جماعات المصالح والتمويلات تواصل نهشها المنظم فى جسد الوطن ، يستوى فى هذا من لديها أيديولوجيات منها ومن لدى أفرادها ورعاتها حسابات فى البنوك يرغبون فى زيادتها! والوطن الذى أقصده هو هذه المساحة التى نعرفها أنا وأنت لمصر على الخريطة، لكن جماعات المصالح التى أقصدها لديها تصور آخر للوطن، الإخوان مثلا لديهم تصور دولة الخلافة، وتتسع فيها الرقعة الجغرافية كثيرا عن حدود مصر الحالية ود. سعد الدين إبراهيم والعاملون فى مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية لديهم أيضًا تصور مختلف للوطن وقضاياه وكلا التصوران على الرغم من تضادهما وتقاطعهما إلا أنهما خدما بشكل أو بآخر شغل أمريكا وأهدافها ومصالحها خلال العقدين الأخيرين على الأقل، والفرق بين شغل الإخوان، وشغل ابن خلدون، هو أن صاحب المركز وتلاميذه يعرفون جيدًا ما يفعلون بينما الإخوان المغفلين تصوروا أنهم يمكن أن يصافحوا الشيطان الأمريكى ويوظفونه لصالح مشروعهم (الإسلامى) دون أن تصيبهم لعنته. (1) ذاكرة المصريين تحتاج دائمًا إلى تنشيط.. والتنشيط يبدأ من هذه البديهية التى تشير إلى أن الإخوان - مثل غيرهم - قبل ثورة 25 يناير 2011 كانوا متأكدين أنهم لن يستطيعوا أو يستطيع أى حراك مصرى شعبى أن يقوض نظام حكم مبارك ويسقطه دون رغبة ومساندة أمريكية، وليس أدل على هذا من أن الإخوان وحتى شهور قليلة قبل الثورة كانوا يستعينون بالأمريكان لأجل مساندتهم فى دخول البرلمان وبمعنى أدق ليسمح لهم نظام مبارك بالحصول على عدد من المقاعد فى برلمان 2010 ، والحقيقة أنه قبل هذاالتاريخ كان الإخوان يتصلون بالأمريكان اتصالات مباشرة ، وكشف مختار نوح الإخوانى المنشق جانبًا من هذه الاتصالات واللقاءات وحددها فى 41 لقاء، 28 منها تمت قبل ثورة 25 يناير 2011 و13 بعدها، طبعًا هذه اللقاءات السرية غير تلك اللقاءات المعلنة التى كان يلتقى فيها الإخوان بصفتهم أعضاء فى البرلمان المصرى المنتخب عام 2005، وبالطبع كانت هذه اللقاءات تغيظ نظام مبارك ومثلها لقاءات الناشطين المدنيين وشباب 6 أبريل، وتغيظه التمويلات التى تتدفق على دكاكين المجتمع المدنى وللحقيقة لم يكن يغيظه فى البرامج والنشاطات التى يتولى أصحاب هذه الدكاكين تنفيذها بجزء من أموال التمويلات بينما يذهب الجزء الأكبر منها إلى جيوبهم وحساباتهم المصرفية، أقول لم يكن يغيظ النظام إلا ما يمس ممارساته الديكتاتورية وفساده السياسى فيما يطلق عليه برامج التحول الديمقراطى وآلياته، أما ما كان يمس تغيير المفاهيم وفيها أمور كانت تتصادم ضد القيم الأخلاقية والدينية (الإسلامية والمسيحية) فقد غض النظام عنها طرفه، وأتاح مجالا لمؤسسات رسمية وحزبية مؤثرة مثل لجنة السياسات والمجلس القومى لحقوق الإنسان ما يشجع ويسعى إلى تغيير تشريعات الدولة فى اتجاه ما تريده أمريكا والغرب لأن هذه القيم تناسب أفكار أشخاص مريضة بالدونية تجاه الغرب الذى يمثل بالنسبة لهم الحضارة فى مدرج نضجها الأعلى،دون إدراك منهم لخطورة ما يتضمنه هذا التغيير الاجتماعى المنشود على السياسة وفى القلب منها الصراع التاريخى بين العرب وإسرائيل، ولكن هذه قصة أخرى. (2) الاستقواء بالأمريكان أو تطبيق المثل: «عدو عدوى صديقى» هو الذى دفع الإخوان فى اتجاه الأمريكان، لكن الإخوان لم يلجأوا إلى دكان البقال الذى يجاور مقرهم فى المقطم ليتصلوا بواشنطن من تليفونه ويسألوها أن ترسل لهم من يفاوضهم ويقايضهم الصداقة بالرضا والدعم، أو يطلبوا من إدارة الخارجية أن توصى بهم سفيرها فى القاهرة ليصبغ عليهم رعايته كما كان يرعى الناشطين المدنيين ويسعى للإفراج عنهم عندما يتم القبض عليهم فى مطار القاهرة وهم عائدون من رحلات