولى ثانوى وممنوع التحويل    «دوروا على غيره».. نجم الزمالك السابق يوجّه رسائل نارية لمجلس لبيب بسبب حمدان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زرياب.. وغيرة أهل المهنة
نشر في أكتوبر يوم 22 - 06 - 2014

من أقدار المبدعين فى بلادنا أن يكون فى مشوار حياتهم نوعين من الناس، نوع يساندهم ونوع يعيش من أجل أن يضع الصعاب فى مشوارهم (نفسنة)، وأيضًا للدنيا فى سيرتهم يومان، يوم تمنحهم فيه المجد والمال والجمهور والأصحاب ويوم لا فيه مال ولا أصحاب ولا مجد.. القائمة تضم أسماء عديدة تتوقف معكم سطورنا عند واحد منهم : زرياب (عبقرى النغم فى العصر العباسى) الذى انتقل من بغداد إلى القيروان ومن القيروان إلى جبل طارق، وفى جبل طارق عاد يقرر الرحيل إلى أبعد نقطة على خريطة الكون بالنسبة لزمانه (الصين)..زرياب، ذلك هو لقبه ويعنى اسم طائر أسود اللون جميل المنظر، أخذ زرياب هذا اللقب بسبب لونه (لون زرياب) الأسمر.. أما اسم زرياب الأصلى فهو أبو الحسن على بن نافع - ولد فى سنة 160 هجرية لأب وأم من العبيد تقريبًا، فى بغداد اشتراه وكيل الخليفة العباسى محمد المهدى بن جعفر المنصور من سوق العبيد ضمن عبيد حملهم إلى القصر، كان عمره وقتها لم يتجاوز التاسعة.
.. ذلك المشهد الأول
.. المشهد الثانى فى حياة زرياب كان فى قصر الخليفة العباسى.
اكتشاف موهبة زرياب تم صُدفة فى قصر الخليفة، عندما أراد المسئول عن مجلس الخليفة أن يخلق منظرًا جديدًا، فأوقف غلمان من العبيد على يمين وعلى يسار المجلس، غلمان سمر عددهم 10 بينهم غلام أبيض على اليمين وعلى اليسار غلمان بيض 10.. بينهم غلام أسمر، كان ذلك الغلام هو زرياب.. اكتشاف موهبة زرياب لم تأت من مجرد وقوفه أسمرا وسط غلمان بيض ولكن لأن زرياب ظل يتمايل طربًا ولم يتمالك نفسه طوال الوقت الذى كان يغنى فيه (عبقرى الموسيقى فى بغداد وقتها) إبراهيم الموصلى..
تمايل الغلام فى مجلس الخليفة كان خطيئة لا جزاء لها غير العقاب الشديد.. ذلك ما توقعه الجميع عندما استدعى الخليفة الصبى يسأله: لماذا فعل ذلك؟
.. جُمل بسيطة وفصيحة قالها الصبى ردًا على تساؤلات الخليفة:
أعتذر لأن إفراطى فى عشق الغناء جعلنى أتمايل فى مجلس خليفة يتسم عهده بالاعتدال، وما من مظهر من مظاهر الإفراط فيه إلا إفراط الناس فى حبهم له، لعدله ورحمته وقوته وعفوه وشجاعته وحكمته وعظمته وعطفه.
هنا قرر الخليفة عتق زرياب وتركه يعيش حياته حُرًا، وخرج زرياب من قصر الخليفة إلى بيت الموسيقى إبراهيم الموصلى، الموصلى كان معلمه الأول لكن زرياب دخل كل مجالس الغناء فى بغداد وتعلم من كل من قابلهم، الموصلى، مدرسة الغناء القديمة شرب زرياب علومها. و(منصور زلزل) أحد المبتكرين الكبار فى زمن الموصلى وآخرين ثم.. انتهى زمن المساندة وجاء وقت المصاعب.. سيناريو مألوفة مشاهده فى حياة المبدعين فى بلادنا.. يكون المبدع صغيرًا يلتف حوله المساندون، ولما يكبر ويجنى النجاح تلو النجاح، مع كل نجاح يزيد عدد الحاسدين له على الأقل، واحد. حتى يكونوا. ألف ألف واحد.. لكن الذى كسر ظهر زرياب مع أول نجاح كان واحدًا، واحدًا فقط. إسحاق الموصلى. ابن إبراهيم الموصلى الأستاذ الذى تعلم فى بيته زرياب الغناء ودرس الموسيقى.
