الأرصاد تحذر من ذروة موجة حارة تضرب القاهرة    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    قائمة الجامعات الأهلية المعتمدة في تنسيق 2025.. دليل شامل للطلاب الجدد    سعر صرف الدولار في البنوك المصرية صباح اليوم السبت 26-7-2025    أسعار الخضروات اليوم السبت 26 يوليو في سوق العبور للجملة    مطار مرسى علم يستقبل 184 رحلة من 15 دولة أوروبية الأسبوع الجاري    أولها رحمة وآخرها جحيم، جيش الاحتلال يمنح نتنياهو 3 حلول لمواجهة "عناد" حماس في غزة    كيم جونج أون لجيشه: يجب الإستعداد ل«حرب حقيقية في أي وقت»    الكونجرس الأمريكي: 75% من سكان غزة يواجهون مجاعة عقب الحصار الذي فرضه نتنياهو    تنسيق 2025.. موعد المرحلة الأولى لطلاب الثانوية العامة وأسماء الكليات المتاحة لكل شعبة (تصريحات خاصة)    حالة المرور اليوم، سيولة مرورية نسبية وأحجام محدودة في محاور القاهرة الكبرى    سيولة مرورية بالطرق السريعة بالقليوبية اليوم 26 يوليو 2025    تعرف شخصية ليلى زاهر في مسلسل وادي وبنت وشايب    تعرف على موعد عرض أولى حلقات مسلسل « قهوة 2» ل أحمد فهمي    توفيق الحكيم، كره المرأة بسبب هدى شعراوي وعبد الناصر كان يعتبره "الأب الروحي"    «لو ابنك بلع مياه من حمام السباحة؟».. خطوات فورية تحميه من التسمم والأمراض    «خبراء يحذرون»: لا تغلي «الشاي مع الحليب» لهذا السبب    «لماذا ينصح بتناول لحم الديك الرومي؟»... فوائد مذهلة لهذه الفئات    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    رابطة الأندية توجه الدعوة لأبو ريدة لحضور قرعة الدوري    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    أسفار الحج (9).. زمزم والنيل    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025.. الجنيه الذهب ب37040 جنيها    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    أبو حلاوة يا تين.. عم محمود أقدم بائع تين شوكى فى مصر عمره 65 سنة.. فيديو    اليوم، انطلاق امتحانات الدور الثاني لطلاب الابتدائي والإعدادي والثانوي    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    «سبوتيفاي وأنغامي» يكشفان عن صاحب المركز الأول.. عمرو دياب أم تامر حسني؟    إيطاليا: الاعتراف بدولة فلسطين ليس ممكنا إلا باعترافها بإسرائيل    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    «هيسجل إمتى بعيدًا عن ضربات الجزاء؟».. تعليق مثير من الغندور بشأن زيزو مع الأهلي    2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    برج الحوت.. حظك اليوم السبت 26 يوليو: رسائل غير مباشرة    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    بيان من المستشار القانوني لنقابة الموسيقيين للرد على الناقد طارق الشناوي بعد أزمة راغب علامة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    الجزار: الأهلي تواصل معي لضمي.. وهذا موقفي من الانتقال ل الزمالك    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    حماس: لم نُبلغ بوجود أي إشكال بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ونستغرب تصريحات ترامب    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    قفزة في أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 26 يوليو 2025    رفعت فياض يكتب: نصيحتي لكل الناجحين في الثانوية العامة.. لا تلتحق بأي كلية استخسارًا للمجموع أو على غير رغبتك    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



3 سيناريوهات لإنقاذ الاقتصادمن كبوته
نشر في أكتوبر يوم 15 - 06 - 2014

حال الاقتصاد المصرى ك «رب أسرة» أصابه مرض فأقعده عن العمل، ليجد نفسه فى ورطة، فحاجاته والأسرة فى تزايد بالتزامن مع عجزه عن زيادة الدخل الذى تأثر سلبا بمرضه، فلا حوافز ولا مكافآت ولا مصادر جديدة للرزق، فأصبح الإنفاق أكبر من الدخل، ولم يجد هذا الشخص المنكوب غير الاستدانة، ليدخل فى دوامة لا خروج منها بغير معجزة، فالعجز فى موازنته يتضاعف بفعل زيادة نفقات الأسرة وعجزه عن العمل، وأخيرا، تضخم أقساط ديونه، مما دفع المحيطين به للامتناع عن إقراضه، لتراجع قدرته على السداد. وبحسب د. إبراهيم العيسوى، الخبير بمعهد التخطيط القومى، يعانى الاقتصاد اختلالات هيكلية عميقة، ويتعرض أداؤه لتراجع كبير منذ وقوع ثورة يناير 2011، وتفاقمت على امتداد السنوات الثلاث الماضية، لما شهدته البلاد من انفلات أمنى واضطراب سياسى واستقطاب مجتمعي؛ مما كاد يصل بالبلاد إلى حالة من الاحتراب الأهلى، فضلا عن إصرار حكومات ما بعد ثورة يناير جميعًا على التمسك بسياسات اقتصادية وتنموية ثبت عجزها على امتداد العقود الأربعة الماضية عن إخراج البلاد من تخلفها وتبعيتها، وهى سياسات اقتصاد السوق الحر المفتوح.
