وبعد المدرسة والإذاعة، يأتى دور الصحافة الموسيقية، وقد شعر العالم المتحضر بأهميتها، فظهرت أول مجلة موسيقية متخصصة فى ألمانيا 1609، وظهرت مجلة مثلها فى انجلترا 1662، وفى فرنسا 1665، وفى أمريكا 1786، أما مصر فقد ظهرت المجلة الموسيقية 1936 ثم توقفت بعد 52 عددًا لتعود للظهور 1974 برئاسة د. رتيبة الحفنى إبنة الدكتور محمود أحمد الحفنى مؤسس المجلة واحتوت أعدادها دراسات موسيقية مهمة ومنوعه، ونقدا وثقافة كما ربطت الموسيقى بالحياة.. وتوقفت المجلة مرة أخرى بعد 58 عددًا لعدم قدرتها على تكاليف الطبع والتوزيع ولخلوها من الإعلانات التجارية عصب أية صحيفة أو مجلة. والمجلة الموسيقية لها أثرها فى خلق جيل من المتذوقين للموسيقى العربية التقليدية والمتطورة، والموسيقى العالمية، وترى الدكتورة سمحه الخولى أن عدم وجود المجلة المتخصصة كان سببا فى انقطاع الصلة بين الجماهير والأعمال الفنية الحديثة التى لم تقدم بالشكل الملائم. ولم تتح للمؤلفين العرب الفرصة لشرح وجهات نظرهم وأساليبهم الموسيقية الحديثة، فإن مهمة المجلة الأساسية هى الربط بين الفنان والجمهور على أن تعتمد على البساطة فى العرض والدقة والعلمية وعدم التميز وتلبية رغبات القراء مع وجود رأى الكاتب وحكمه على ما يستمع، ونشر المدونات العربية الحديثة. كما كان يفعل الدكتور حسين فوزى «السندباد» فى «الأهرام» والموسيقار مدحت عاصم فى «الأخبار» والأستاذ جلال فؤاد فى «المساء» والأستاذ كمال النجمى فى دار الهلال والأستاذ سليمان جميل فى «الأهرام». والمشكلة أن الصحف السيارة تفرد الصفحات لكل الفنون إلا الموسيقى. كذلك فإن الكتابة المتخصصة فى الموسيقى، كعلم قائم على التحليل يحتاج صحافة موسيقية متخصصة. ومن الصعب أن نطالب الناقد الفنى بالكتابة المتعمقة التى قد لا تناسب النشر فى الصحف العامة أو لا تناسب القارئ العادى الذى لم تعد عنده الرغبة الأكيدة فى التثقيف من خلال الصحافة، بل إن مايهم الكثير هو أخبار نجوم الفن فقط. لى صديق مثقف قارئ من الدرجة الأولى واتشرف بزمالته فى مجلة أكتوبر، زميلى لم يتوقف على مدى أكثر من عشرين سنة من أن يطلب منى نشر تحليلات موسيقية علمية لأغان عربية بارزة، وفى كل مرة يطالبنى بذلك أعده بأن أفعل. وأذكر أننى فعلت ذلك أكثر من مرة آخرها عندما تعرضت بالتحليل لأغنية «إلهى ما أعظمك» تأليف حسين السيد تلحين رياض السنباطى غناء نجاة. ونشرت مقالتين فى هذا المجال هنا فى هذا المكان، لكننى شعرت بعدها بأننى قد أثقلت على القارئ العادى الذى لم ينل القدر الذى ناله صديقى وزميلى من الثقافة العامة، وحب المعرفة والاطلاع، فعدت إلى ما أعرفه من أساليب الكتابة الصحفية وقواعدها. نحن نحتاج مجلة موسيقية متخصصة تتيح الفرصة لزميلى وأمثاله من الاطلاع وللكتاب المتخصصين ونقاد الصحف من الخبراء والدارسين والملتزمين بطبيعة مهنة الصحافة وهى لا تحب أن تتعرض للموضوعات المتخصصة، خشية أن تثقل على القارئ الذى قد يرى فيها مادة جافة صعب هضمها واستيعابها مما قد يضر بالصحف التى يعملون بها. وكان الدكتور أحمد مجاهد قد فكر فى إصدار مجلة متخصصة فى الموسيقى واختار لها عنوان «نغم» وقد تم إعداد العدد الأول منها وقبل أن يصدر بساعات قامت ثورة 25 يناير وتوقفت الحياة الثقافية قبل أن تعود، وينتقل د. مجاهد رئيسًا للهيئة المصرية للكتاب فيفكر مرة أخرى فى «نغم» لتكون إحدى الإصدارات الجديدة للهيئة. والكاتب الموسيقى يجب أن تتوافر فيه عدة صفات هى إلمامه بالعلوم الموسيقية، وتمتعه بأسلوب جذاب فى الكتابة، واطلاعه على آداب وفنون الأمم المختلفة، وتمتعه بالثقافة العامة، وسيطرته على مشاعره وعدم التميز، والاستناد إلى مكتبة كبيرة، وقدرته على تحليل الأعمال بالرجوع إلى النوت الموسيقية، وأن تكون لديه الرغبة فى تطوير ثقافته دائما. وأن يكون متمتعًا بذاكرة قوية وأن يكون ملمًا بتاريخ الموسيقى متابعًا للنشاط الموسيقى. وبالمناسبة صدر حديثًا كتاب عن فريد الأطرش لكتابة متخصصة وأستاذه، جاء فيه أن قصيدة «يا زهرة فى خيالى» شعر مأمون الشناوى، وأن الموسيقار مدحت عاصم لحن لفريد 29 أغنية ودويتو منها «الحياة حلوة»، «الحب لحن جميل» ، «وأوبريت ياعم يا سحار»، وثنائيات «يا سلام على حبى وحبك» مع شادية و»مالكش حق» مع نور الهدى، وكلها معلومات مغلوطة ف «يازهرة فى خيالى» شعر صالح جودت، ومدحت عاصم لم يلحن لفريد إلا أغنيتن فى بداية حياته الفنية هما « من يوم ما حبك فؤادى» و «كرهت حبك من كتر صدك». لا يصح أن تؤثر مشاغل الحياة على الناقد فيفقد الدقة، نحن فى حاجة إلى نغم جميل، وقلم محايد.