الشاب الصديق على العبيدى المقيم فى مصر يتابع أحداث وطنه العراق ساعة بساعة عبر وسائط ووسائل الاتصال الأليكترونية هو ومجموعة من زملائه الشبان من كافة الأطياف العراقية جاءوا يتعلمون فى جامعات مصر ويستثمرون فيها ويتخذونها وطنا ثانيا وقد جمعهم البعد عن وطنهم الأول بلاد الرافدين دجلة والفرات، وشوقهم لديارهم وأهلهم الذين فارقوهم. .. جمع على ورفاقه أيضا النزعة إلى الإصلاح.. إصلاح أحوال العراق ورفض ظلم النظام القائم، وقد عمق من هذه النزعة إدراكهم لعمق مأساة عراقهم منذ الغزو الأمريكى وتنصيب حكومات عميلة لتخلف قوات الاستعمار الأمريكى التى رحلت بعد أن زرعت أذنابها، إضافة إلى الحضور الإيرانى السافر وسيطرته على نظام الحكم الذى يقوده رئيس وزراء أقل ما يوصف به أنه طائفى، ومنذ شهور عديدة كان على ورفاقه حاضرين بالفعل أو التواصل مع المقاومة العراقية فى ساحات العزة والكرامة وثورة الربيع العراقى المشتعلة الآن. ماذا يحدث فى العراق؟! سألت العبيدى وجاءت إجابته تلخص ماضى ما حدث فى العراق وأدى فى النهاية إلى الأزمة السياسية المعقدة التى يعيشها العراق الآن والمأساة الإنسانية البشعة التى يعانيها الشعب العراقى: يقول العبيدى: «لقد عانى العراقيون الأمرين منذ الاحتلال الأمريكى منذ عام 2003 والاحتلال الفارسى (إيران) عام 2006 وقد جاءا بالسلطة الطائفية العميلة الحاكمة فى بغداد فمارست كل أفعال الإقصاء والتهميش والفساد الذى طال كل مرافق الحياة فى العراق التى صارت حسبما تشير التقارير الدولية إلى أنها البلد الأكثر فسادا وإرهابا وبطالة وفقرًا فى العالم» .. مضيفا : لقد طفح الكيل بالشعب العراقى من ممارسات نظامه الطائفى الحاكم ولم يعد هذا الشعب يحتمل المزيد من سفك دماء أبنائه والزج بهم فى غياهب السجون السرية والعلنية واغتصاب محارمه وحرائره من النساء بل والرجال أيضًا، ولم يعد هناك من خيار إلا الاعتراض السلمى من خلال التظاهرات الشعبية التى انطلقت فى محافظة الأنبار وتبعتها محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى والناصرية وقد توجهت هذه المظاهرات ضد السلطة الدكتاتورية الطائفية وتقدم الثائرون فى المحافظات للمالكى وحكومته بجملة من المطالب المشروعة مثل اطلاق سراح السجناء الأبرياء وإيقاف اغتصاب النساء والرجال فى المعتقلات إلا أن المالكى ماطل وأجّل الرد أو الاستجابة للمطالبات، فى رهان منه على عنصر الوقت، واستمر هذا حتى وقعت مجزرة الحويجة وفيها اكتسحت قوات المالكى منصات الاعتصامات السلمية فى قضاء الحويجة (مدينة في شمال العراق ومركز قضاء تابع لمحافظة كركوك) بالقوة وأعقب ذلك تطويق مدينتى الرمادى والفلوجة وقصف أحيائهما السكنية والمدارس والأسواق بالمدفعية الثقيلة والطائرات والبراميل المتفجرة! وعند هذه النقطة الفارقة كانت الموصل تغلى فى داخلها كالمرجل فانفجرت وتوالى انفجار البركان العراقى ليعلن أبناء العشائر ثورتهم على الظلم والقهر، موقع داعش وما موقع داعش من الأحداث ، وحدودها على خريطة المقاومة والثورة ؟! قال على: «ما يجرى فى العراق الآن هى حرب حقيقية طرفاها السلطة الطائفية وثوار العشائر، وأمام الإخفاقات العسكرية والأمنية والسياسية التى منى بها المالكى وقواته انطلقت أبواق السلطة تطلق تصريحات تحسب فيها الثوار على «داعش» وتنظيم القاعدة وتصدر هذه الألحان إلى الغرب والإدارة الأمريكية ظنًا منها أنهما سوف يهبان لدعم نظام المالكى». وإذا كان العراقيون أنفسهم يقولون هذا فلابد أن تكون النصيحة: لاتصدق ال «سى إن إن» إذا أردت أن تفهم ما يحدث فى العراق ولا تلجأ لكتابات وتحليلات عملاء الاستخبارات الأمريكيين من أمثال ديريك هارفى الذى تنتشر تحليلاته على المواقع الأليكترونية