الاختلالات المزمنة
وقال العيسوى فى دراسة له بعنوان "الاقتصاد المصرى .. تفاقم الاختلالات المزمنة"، إن التراجع الملحوظ فى أداء الاقتصاد المصرى، يجب أن يُفهَم على أنه تراجع فى أداء اقتصاد معتل أصلاً؛ فليست القضية أن مستوى الأداء الاقتصادى كان مرتفعًا بدرجة أو بأخرى قبل الثورة ثم تعرض للانخفاض بعدها. بل إن أداء الاقتصاد كان فى الواقع ضعيفًا وزادته حالة الاضطراب الأمنى والصراع السياسى بعد الثورة ضعفًا على ضعف، كما زاده جمود السياسات وهنًا على وهن.
وأضاف أن أبرز الاختلالات الهيكلية، التى يعانى منها الاقتصاد تتمثل فى تواضع معدل الادخار المحلى واتجاهه للهبوط الشديد فى الفترة الأخيرة؛ فقد هبط هذا المعدل من 13% فى أكتوبر 2011 إلى 7.2% فى ديسمبر 2013، وهو معدل بالغ الانخفاض، وثانى الاختلالات، ضعف معدل الاستثمار المحلى الإجمالى واتجاهه للانخفاض فى السنوات الأخيرة؛ فقد هبط هذا المعدل من 17.1% فى أكتوبر 2011 إلى 14.2% فى ديمسبر 2013؛ وهو ما يقل عن المعدل المتحقق منذ نحو ثلاثة عقود (18.5%)، واشتد الهبوط فى معدل الاستثمار؛ حيث بلغ 10.5% فى الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2013.
وثالث الاختلالات، ضعف النمو الاقتصادى من حيث الكم ورداءته من حيث الكيف، وهو المترتب على ضعف معدلى الادخار والاستثمار، فقد هبط معدل النمو من 5.1% فى 09/2010 إلى 1.8 % فى 10/2011، وبعد ارتفاعه إلى 2.2% فى 11/2012، فإنه قد هبط قليلاً إلى 2.1% فى 12/2012، ثم انخفض إلى نحو 1% فى الربع الأول العام المالى 2013 / 2014، وأن هذا المعدل سوف يهبط من 3.5% مستهدف للعام 13/2014 إلى نحو 2.5%، وفق هانى قدرى، وزير المالية، وترتب على ذلك أن تراجع متوسط دخل الفرد، لأن معدل زيادة السكان أكبر.
وزاد الأوضاع الاقتصادية ترديا، أن هذا النمو يعتمد فى غالبه على المصادر الريعية، وذلك مع إهمال تنمية التصنيع والتنمية الزراعية والريفية؛ ففى 12/2013 بلغ نصيب الصناعات التحويلية والزراعة معا من الاستثمار الإجمالى نحو 14% وكان نصيب البترول والغاز 24%، ونصيب التشييد والأنشطة العقارية 16%، أى أن هذين القطاعين قد ظفرا معًا بنسبة 40% من .
ورابع الاختلالات، يتمثل فى العجز المزمن فى الموازنة العامة للدولة؛ فقد ارتفع العجز من 135 مليار جنيه فى 10/2011 إلى 167 مليار جنيه فى 11/2012 ثم إلى 240 مليار جنيه فى 12/2013، ومع بطء النمو الاقتصادى، ارتفعت نسبة العجز إلى الناتج المحلى من 9.8% فى 10/2011 إلى 10.8% فى 11/2012، ثم إلى 13.7% فى 12/2013؛ وهذا ما لا يتحقق معه الاستدامة المالية، وفيما كانت توقعات المالية تذهب فى عهد د. أحمد جلال بأن يصل عجز الموازنة الحالية 10%، عاد الوزير الحالى ليتوقع أن تصل النسبة إلى 12%.
