غنى عن القول أن المؤسسات الصحفية القومية مازالت رمانة الميزان فى الإعلام المصرى، كما أنها ساحة الحوار القومى للمجتمع?، تناقش قضاياه وتعرف مشاكله. ومشكلة هذه المؤسسات حاليًا أنها تعتمد كليا على طباعة الكتاب المدرسى بعد أن تراجعت الإعلانات والطباعة التجارية بسبب الظروف الاقتصادية للبلاد. وكنا نتوقع من مؤسسات الدولة المختلفة ووزاراتها المعنية أن تساند تلك المؤسسات للخروج من أزمتها الراهنة واستمرارها فى القيام بدورها القومى، ويكفيها ما تعانيه من أعباء متراكمة ومستجدة تنوء عن حملها الجبال. إلا أنها تجد نفسها سنويا فى موقف التسول للحصول على حصتها المقررة سنويا ومنذ 30 عاما هى طباعة الكتاب المدرسى ولكن ما يحدث من بعض العاملين فى وزارة التربية والتعليم يهدد مطابعها بالإغلاق ويتعذر استمرار إصدار مطبوعاتها الصحفية. وقد بدأت المشكلة بعدما تقدمت 98 مطبعة من بينها مطابع المؤسسات الصحفية القومية إلى المناقصة العامة التى أقرتها وزارة التربية والتعليم لطبع الكتب والتى تعد أحد المصادر المهمة لتشغيل المؤسسات حيث إنها تعتمد فى إيراداتها على طبع الكتب المدرسية. وكانت حوالى 70 مطبعة قد تقدمت بأسعار تتناسب مع الزيادة المستمرة فى أسعار الخامات والأجور.. ولكن كراسة الشروط التى فرضتها الوزارة أكدت فى أحد بنودها على الالتزام بأقل الأسعار المقدمة حتى لو كانت غير مناسبة لإمكانياتها وهو ما انطبق على مطبعتين فقط.. وهو ما يعنى الإضرار بمطابع المؤسسات الصحفية القومية. الأمر الذى دفع رؤساء المؤسسات القومية لرفع دعوى قضائية أمام القضاء المستعجل ضد وزارة التربية والتعليم لإلغاء هذه المناقصة على أساس ما شابها من عوار قانونى وحدد لنظرها 25 مارس الجارى. وكان المسئولون عن المطابع العامة والخاصة وغرفة الطباعة قد تقدموا بعدة شكاوى لرئيس الوزراء السابق ووزير التربية والتعليم ووزير الصناعة والرقابة الإدارية لإيقاف هذا (التعنت) ووضع حل جذرى يكون بمثابة خارطة طريق لعملية طبع الكتب المدرسية فى إطار بروتوكول دائم وبشروط واضحة المعالم يحفظ للجميع حقوقه ويحقق الاستفادة لجميع الأطراف، وعن هذه الأزمة يتساءل خالد عبده رئيس غرفة الطباعة كيف لوزارة التربية والتعليم أن تقف عائقًا أمام مصلحة المؤسسات القومية وآلاف العمال المنتمين لقطاع المطابع الخاصة بدلًا من أن تمد لهم يد العون وتذلل كافة العقبات التى تواجههم أسوة بما كان يحدث من قبل. مشيرًا إلى أن بعض العاملين بالوزارة يبدو أن لهم رؤية مختلفة بعيدة عن المصلحة العامة دون سبب واضح ورغم ذلك سعى خلال الأيام الماضية وتحديدًا منذ 18 فبراير موعد انعقاد المناقصة مع كافة المسئولين لايقافها ولكن حتى الآن لا توجد استجابة بالشكل الذى يرضى عمال المطابع سواء الخاصة أو الحكومية، متمنيًا ألا يؤثر هذا التجاهل على مصير ومستقبل مليون مواطن يستفيدون من طباعة تلك الكتب. ممارسة.. لا مناقصة كما أضاف رئيس غرفة الطباعة: تم عقد اجتماع مع جهة سيادية خلال الأسبوع الماضى لشرح ملابسات الأزمات وتم التفاهم الكامل حولها وحصلنا على وعد بحلها سريعًا وإعادة الأمور لنصابها. موضحًا أن الحل هو إلغاء تلك المناقصة والعودة إلى نظام الممارسة الذى كان معمولًا به لمدة 30 عامًا سابقًا. واختتم رئيس غرفة الطباعة: لا أعرف سر تراجع مسئولى وزارة التربية والتعليم عن وعودهم السابقة معى أثناء الاجتماع الأخير والذى تم الاتفاق خلاله على وجود تعاون مثمر وفاعل بين الغرفة والوزارة فيما يخص طباعة الكتاب المدرسى على أن تتولى الغرفة عملية التنسيق ووضع معالم واضحة لتحقيق الاستفادة المشتركة من مكاسب مادية وتشغيل العاملين والحصول على كتاب جيد والآن نحن ندق ناقوس الخطر من عدم حصول الطالب على الكتاب المدرسى فى ميعاده مما يضطر الجميع للجوء للكتاب الخارجى. وضع كارثى أما السيد هلال - رئيس مجلس إدارة الشركة القومية للتوزيع - فيرى أن الوضع بالنسبة للمؤسسات الصحفية أصبح كارثيا ومتكررا بسبب استمرار تلك السياسة التى تهدف لضرب تلك المؤسسات فى الصميم مشيرًا إلى تحدى بعض موظفى وزارة التربية والتعليم للقوانين الخاصة بقانون المناقصات وتحديدًا المادة 63، والمادة 31 فى الشروط العامة للمناقصات، حيث تفسر وزارة التربية والتعليم المادة 63 تفسيرًا خاطئًا ولصالحها بعناد شديد دون أسباب واضحة سوى الوقوف ضد مصلحة المؤسسات القومية الأمر الذى دعانا للجوء للقضاء الذى نثق فيه ونجله كثيرا ونتوقع أن ينصفنا كوننا أصحاب حق مشروع، وقد تم إرسال صورة من الدعوى القضائية لمكتب وزير التربية والتعليم لسرعة الفصل فى الدعوى، وصورة أخرى لقطاع الكتب. 