الإخبارية تصور أن المعركة بين النظام وتنظيم داعش! وكلام هارفى نصف الحقيقة أو أقل من هذا، فهو ليس أكثر من عميل اضطلع بمهمات محددة ضمن فريق الاستخبارات الأمريكى فى العراق التى مكث فيها لمدة 6 سنوات من سنوات الاحتلال الأمريكى، ولن تأخذك مثل هذه التقارير والمصادر وتحليلاتها إلا إلى سكة واحدة عنوانها هذا الشبح المصنوع من الغرب ويحمل اسم «داعش» أو تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام. ولأنهم يحترفون الكذب والخداع فسوف يضمّن هارفى وغيره من المصادر الغربية تقاريرهم التى تتناول المسألة العراقية ببعض الصدق من خلال عبارات يوجهون فيها اللوم لرئيس الوزراء نورى المالكى الذى سيس الجيش العراقى وطوئفه من خلال سيطرة العناصر الشيعية على قياداته واستبعاد كل العناصر غير الموالية من السنة والأكراد وباقى أبناء العراق ، وليس الجيش فقط لكن هذه الخطة تم تنفيذها فى صفوف قوات الأمن ليحافظ المالكى على نظام حكمه ويؤمن بغداد قاعدته الجغرافية التى يحكم منها. المقاومة وسوف يرد أيضًا فى التقارير الغربية كذب صريح عن غياب المقاومة السنية ضد «داعش» وإن هذا الغياب يأتى على أثر سياسة التهميش التى أتبعها المالكى للعشائر القبلية التى شاركت بأكثر من 100 ألف مقاتل فى الحرب ضد تنظيم القاعدة فى المناطق الشمالية من العراق وحافظت هذه العشائر علي هذه المناطق من السقوط فى يد تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوى خلال عامى 2007/2008. وتقارير ال (السى إن إن) وتحليلات كتابها لن تأخذك إلى حقيقة يعرفها أبناء العراق المخلصون وهى أن ما يحدث خلف واجهة داعش وحرب الإرهاب هو انتفاضة تأخرت، لكنها فى النهاية حدثت، حيث انتفض خلال الأيام القليلة الماضية ثوار العشائر العراقية بكافة مكوناتهم (القبلية والطائفية والسياسية) من أجل حرية ومستقبل الشعب العراقى ومن أجل القضاء على ثقافة التهميش والإقصاء والفساد والطائفية المقيتة التى أدخلها وروج لها المحتل الأمريكى وعزز من عملها الدولة الفارسية الصفوية، والهدف الأساسى للثوار هو استعادة العراق الموحد والتأسيس من خلاله لدولة مدنية ديموقراطية تعددية أساسها التسامح والمواطنة دون تفرقة أو تمييز بين مكونات الدولة العرقية المذهبية والدينية ووفقًا للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. وبعد هروب جماعى لعناصر الجيش الذى هندسه المالكى، إذا كانت هذه هى الصورة الأكثر شيوعًا وتداولًا، فهى بالتأكيد مموهة – عن قصد - لحقيقة الأحداث والمعارك اليومية التى تدور فى محيط بغدادومحافظات الأنبار والرمادى والفلوجة ونينوى وصلاح الدين وديالى وبابل وغيرها من المناطق العراقية. والخلاصة أن ما يحدث فى العراق يتحمل مسئوليته المالكى ونظامه، لكن هناك سيناريوهات أخرى متشائمة يمكن أن تذهب إليها العراق منها مثلا أن ينقسم الثوار على أنفسهم على أثر تفجر الطائفية بين صفوفهم أو استحضار البعض منهم لماضى الثأرات والأحقاد والكراهات المذهبية ومنها أيضا سيناريو ترسيخ التقسيم السياسى ليتحول العراق بالفعل إلى 3 دويلات كما جاء فى مخطط مشروع الشرق الأوسط الكبير، أو غيره من مشاريع التقسيم السياسى، وهذه سيناريوهات لا يتمناها مخلص أو محب أو حتى متعاطف مع مأساة هذا البلد العربى الشقيق الذى مثّل فى الماضى القريب أحد مكونات الثقل الاقليمى والقوة العربية ورواسخ الأمن القومى العربى.. أما السيناريو الآخر المتفائل فهو أن يولد عراق جديد من رحم وقلب هذه المعاناة بلد موحد ودولة عصرية تحت قيادة وطنية قوية تستطيع أن تعبر به هذه المأساة، ولن يحدث هذا إلا من خلال اصطفاف شعبى وطنى داعم يسقط الأكاذيب والأساطير ويطرد العملاء والمحتلين ويعيد العراق لأهله وأبنائه.