فى الوقت الذى تحتل الهند صدارة الدول المستوردة للسلاح فى العالم، بإنفاقها حوالى ستة مليارات دولار على واردات السلاح العام الماضى، تستعد الحكومة الهندية الجديدة بزعامة ناريندرا مودى لاتخاذ خطوات جريئة نحو تحقيق الحلم الذى كثيرا ما راود الحكومات الهندية المتعاقبة منذ استقلال الهند عن بريطانيا فى 1947، وذلك بإزالة القيود أمام صناعة الدفاع الناشئة لجذب الاستثمار الخارجى، بل وربما السماح بالملكية الأجنبية بالكامل لبعض المشروعات الدفاعية الهندية. التوجه الهندى الجديد، والذى يهدف إلى تحويل أكبر مستورد للسلاح فى العالم إلى مركز لتصنيع الأسلحة فى جنوب آسيا، قوبل بشىء من التودد فى عدة عواصم غربية أبرزها واشنطن ولندن وباريس، إذ تستعد وفود تضم ساسة كبار من فرنساوالولاياتالمتحدةوبريطانيا للقيام بزيارات للهند للتفاوض حول صفقات تصب جميعها فى خانة تحديث الأسلحة الهندية التى يرجع أغلبها إلى العصر السوفيتى. وتدرك الهند جيدا أنها لا تصنع مما تستخدمه من سلاح سوى القليل فى الوقت الحاضر، باستثناء الصواريخ وخطوط تجميع الطائرات الأجنبية، وهو ما يسعى رئيس الوزراء الهندى الجديد ناريندرا مودى إلى تغييره من خلال السماح لشركات التصنيع الهندية بصنع المزيد من المكونات الدفاعية دون تراخيص ليسهل بذلك دخول الشركات الهندية فى شراكة مع الأجانب. بالإضافة إلى السماح للشركات الأجنبية باستثمار 49 فى المئة فى مشروعات دفاعية هندية دون الالتزام بنقل التكنولوجيا بدلا من نسبة 26% المعمول بها حاليا. وعلى الجانب الآخر، تشكل هذه المساعى الهندية لتطوير صناعاتها الدفاعية مصدرا للقلق فى منطقة جنوب آسيا، وبخاصة فى ظل الاستباق العسكرى الصينى، والطموحات الدائمة لدى الجار الباكستانى، وهو ما ينبىء بمزيد من التوتر بين القوى الفاعلة فى المنطقة، والتى قد تشمل إيران أيضا، ولكن من الواضح - بحسب محللين - أن الهند تسعى لمنافسة كل من الصينوباكستان بالتحديد، فى إطار سعيها الدءوب لفرض سيطرتها على المحيط الهندى، خاصة أن الصين باتت تكشر عن أنيابها فى المنطقة بشكل واضح، وباتت تهتم بالعسكرة وتجرى المناورات المكثفة، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الصينى صراحة، حين قال إن القوات المسلحة الصينية ستواصل فى السنوات الخمس المقبلة استعداداتها لنزاع مسلح على المحاور الاستراتيجية كافة، مشيرا إلى: «أننا نعيش وقت السلم، ولكن الحرب لا تغيب عن ذاكرتنا». أما باكستان، الجارة النووية اللدود للهند، ورغم أنها غير قادرة بإمكانياتها الذاتية أو حتى فى ظل الحصول على مساعدات أمريكية مكثفة أن تنتهج سياسة عداء ومواجهة مع الهند لحل المشاكل والخلافات القائمة بينهما، إلا أن الهند لا تترك مناسبة دون أن تحذر واشنطن الحليف الوثيق لباكستان من تسليح الأخيرة، بحجة أن العتاد الحربى الذى تتسلمه إسلام أباد قد يتحول عن مهمته ليستهدف بلاده، وبخاصة فى ظل إصرار الجيش الهندى على أن بعض العتاد العسكرى والأموال التى تتسلمها باكستان من الولاياتالمتحدة يحوّل عن مهامه لدعم الترسانة الباكستانية ضد الهند. وفى كل الأحوال، فإن الهند وهى تتجه نحو تطوير قدراتها الذاتية فى مجال تصنيع السلاح تضع فى حسبانها جيدا ضرورة الحفاظ على تفوقها الدائم على باكستان فى ظل استمرار الصراع التاريخى بينهما، كما أنها تضع عينا أخرى على الصعود المستمر للصين عسكريا، ولكن بعض المحللين يرون أن تصاعد السلوك التسليحى للهند والذى تقابله بعض التصريحات التهديدية من جانب الصين، من الصعب جدا أن يقود إلى وقوع حرب إقليمية، وبخاصة فى ظل تدعيم التوازنات الحالية، والتى تقوم على شبكة من التحالفات الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة وكل من الهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وإنما يمكن أن يتسبب ذلك الصراع فى حدوث عدم استقرار إقليمى فى المناطق المحيطة بالصين، على نحو قد يؤدى إلى حالة من الحرب الباردة، التى لا تصل إلى الصدام المباشر.