الخلل فى الموازنة العامة، وفقا ل"د.العيسوى"، يرجع إلى سياسة الانفتاح الاقتصادى فى أوائل سبعينات القرن الماضى، التى ابدت انحيازا واضحا للأغنياء وميلا لإلقاء أعباء ثقال على الفقراء ومحدودى الدخل، وبلغ هذا الانحياز ذروته عندما عُدّل هيكل الضريبة التصاعدية على الدخل فى 2005، ليصبح حدها الأقصى 20%، لتتراجع حصيلة الضرائب إلى 14% فى 12/2013، بينما تصل هذه النسبة إلى ما يزيد على 25% فى عدد قليل من الدول النامية، بل العجيب أن 56% من الضرائب تتحصل من دخول المؤسسات العامة، مقابل 21.5% تحصل من الشركات الخاصة، وكذا يظهر الانحياز من استحواذ الأغنياء على 70% من الدعم ممثلا فى دعم الطاقة.
وخامس الاختلالات، هو العجز المزمن فى ميزان المدفوعات، فقد تزايدت الضغوط على هذا الميزان، الذى يصور العلاقات الاقتصادية لمصر مع الخارج، خاصة مع الابتداء فى 11/2012 من وضع لا تغطى الصادرات فيه سوى 42% من قيمة الواردات، ومع التراجع الكبير فى إيرادات السياحة وتدفقات الاستثمار الأجنبى، ومع تحول مصر إلى مستورد صاف للمنتجات البترولية، وهو ما أسفر عن نقص ضخم فى الاحتياطيات النقدية حتى صارت تغطى أقل من 4 شهور واردات، وارتفع عجز الميزان التجارى من 27 مليار دولار فى 10/2011 إلى 34 مليار دولار فى 11/2012، وانخفض فى 12/2013 إلى 31 مليار دولار.
آثار سلبية
هكذا، كان لهذه الاختلالات الهيكلية آثار سلبية شتى، منها تضخم الدين العام المحلى والخارجي؛ فقد ارتفع من 888 مليار جنيه يونيو 2010 بنسبة 73.6% من الناتج المحلى 1652 مليار جنيه فى ديسمبر 2013 بما يشير إلى أن تصل النسبة إلى الناتج المحلى إلى نحو 80%، وكذا ارتفع الدين العام الخارجى من 33.7 مليار دولار بنسبة 15.9% من الناتج فى يونيو 2010 إلى 45.8 مليار دولار فى مايو 2014، وهذا المستوى للمديونية الخارجية يفوق مستواها فى 90/1991 (42 مليار دولار) قبل أن ينخفض بشدة بعدها كمكافأة لمصر على مساهمتها مع قوات التحالف الذى تزعمته أمريكا من أجل تحرير الكويت من الاحتلال العراقى.
كما أسفرت الاختلالات المتفاقمة فى الوضع الاقتصادى عن تزايد مستوى الاعتماد على الخارج الذى هو مرتفع أصلاً، وذلك فيما يتعلق بالواردات، لاسيما واردات الغذاء والواردات من المنتجات البترولية، وفيما يتعلق بتمويل الاستثمارات، وتعرض التصنيف الائتمانى لمصر إلى التخفيض أكثر من 16 مرة بحيث إنها أصبحت تُدرج ضمن الدول عالية المخاطر المعرضة للتعثر أو العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية الخارجية فى مواعيدها، مما ترتب عليه صعوبات فى الاقتراض من الخارج ومن ارتفاع فى كلفته.
وأمام هذه التحديات الجسام، كما يصفها د. العيسوى، بدأت الحكومة فى التحرك الجاد لمواجهة الأزمة، فكان إقرارها حزمتين ماليتين لتحفيز الاقتصاد بلغت 62.5 مليار جنيه، ثم كانت المساعدات الخليجية التى بلغت 10.5 مليار دولار، إلا أنه لم تفلح هذه التدخلات فى إنعاش الاقتصاد، وأحجم المستثمرون عن إقامة مشروعات جديدة أو توسيع ما لهم من مشروعات قائمة بسبب الاحتقان السياسى، الذى شهدته مصر خلال العام المالى الحالى، هكذا أدت هذه العوامل مجتمعة، فضلاً عن التمسك بسياسات اقتصادية وتنموية ثبت فشلها، إلى تعميق الاختلالات الهيكلية للاقتصاد.
معجزة الخروج
وفى رأى د. سمير رضوان، الخبير الاقتصادى وزير المالية الأسبق، أنه بالنظر إلى هذا الواقع يبدو أن معجزة وحدها قادرة على إنقاذ الاقتصاد من المستقبل القاتم الذى يواجهه.
