كشفت فضيحة القبض على «شبكة» تستغل أطفال الشوارع وتدريبهم على رشق رجال الجيش والشرطة بالحجارة فى المظاهرات، فضلا عن انتهاك براءتهم بالاعتداءات الجنسية، واستغلال تشردهم وفقرهم ومنحهم مبالغ ضئيلة مقابل المشاركة فى أعمال العنف والتخريب بالشارع المصرى.. «أكتوبر» التقت بنخبة من خبراء علم النفس والاجتماع والقانون وعدد من مسئولى المجلس القومى للطفولة والأمومة للحديث عن أسباب انتشار هذه الظاهرة التى تؤرق المجتمع المصرى. كان أعضاء خط نجدة الطفل 16000 بالمجلس القومى للطفولة والأمومة قد أعلنوا متابعة سير التحقيقات مع النيابة العامة بوسط القاهرة وما تم التوصل إليه حول ملابسات القضية رقم 4252/2014 جنح عابدين، الخاصة بجريمة الاحتجاز والإتجار بعشرين طفلا، وزار ممثلو خط نجدة الطفل لمباحث الأحداث بالأزبكية لإجراء بحث حالة لكل طفل من المعتدى عليهم والظروف الأسرية والمعيشية لكل منهم ، والتعرف على الحالة النفسية للأطفال واستكمال منهجية البرنامج التأهيلى المزمع تقديمه. بينما تقدمت الدكتورة عزة العشماوى الأمين العام للمجلس ببلاغ لمحامى عام وسط القاهرة لاستصدار قرار لنقل الأطفال لدار الإيواء التابع للمجلس ليتسنى تقديم الدعم النفسى والمعنوى وإعادة تأهيلهم، وذلك وفقاً لدور المجلس الوارد بالمادة 99 مكرراً، والتى تنص على اتخاذ الإجراءات العاجلة لإخراج الطفل من المكان الذى تعرض فيه للخطر، ونقله إلى مكان آمن بما فى ذلك الاستعانة بالسلطة إن تطلب ذلك، وحيث إن ما تعرض له هؤلاء الأطفال الضحايا يعد خطراً محدقاً يهدد حياة وسلامة الطفل البدنية والمعنوية على نحو لا يمكن تلافيه بمرور الوقت، كما تنص المادة 98 على عرض أمر الطفل المعرض للخطر على اللجنة الفرعية لحماية الطفولة واتخاذ السلطات المقررة تدابير تسليم وإيداع الطفل فى الأماكن الملائمة للتعافى. وقالت الأمين العام للمجلس إن هذه الواقعة تشكل ثمانى جرائم هى جناية الاتجار بالبشر وفقا للقانون 64 لسنة 2010، وجناية خطف أطفال وفقا للمادة 288 عقوبات، وجناية حجز أطفال وتعذيب بدنى وفقا للمادة 282 عقوبات، وجناية الإتجار بالأطفال وفقا للمادة 291 عقوبات، وجناية هتك عرض أطفال وفقا للمادة 262/2 عقوبات، وجنحة إعداد وحيازة أعمال إباحية وجنسية عن طريق الكمبيوتر وفقا للمادة 116 مكرر، وجنحة تصوير شخص بغير رضائه المادة 309 عقوبات، وجنحة القيام بأنشطة جمعيات أهلية بدون تصريح. وأضافت أن المجتمع المصرى أصبح يشهد جرائم غريبة من عنف موجه من طفل إلى طفل ومن طفل إلى كبار فى السن والعكس, وأخيرا مشاركة طفل فى أعمال إجرامية تخريبية لا تناسب سنه على الإطلاق وكلها جرائم صادمة، وأوضحت أن كل هذه الظواهر تحدث بالتوازى مع صور من العنف والإساءة ضد الأطفال موجهة من المجتمع نفسه ومنها إهمال فى الشارع وفى مؤسسات ودور الرعاية والمدرسة، مؤكدة أن تلك الصور الغريبة على المجتمع، وقد نص دستور مصر 2014 على التزام الدولة بحماية الطفل منها، وأشارت إلى أنه لا يتعرض الطفل وحده للتحديات والعنف والاستغلال، ولكن مصر بأكملها تتعرض لمؤامرات من الداخل والخارج. وأضافت أن ما حدث هو استغلال لبراءة الأطفال ويعد مخالفًا لكافة قوانين الطفل