نيل البركة والتعميد فى واشنطن ونيويورك وللحقيقة وللتاريخ، لم يسع الإخوان إلى الأمريكان ولكن العكس هو الذى حدث بنصيحة وترتيب من العراب المشهور صاحب «ابن خلدون» د. سعد الدين إبراهيم وفى هذا الصدد هناك حكايات تروى. (3) جريدة الواشنطن بوست قالت إن الاجتماعات السرية بين الإخوان والأمريكان بدأت أوائل التسعينيات (من القرن العشرين) بعد الأداء القوى الذى ظهر به الإخوان فى الانتخابات.. جائز، لكن الثابت أن انتخابات برلمان 2005 التى حصد فيها الإخوان 88 مقعدًا مع الرأفة، أظهرت أن هذا الفصيل هو البديل الحقيقى فى حال سقوط نظام مبارك الذى بدا فى الأفق أنه ينهار. وفى الداخل المصرى كانت هناك هذه الأنف المدربة التى تلقفت هذه الحقيقة سريعًا وسعت إلى واشنطن لتسويقها واقتراح برمى الشباك لاصطياد هذا البديل المرشح لوراثة نظام مبارك حتى ينمو فى حجر أمريكا فلا يخرج أو يتمرد على واشنطن عندما يصل إلى حكم مصر. ومضى د. سعد الدين إبراهيم يقوم بدور الوسيط بين الإخوان والأمريكان، ويروج لفكرة دمج الإخوان فى الحياة السياسية المصرية والدفع فى هذا الاتجاه بدعوى الديموقراطية، وأخذ د. سعد يدبج المقالات بهذا الشأن وتنشر له الصحف وأبرزها المصرى اليوم، وأثمرت الجهود عن ترتيب لقاء للإخوان مع ستانلى هوير عضو ولاية ميرلاند ونائب زعيم الأغلبية فى الكونجرس الأمريكى، واللقاء تم فى السفارة الأمريكية بجاردن سيتى (!!) ويشير مايكل منير الحقوقى القبطى الأمريكى ذو الأصل المصرى لبعض أنشطة د. سعد فى هذا المجال فيكتب فى موقع اليوم السابع الأليكترونى بتاريخ 6 يوليو 2011 كاشفا أن د. سعد عقد عدة لقاءات داخل وزارة الدفاع الأمريكية وخصوصًا مع نائب وزير الدفاع الأمريكى «بول والفتز» الذى طالما وصفه الإخوان بأبو اليمين اليهودى المتطرف وصاحب مشروع المحافظين الجدد كما عقد اجتماعات مع أعضاء بالكونجرس للترويج لنفس الأفكار. (4) ما سبق حدث قبل ثورة 25 يناير، وبعد الثورة تحققت نظرية د. سعد صاحب الأنف السياسية المدربة وركب الإخوان الحكم وحتى الرئاسة لم يتركوها لغيرهم وكانوا قد وعدوا ألا يتنافسوا عليها حتى تطمئن أمريكا أنهم سوف يتركون مساحة للمرشح الذى تفضله (مدنيا ليبراليا ياحبذا لو خدم فى الغرب لسنوات وتشرّب بأفكار المحافظين الجدد والعولمة والإنسانية الكاذبة) لكن الذى حدث أن الإخوان حصلوا على المنصب وتأرجح الموقف الأمريكى منهم هل يعمل ضدهم ليسقطهم سياسيا وشعبيا ويقضى عليهم للأبد كتنظيم حركى كما كان مخطط من قبل ليصعد البديل الليبرالى، أم يتركهم لتحصل إسرائيل على بعض المكاسب مثل التخلص من مشكلة عودة اللاجئين الفلسطينيين للأبد عبر تسكينهم فى سيناء أو أن يمضى الصراع السياسى الاجتماعى فى الداخل المصرى فى تصاعد إلى أن تقع الفوضى وتنتهى المسألة المصرية بسقوط مصر إلى الأبد من خلال دخولها فى حرب أهلية.. مفاجأة 30 يونيو 2013 أربكت حسابات الأمريكان ولم تمنحهم فرصة أن يقدروا ما بعدها،وفى نفس الوقت لم يستطيعوا أن يدوروا إلى الخلف فيعترفوا بالنظام الجديد الذى أسست له فاعليات 3 يوليو خاصة وأن الجيش كان مساهما بشكل كبير فيها، لذلك قاومت واشنطن ومعها الغرب قبل أن يتأكدا أن التاريخ لن يعود إلى الوراء، ولعل هذا يفسر عودة الأنف المدربة لحرب الإخوان فى الداخل المصرى بل والذهاب إلى الكونجرس لفضحهم «والنبى أيه؟!ده أنتم دافنينه سوا» ذهبت داليا زيادة مديرة مركز ابن خلدون بالنيابة والوكالة عن د. سعد الدين إبراهيم تحج وتعتمر فى واشنطن ونيويورك لتأتى إلينا وقد غسلت ذنوب أستاذها د.سعد من ذنبه القديم الذى مارسه ما بين الإخوان والأمريكان، لعل النظام الجديد ينخدع فى دموع التماسيح!