والتاريخ يشى بأن المعجزات لا تقع هكذا، بل تصنع عن سابق تصور وتصميم، وأنه فى العديد من "المعجزات" المهمة، كان ثمة رؤية، وأن مصر فى عهد محمد على، وفترة مييجى فى اليابان، وتعافى الولايات المتحدة وأوروبا فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والمعجزة الآسيوية، التى انتشلت الملايين من الفقر فى وقت قياسى، وبروز مجموعة البريكس كقوة اقتصادية عالمية، كانت هذه جميعها معجزات مخطط لها.
ونصح د. رضوان القائمين على وضع ادارة الاقتصاد فى مصر الآن أن يحرصوا على أن يحذو بالاقتصاد حذو هذه الدول، وأن يسعوا إلى إرساء رؤية خاصة بها، على أن تأخذ هذه الرؤية بعين الاعتبار أوضاعه الأولية، والتبادلات الاقتصادية التى تجرى حالياً على المستوى العالمى، وأنه يجب السعى الجاد لمعالجة مجموعة من القضايا، التى يمكن أن تضمن انتقالا اقتصاديا ناجحا، وتوفر حلولا ملموسة على المدى القصير، نحو عام، والمدى المتوسط، حتى 2020، وأنه لابد لها أيضا أن تركز على توفير فرص عمل، وأن تطور قوى عاملة ماهرة لتعزيز النمو وتقليص الفقر ومنح البلاد القدرة على المنافسة عالميا.
ويجب أن يضع القائمون على تنفيذ خطة المعجزة، أن الاقتصاد المصرى قبل 2011 كان ينمو بنحو 7.2% سنويا، وأن الناتج المحلى تضاعف من 100 مليار دولار إلى 200 مليار فى الفترة (2000 -2010)، وارتفع الناتج المحلى الإجمالى للفرد الواحد من 1600 دولار إلى 2800 دولار، إلا أن ثمار هذا النمو لم "تتسرّب" إلى المجموعات ذات الدخل الأدنى.
ووفقا ل"رضوان"، كانت نسبة 20% من السكان دون خط الفقر بين عامى 2000 و2010، فى حين كان 22% منهم مهدداً بالهبوط إلى مستويات أدنى فى حال وقوع أى صدمات اقتصادية داخلية أو خارجية، وأنه فى الوقت الراهن، يبلغ معدل البطالة 12.6%، لكن هذا المعدل يرتفع إلى نحو 25% بين فئة الشباب.
نقطة الانطلاق
وفى ظل هذه الأوضاع المتردية، يجب أن تكون نقطة الانطلاق بالنسبة لمصر، هى السعى لتوليد الطلب من خلال زيادة فرص العمل، خاصة أنه بحلول 2020، سيبلغ عدد سكان مصر نحو 100 مليون نسمة، منهم 33 مليوناً من قوة العمل، وأنه لتوفير فرص عمل لهذا العدد من اليد العاملة، يحتاج الاقتصاد لأن ينمو بنسبة 7% على أساس سنوى لفترة لا تقل عن 10 سنوات، مما يستدعى زيادة الاستثمارات على مستواها الحالى المتثمل بنسبة 15% من الناتج المحلى الإجمالى إلى 25%.
ومن الخبرة المصرية السابقة يتضح أن الوصول إلى معدل استثمار يدور حول نسبة 25% ليس بالأمر الهين، بل تحد، لا يمكن ادراكه، كما قال د. رضوان، إلا عبر تطوير استراتيجية لحشد الموارد على المستويين المحلى والدولى، وأن الحكومة مطالبة فى هذا الشأن بالبدء فوراً فى تطبيق حزمة تحفيز مهمة للاستثمار فى قطاعات لا تساهم بالتضخم، على غرار البنى التحتية والتعليم والصحة والاسكان الاجتماعى، بالتزامن مع اقرار حزمة من حوافز الاستثمار لتحفيز القطاع الخاص للمشاركة فى العملية.
ولا مانع من أن توظف الحكومة حزمة المساعدات الخليجية التى تقدر بنحو 12 مليار دولار، خاصة فى ظل عجز الاقتصاد القومى على تمويل حزمة الحفز، بسبب زيادة عجز الموازنة الذى يقدر بنحو 200 مليار جنيه، وارتفاع حجم الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة حيث يقدر بنحو 1.5 تريليون جنيه، ولا مانع ايضا من التخلّى عن نظام الدعم غير العادل، الذى يخصص معظمه للوقود، الذى يستحوذ على أكثر من 30% من إجمالى نفقات الميزانية، وأخيرا، اطلاق حملة لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية.