والطفولة. ولابد من مواجهة ظاهرة أطفال الشوارع، فأطفال الشوارع ليس لهم ذنب فيما هم فيه، لأنهم ضحايا المجتمع والعشوائيات والأسر المفككة، ويجب مساعدتهم. وشددت العشماوى على أهمية دور الجمعيات الأهلية فى رصد ومتابعة كافة أشكال الاستغلال السياسى للأطفال. وأضافت أن المجلس مهتم بحماية الطفل من كافة أشكال الاستغلال الجنسى والسياسى، وأشارت إلى أن مشاركة الأطفال فى المظاهرات والأعمال التخريبية وغيرها خطر كبير على سلامة الصحة النفسية والسلوكية للطفل. وأكدت أن خط نجدة الطفل 16000 معنّى بتلقى الشكاوى والبلاغات الخاصة باستغلال الأطفال، وأشارت إلى أن الخط يعمل على مدار ال24 ساعة على مستوى أيام الأسبوع، لتلقى شكاوى العنف ضد الأطفال وأشارت إلى أن أى عمليات استغلال للأطفال سيتم التعامل معها سريعًا لحماية الأطفال على مستوى الجمهورية. وأوضحت أن هذا الاستغلال للطفل يعد مخالفة لقانون الطفل المصرى والمادة 191 من قانون العقوبات وقانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010، ولما ينطوى عليه تعريض الأطفال للخطر والعنف أو الوفاة. وأوضحت أن عقوبات استغلال الأطفال مغلظة، كما وردت فى باب المعاملة الجنائية فى قانون الطفل المصرى رقم 12 لسنة 1996 المعدل بقانون 126 لسنة 2008 الذى نص على إن «يحظر كل مساس بحق الطفل فى الحماية من الاستغلال، ويعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه عن هذه الجريمة»، ويعد الطفل معرضًا للخطر أيضاً إذا تعرض للتحريض على العنف أو الاستغلال. قانون الطفل واستنكر المجلس القومى للأمومة والطفولة استمرار استغلال الأطفال من قبل أى جهة، وأعرب عن أسفه لانتهاك حقوق الأطفال، واستغلالهم فى النزاعات المسلحة لتحقيق مآرب شخصية. كما عقد المجلس والاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية اجتماعا، لبحث آلية التعاون لحماية الأطفال من الاستغلال السياسى خلال فترة الدعاية الانتخابية على مستوى الجمهورية. من أجل إنفاذ حقوق الطفل وقانون الطفل المصرى، حيث نبه المجلس مبكرًا إلى ضرورة وضع ضمانات لحملات المرشحين فى الانتخابات الرئاسية بعدم استخدامهم واستغلال الأطفال فى حملات الدعاية الانتخابية الخاصة بهم. وأكد أحمد مصيلحى رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين «أن كل من استغل طفلًا استغلالًا اقتصاديًا أو جنسيًا أو أى شكل من أشكال الاستغلال يعاقب بالسجن لمدة 5 سنوات» وفقا نص المادة 291 المضافة إلى قانون العقوبات بالقانون رقم 126 لسنة 2008. وهى مدة عقوبة أى طرف يحاول استغلال الأطفال فى اللعبة السياسية، التى أصبحت ظاهرة منتشرة فى الفترة السابقة. وحذر خبراء علم الاجتماع والنفس من خطورة استغلال الأطفال فى التظاهرات والاعتصامات والأعمال الإجرامية، خاصة أن لها آثارًا سيئة على الطفل وتكوينه النفسى والمجتمعى، وتجعله ينظر بعدوانية للعالم المحيط به ويتعمق خوفه وكراهيته للعالم ويصبح عدوا للعالم ومن حوله. تقول د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية، إننا لا نستطيع إلقاء اللوم على أطفال الشوارع فهم ضحايا للمجتمع المتسبب فى وجود الظاهرة, مشيرة إلى أن استغلالهم فى الصراع