.. طوال الوقت الذى مضى (سنوات)، كان زرياب يتعلم، وتنضج موهبته لكنه كان حريصا فى كل تلك السنوات أن يبقى أمر نضجه الفنى سرا، حتى على أستاذه الموصلى،
.. ليس فقط (نضجه الفنى) الذى أخفاه زرياب عن أستاذه ولكنه أخفى أيضا أنه ابتكر عودًا من خمسة أوتار، صنعه هو بنفسه لنفسه.
.. وصل زرياب مدعوًا إلى مجلس الخليفة هارون الرشيد، كان المدعو الرئيسى فى المجلس إسحاق ابن إبراهيم الموصلى الذى كان قد خلف أباه الذى تقاعد، .. تكلم الخليفة هارون مع زرياب وطلب منه أن يسمعه غناءً من الغناء الذى يجيده وأمر له بإحضار عود أستاذه الموصلى (الذى كان وقتها فى حوزة ابنه إسحاق) لكن زرياب باغت الجميع بقوله: لى عود صنعته لنفسى من خمسة أوتار أغنى عليه.بعد هذه السهره قال له إسحاق (فى جلسة خاصة استدعاه إليها)، إما أن ترحل عنا فى أرض الله لا أسمع عنك خبرا.. تعاهدنى على ذلك، ولك منى المال الذى تحتاجه، وإما تبقى فى بغداد تتلقى سهام الأذى منى، حتى وإن وصل الأمر إلى اغتيالك.
وعلى حسب الاتفاق رحل زرياب ومعه زوجته وأطفاله من بغداد إلى أرض بعيدة، ليست ضمن ملك الخليفة هارون الرشيد.. وكان المستقر فى تونس حيث يجلس على ملكها (الأغالبة).
فى مدينة القيروان فى تونس كان لزرياب موعد آخر مع (أهل الدس والغيرة من المنفسنين)، ظل هؤلاء على أذن الملك زياد بن الأغلب حتى صدق أن زرياب مريض بالغرور، وفى أجواء كان فيها رجال الدين بالقيروان يشنون على زرياب حملة نقد كبيرة، فوجئ زرياب (وهو فى قمة نشوته بالمجد الفنى الذى حققه) بالملك يطلب منه الغناء بقول فيه إهانة...
قال الملك لزرياب:
(غنِّ يا ابن الغُرابية)..
غُرابية، أى التى تشبه الغراب فى لونه الأسود.
ارتبك زرياب وتبعثرت نقراته على العود بتوتر لكنه لم يقاوم رد الإهانة فغنى:
فإن تك أمى غُرابية
من أبناء حام بِها عبتنى
فإنى لطيف بيض الظبا
وسمر العوالى إذ جئتنى.. بتلك الأبيات التى غناها زرياب فى حضرة الملك فى القيروان كان قد تغنى من قبل عنتر بن شداد ردا على من عايره بلونه الأسود..
على الفور أمر الملك بجلد زرياب!
وقال له: إن كنت فى أى مكان تحت ملكى فى زمن ثلاثة أيام فأنت ميت.. ولم يكن أمام زرياب وعائلته إلا الرحيل، إلى أين؟ لا أحد منهم يعرف.
رسول من قرطبة جاء لزرياب من بلاد الأندلس بعث به الأمير الحكم الأول بن هشام بن عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس، الرسول يحمل دعوة من الأمير إلى زرياب للإقامة فى قرطبة.
.. زرياب فى عمر تجاوز الخمسين بقليل، ومن جديد يرحل إلى بلد آخر، وصل الركب إلى جبل طارق، عندها جاء خبر موت الأمير الحكم ملك الأندلس الأموى.
.. قدوم زرياب إلى الأندلس كان قدم شؤم (هكذا تصور زرياب أن يكون ذلك رأى ابن الأمير الراحل)، وعلى ذلك قرر العدول عن الذهاب إلى الأندلس.
.. فكر زرياب.. إلى أين يذهب؟
ممنوع عليه الحياة فى بلاد تحت حكم هارون الرشيد وممنوع عليه الإقامة فى بلاد تحت حكم الأغالبة.. إلى أين يذهب؟.. إلى خارج الكرة الأرضية؟
.. قرر الرحيل إلى (الصين)..
أعتذر للقارئ على الإطالة فى سرد حكاية زرياب مع النفسنة والمنفسنين، لكن ما أبهرنى فى التفاصيل السابقة (قدرة هذا المبدع، ليس على الصمود ولكن على رؤية مكان مناسب لإبداعه فى كل محنة تضيق عليه فيها الأرض.. رجل فى الخمسين ومعه عائلته ويرحل من العراق إلى تونس، ومن تونس إلى جبل طارق، وفى جبل طارق تضيق عليه الدنيا فيختار أن يواصل السفر إلى أبعد نقطة على الخريطة (الصين)!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.