خلال اللقاء الذى جمع بين مسعود بارزانى رئيس إقليم كردستان وجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى، أكد بارزانى أن الهجوم الواسع الذى يشنه مسلحو «داعش» خلق «واقعا جديدا وعراقا جديدا» فيما بدا تذكيرا للولايات المتحدة بما تواجهه من صعوبات فى مساعيها لجمع الأطراف العراقية المتناحرة. وشدد بارزانى على أن «الالتزام بالدستور هو الضمان الوحيد لبقاء العراق موحدا» وأضاف: «نعتقد أن بغداد تنوى إعادة السيطرة على كردستان كالسابق، وأن تجعل من كردستان ملحقا لها، لكن الشعب الكردى لن يقبل بهذا أبدا، والكرد ضد الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله، أما الآن فإن حرب الإرهاب أصبحت ستارا للصراع الطائفى فى العراق، ونحن لن نكون جزءا من هذا الصراع الطائفى». ويعتقد المسئولون الأمريكيون أن إقناع الأكراد بالتمسك بالعملية السياسية فى بغداد أمر حيوى للحفاظ على العراق من مخاطر التقسيم. وعلى صعيد آخر بدأت القيادات الشيعية اجتماعات بحثا عن حلول للأزمة، وتتضمن ثلاثة خيارات، وليس من ضمنها استمرار المالكى لولاية ثالثة. ويقضى الخيار الأول بتشكيل حكومة «وحدة وطنية» جديدة من خارج «ائتلاف دولة القانون» برئاسة شخصية معتدلة ومقبولة والإعداد لتسوية سياسية تضمن صلاحيات جديدة للمحافظات السنية أو القبول بالإقليم السنى وهذا الخيار مدعوم أمريكيا كما تدعمه الأطراف السياسية السنية والكردية. والخيار الثانى تشكيل حكومة انقاذ مؤقتة وإجراء انتخابات جديدة تتزامن مع استفتاء تعديل الدستور وتعديل بعض القوانين. ويتناول الخيار الثالث اختيار القيادى فى «دولة القانون» طارق نجم رئيسا للوزراء مع محاولة إقناع الأكراد والسنة بهذا الخيار. السيطرة على الأنبار وقد أعلن أحمد الدباش عضو المكتب السياسى لتنظيم «الجيش الإسلامى» فى العراق والذى يضم ضباطا فى الجيش العراقى السابق، وإن «ما يحدث اليوم فى العراق ثورة ضد الظلم، وهى نتيجة للظلم الذى تعرض له السنة فى العراق خلال السنوات العشر التى مضت». وحسب الدباش فإن «ثوار العشائر هم من كل شرائح السنة، ففصائل المقاومة ورجال العشائر وضباط الجيش السابق والشباب كلهم مشتركون فى هذه الثورة». وقال الدباش «المالكى أراد أن يروج للعالم بأن الثوار إرهابيون تحت اسم داعش لكن لم يفلح فى ذلك لأن الصورة واضحة وهى أن الموجودين هم خليط من كل فصائل المقاومة وأبناء العشائر». وأشاد الدباش بأن «الفيدرالية هى الحل لمشاكلنا، وهدفنا أن يحكم كل منا نفسه، السنة يحكمون أنفسهم والأكراد يحكمون أنفسهم، والشيعة كذلك، هذه الآلية إن تم العمل عليها سيتحقق الاستقرار فى العراق، أما إذا بقى الحال هكذا فالعراق ماض إلى التقسيم لا محالة». تغيير الواقع السياسى كما أعلن مفتى الديار العراقية الشيخ رافع الرفاعى أن ثوار العشائر ماضون فى طريقهم لتبديل الواقع السياسى بالكامل فى العراق. وأضاف أن «15 فصيلا عراقيا مسلحا يشاركون فى الثورة ضد الحكومة بعد الظلم الذى تعرض له السنة فى العراق، وهى ثورة شعبية يشارك بها أبناء الشعب إلى جانب هذه الفصائل المسلحة». وأضاف الشيخ الرفاعى: «هدفنا الوحيد هو الخلاص من ظلم المالكى وأتباعه الذين دمروا البلد وسرقوا ما له وقتلوا أبناءه، والثورة لن تقف عند تنحى المالكى، بل نحن ماضون إلى تغيير العملية السياسية الحالية برمتها، لأنها بنيت على خطأ يجب تغييره». وقد أصبح من الواضح استمرار خسائر الجيش العراقى واستمرار عجزه عن السيطرة على الأرض بل تنازله عن أجزاء منها. وتشير تقديرات غربية إلى أن ربع القوات العسكرية تفتقر لفعالية قتالية حقيقية، وقواتها الجوية