السياسى اتجاه خاطئ وضار بالمجتمع وبهؤلاء الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة حيث يمكن توظيفهم فى أى عمل إجرامى دون تفكير لان هدفهم الحصول على المال فى مقابل أى شىء. وأكدت أن أطفال الشوارع بحاجة إلى من يؤمن لهم المطعم والمشرب، لافتة إلى أن من يستأجر أطفال الشوارع هم بلطجية منظمون من قبل جهة معينة ويتم الدفع بهم للقيام بأعمال شغب أو أعمال إجرامية فى مقابل وجبات غذائية أو مبالغ مالية ضئيلة وهم يعلمون جيداً أن هؤلاء الأطفال ليس لهم أهل يسألون عنهم، وبالتالى فلن يجدوا من يحاسبهم إذا تعرضوا لأى مخاطر، وأكدت أن الحل هو التحفظ على هؤلاء الأطفال حتى نحميهم من أنفسهم ونحمى المجتمع من استغلالهم فى الشر ومطالبة بتوزيعهم على مؤسسات الدولة وإعادة تأهيلهم لمنع استخدامهم بشكل سيئ. وأضافت الدكتورة سامية الساعاتى أستاذ علم الاجتماع أن ظاهرة أطفال الشوارع ليست جديدة وهى نتاج لأسباب عدة منها المجتمعية والأسرية كالطلاق والتفكك الأسرى والتسرب من التعليم وممارسة العنف ضد الأطفال وكلها أسباب تؤدى إلى هروب الطفل للشارع، ومؤكدة أن نسبة أطفال الشوارع زادت بعد ثورة يناير خاصة بعد أن سرحتهم الجمعيات لعدم توافر الإمكانات، شددة على أن الثورة لم تؤثر على إعدادهم فقط.. بل غيرت فى سلوكهم أيضا فهناك طفل بطبعه بلطجى وآخر طفل شوارع مغيب يتم تأجيره للتخريب مقابل أموال ضئيلة ويتصور أنه بطل والخطير فى الأمر أن هؤلاء الأطفال نتيجة لبقائهم فى الشارع شعروا بالدونية والنقص نتيجة لنظرات الناس لهم ونتيجة لتهميش وتجاهل المجتمع مما أدى إلى عقد نفسية بداخلهم تجعلهم يفعلون أى شىء إجرامى أو جنونى لا يناسب أعمارهم, وأشارت سامية الساعاتى إلى ضرورة رعايتهم وعدم تجاهلهم أو تهميشهم. قنابل موقوتة من ناحيته قال الدكتور محمد إبراهيم أستاذ القانون الجنائى إن هناك أكثر من 2 مليون من أطفال الشوارع أصبحوا كالقنابل الموقوتة يتم تأجيرها من قبل جماعات سياسية مقابل أموال ويتم تجنيد الأطفال واستغلالهم أبشع استغلال، وأضاف أن جرائم الأطفال الذين لم يبلغوا ال 15 عاما زادت وهذا يرجع إلى انحطاط الأخلاقيات فى المجتمع. وأشار إلى أن سلوك المجتمع تغير بعد ثورة 25 يناير بشكل ملحوظ ولم يعد للأسرة أو للمدرسة أى دور يذكر وانعدمت الرقابة على الطفل. وتطرق إلى أهمية إعادة تربية المنظومة المجتمعية من جديد وضرورة القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع وتأهيلهم من الحضانة إلى الجامعة، بحيث يخرج بمادة علمية صحيحة وهذا ما تقوم به دول العالم التى تهتم أولا بتأهيل الأطفال وتربيتهم قبل تعليمهم. من جهته قال الدكتور محمد البسيونى أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس معلقًا على استخدام الأطفال فى التظاهرات والاعتصامات إنه قتل للبراءة وفعل شائن للغاية. وأشار إلى أن الطفل يجد نفسه فى بيئة أكبر منه ويتعامل مع عقليات متشددة، فضلا عن بث روح الكراهية فى نفسه تجاه المجتمع ومن حوله ويتم شحنه ضد المجتمع، والطفل فى الغالب لا يفكر ويتأثر بمن حوله سريعا مما يجعله طفلا عنيفا وكارها لمن حوله ويشعر أن الآخرين أعداء له، وأحيانا تصنع منه مجرما متطرفا.