ويمكن أيضا، وفقا لوزير المالية الأسبق، أن تستكمل هذه الإجراءات بإطلاق مرحلة جديدة من التصنيع تستند إلى قدرة تنافسية أعلى، تتيح لمصر المشاركة فى سلاسل الإنتاج العالمية، على أن تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة محفزا مثاليا لهذا التغيير، خاصة أنها تمتلك إمكانات هائلة بما فيها القدرة على استيعاب ما يزيد على 40% من القوة العاملة قبل العام 2020، ومن ثم، يجب أن تنتقل مصر انتقالاً نوعياً إلى ترقية روح مبادرة تنظيم المشاريع، عبر إنشاء هيئة فريدة تعمل على دعم هذا النوع من الأعمال، فضلا عن تعزيز مهارات القوى العاملة.
السؤال المهم
أما د. جلال أمين، استاذ الاقتصاد فى الجامعة الأمريكية، فإنه فى متناول إجابته على السؤال "كيف نخرج من أزمتنا الاقتصادية؟"، قال إن العائق الأساسى أمام حل مشاكلنا الاقتصادية ليس اقتصاديا، وهو ما لا يريد معظم أصحاب الأسئلة سماعه، أنهم يوجهون سؤالا اقتصاديا إلى اقتصادى، ويريدون إجابة اقتصادية تشعرهم بأن من الممكن الخروج من المأزق الاقتصادى، وبسرعة إذا أمكن، لكن الخروج من المأزق يتطلب تحقق شرط معين ليس اقتصاديا، وهو شرط لم يتحقق لمصر منذ ما يقرب من نصف قرن.
وأضاف أن الحلول الصحيحة لمشاكل التنمية ليست مجهولة، ولا هى صعبة التنفيذ من الناحية الفنية، فالعقبة الأساسية أمام التنمية الاقتصادية تكمن فى خارج ميدان الاقتصاد، وهى ان أصحاب المصلحة الحقيقية فى تحقيق التنمية ليس بيدهم السلطة، وأن الذين بيدهم السلطة ليست لديهم مصلحة فى تحقيق التنمية، ويرجع ذلك إلى التبعية.
وتاريخ التبعية فى مصر، وفقا ل"د. أمين"، طويل، وعلى الرغم من أنه قد جاءت بعض الفترات التى أصبح من الممكن فيها الخروج من الجُحر أو القفص لبعض الوقت، قبل ان نُرغَم على العودة إليه من جديد، وفى فترات الخروج القصيرة هذه حققنا بعض المكاسب، التى مازلنا نجنى ثمارها حتى الآن، ولكن هذه الفترات لم تدُم للأسف، وقد استمرت التبعية دون انقطاع منذ 1967، ومنذ ذلك الوقت لم ينقطع التساؤل عن: كيف نخرج من المأزق الاقتصادى أو تلك؟ بينما السؤال الحقيقى هو: ما هو السبيل للخروج من هذا الجُحر أو القفص الذى أجبرنا على الدخول فيه؟
وربما تتضح بذلك اسباب النهضة التى تحققت ماليزيا وكوريا وتركيا والهند والصين ولم تتحقق فى مصر، وكلها نجحت إلى حد كبير فى تحقيق تنمية لأنها خرجت من سجن التبعية، فكان همها الأول والأخير مواجهة المشكلات الفنية المرتبطة بالتنمية الاقتصادية التى لا يصعب حلها على الاقتصاديين، دون حاجة إلى أن يكونوا عباقرة أو فائقى الذكاء، ممن لا يندر وجودهم عندنا أيضا.
ف"التبعية"، كما ذكر د. أمين، السبب الرئيسى لعجز الحكومة عن التعامل مع مشكلة الدعم، التى يرهن البعض تقدم الاقتصاد بحلها، فهذه المشكلة كانت بسيطة للغاية فى منتصف السبعينيات، وأدى عدم علاجها إلى نموها وتوحشها حتى أصبح من المخيف الاقتراب منها، وكان عجز الحكومة عن حلها يرجع إلى أن تقديم الدعم للفقراء هو أسهل طريقة لصرف نظرهم عن الفساد، أو بالأحرى لحملهم على الصبر عليه.
فإنه من المستحيل حل مشكلة الدعم إلا إذا حُلّت مشكلة توزيع الدخل، وزيادة دخول الفقراء، وخلق فرص عمل مجزية، ولكن كل هذا يحتاج إلى انفاق وأموال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.