شبه منعدمة، ومعنويات الجنود تتدنى باستمرار. وقد فقدت 60 كتيبة قتالية عراقية من أصل 243 كتيبة بكل معداتها القتالية. ومن الصعب إعادة هذه الوحدات وتسليحها مرة ثانية فى ظل الظروف الحالية. ومنذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق فى نهاية عام 2011 شهدت القوات العراقية تراجعا فى المهارات العسكرية، إذ لا ينفذ الجيش العراقى أية مناورات فى ميدان المعركة، وتحول إلى جيش يقف على نقاط التفتيش يتحقق من الهويات، إضافة إلى وجود فساد واسع النطاق فى القيادة. التدخل الأمريكى الولاياتالمتحدة تجد نفسها مضطرة للتدخل مجددا فى العراق بعد سنتين ونصف على انسحابها العسكرى منه. وقد فوجئ الأمريكيون بسرعة وكثافة تقدم «داعش» والثوار ولم يعد أمامهم من خيار آخر سوى تعزيز دعمهم لجيش العراقى الذى يواجه نكسات. وأعلن الرئيس أوباما أنه يدرس الخيارات فى العراق، وأوضحت حكومته أن إرسال قوات إلى الأرض مستبعد بعد رحيل آخر جندى أمريكى من العراق فى ديسمبر 2011 فى ختام تدخل عسكرى خلف خسائر بشرية كبرى على مدى ثمانى سنوات، لكن هناك احتمالات أخرى أمام واشنطن مثل ضربات جوية محتملة واستخدام الطائرات بدون طيار لتوجيه ضربات ضد قيادات داعش والثوار أو تسريع تسليم أسلحة وارسال مستشارين عسكريين يساعدون الجيش العراقى على تقديم أداء أفضل. ومن المتوقع أن يكون للبعد الاقتصادى أو النفطى أثر كبير فى تغيير موقف أوباما لأن العمليات فى العراق تهدد استقرار وسعر النفط العالمى الذى ارتفع ليقترب من 120 دولارا للبرميل، واستمرار تقدم داعش قد يرفع السعر إلى 140 دولارا وهو ما لا تتحمله اقتصادات الغرب. فالعراق ثانى منتج للنفط فى منظمة أوبك. لقد دعمت أمريكا حكومة المالكى منذ عام 2006، وها هى تفاجأ بانهيار غير مبرر وغريب لعشرات الآلاف من القوات العراقية النظامية. إن المشهد العراقى الذى يزداد تعقيدا يدين الاستراتيجية الأمريكية، فحصاد أمريكا فى العراق مؤلم ودام، فبعد 11 عاما من حرب أمريكا على العراق ونحو 3 أعوام من انسحابها دون تحقيق النتائج التى شنت إدارة بوش الحرب من أجلها وبعد مقتل 5000 جندى و50000 جريح ومعاق وتريليون دولار خسائر واهتزاز مصداقية وصورة من نصبت نفسها مدافعا عن الحريات وحقوق الإنسان، فحتى الآن مازالت الخسائر الأمريكية فى العراق متواصلة. لقد خرجت أمريكا من العراق بعد أن أسقطت بغداد وتخلصت من نظام صدام حسين، لكنها لم تنشر الديمقراطية والحرية المزعومة وتركتها نهبا للطائفية والمذهبية. الفرصة الأخيرة والتساؤل الآن هل مازال بالإمكان السيطرة على الأوضاع ومنع تفكك الدولة العراقية إلى مكوناتها الطائفية أو العرقية، وهل مازال بإمكان الجانب الشيعى العراقى تهدئة الأزمة عن طريق حل سياسى من خلال تشكيل حكومة طوارئ مصغرة تضم قيادات سنية وشيعية وكردية تحظى بقبول شعبى شريطة أن يتم استبعاد المالكى وأصحاب الهوى الصفوى لإيجاد حل عراقى وطنى لأخطر أزمة يواجهها العراق الحديث، أزمة من شأنها أن تفضى لتغيير خريطة الشرق الأوسط، خاصة إذا اندفعت حكومة المالكى لتصعيد الأزمة، واستدعاء دول الجوار للتدخل فى الساحة العراقية واستدعاء الولاياتالمتحدة بحجة محاربة الإرهاب والتطرف. فأى سيناريو سيرسم ملامح المستقبل العراقى؟ الرؤى ضبابية ولا تبعث على التفاؤل، ففى ضوء الحقائق على الأرض نجد أن العراق فى أمس الحاجة لتوافق داخلى يعيد صياغة المعادلة السياسية بعيدا عن الطائفية التى شقت وحدة الشعب العراقى، وإلا ستتساقط المدن العراقية فى الفوضى والعنف وسيشهد العراق تشكيل دويلات طائفية شيعية، سنية، وكردية على أنقاض دولة العراق.