35% فقط! ويرى المهندس عبد الصادق الشوربجى - رئيس مجلس إدارة روزاليوسف - ضرورة التضامن بين المؤسسات الصحفية والمطابع الخاصة لأن الجميع فى مركب واحد، مشيرًا إلى أن المؤسسات القومية لا تحصل إلا على نسبة 35% من إجمالى كتب وزارة التربية والتعليم كما أنها تمتلك ماكينات طباعة جديدة وتكنولوجيا حديثة تؤدى إلى إنتاج الكتاب المدرسى بالمواصفات المطلوبة بجودة عالية جدا مع ملاحظة أن أموال المؤسسات القومية واستثماراتها لا تختلف كثيرا عن أموال الوزارة فكلها أموال عامة وتخضع للجهاز المركزى للمحاسبات. ويأمل الشوربجى أن يعيد الوزير والعاملون النظر فى تلك المناقصة بما يحقق مصلحة الجميع وعلى رأسها الاستقرار فى المؤسسات القومية التى تعمل بأموال الشعب. إهدار المال العام أما د.حسن أبو طالب - رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار المعارف - فأكد أن الأصل فى القضية أن هناك مكسبًا للجميع بحيث تحصل الوزارة على كتاب جيد بسعر معقول ونحن كمسئولين عن المؤسسات نحصل على مكسب معقول يغطى التكاليف الإنتاجية ولا يعرضنا لخسائر لأنه أمر غير مقبول باعتبار أن هدفنا واضح وهو الحفاظ على المال العام. أما ما يحدث حاليًا فهو إهدار للمال العام مشيرًا إلى أنه يفكر جديًا فى تقديم بلاغ للنائب العام ضد نفسه للتحقيق معه إذا فرض على دار المعارف طبع الكتب المدرسية بالسعر المتدنى على اعتبار أن هناك إهدارا للمال العام جراء العمل بهذه المناقصة. تبقى الإشارة إلى أن المؤسسات القومية مجبرة على دخول تلك المناقصة وإلا حرمت مستقبلا من التعامل مع الوزارة والحصول على أية حصة من طباعة الكتاب المدرسى. وقدم أبو طالب للحضورمجموعة من الاقتراحات لحل هذه المشكلة. أولها استبعاد السعر الشاذ الذى تقدمت به إحدى المطابع الخاصة والتعامل بنفس مناقصة العام الماضى أو قيام رئيس الوزراء بالإلغاء الفورى لتلك المناقصة واعتبارها كأن لم تكن. أما البديل الثالث: فهو أن تقوم الوزارة بإسناد طبع الحزم التى تقدمت بها مطابع المؤسسات الصحفية بالأسعار الاسترشادية التى وضعتها الوزارة نفسها أو بالأسعار التى تقدمت بها تلك المؤسسات مع مراعاة القدرات الطباعية لكل مؤسسة على حدة وذلك استنادًا إلى قانون المناقصات والمزايدات رقم 98 لسنة 1998 والذى يجيز لوحدات الجهاز الإدارى بالدولة التعاقد فيما بينها بطريق الاسناد المباشر. وأكد رئيس مجلس إدارة مؤسسة دارالمعارف وجود اتصالات على أعلى مستوى قد تأتى بنتائج إيجابية حتى قبل الجلسة المحددة من قبل مجلس الدولة والمقرر لها 25 مارس المقبل، حيث أشار إلى وجود تقارير سيادية طالبت بإلغاء المناقصة وأصبحت الكرة الآن فى ملعب وزير التربية والتعليم. الحل بقرار جمهورى فيما حرص إبراهيم الغندور ممثل مؤسسة الأهرام فى الاجتماع على التأكيد على كيفية مواجهة وزارة التربية والتعليم فى حالة استمرارها فى هذا المخطط إذا ما مورست ضغوط قانونية على الوزير من قبل بعض موظفى الوزارة، وهو الأمر الذى يستدعى اجتماعًا فوريًا مع المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية لإصدار قرار جمهورى بحل الأزمة والعمل بنظام الممارسة والوقوف مع مصالح العمال بالمؤسسات القومية وبالتالى سيصب أيضًا فى صالح المطابع الخاصة التى تلتزم بالمعايير والخطة الموضوعة سلفًا، مطالبًا أن المصحلة العامة للمسئولين عن تلك المطابع هى عدم ترسية الممارسة فى ذات الوقت بالسعر الذى يفوق السعر الاسترشادى للوزارة كوننا نعمل للصالح العام وليس لمصلحة خاصة. ومن جانبه أوضح المهندس محمد جنة مدير عام مطابع دار المعارف ومجلة أكتوبر أن ما يحدث فى مناقصة طبع كتب وزارة التربية والتعليم للعام القادم 2014/2015 يظهر أننا نعيش هذه الأيام فى اللامعقول واللامنطق للأسباب التالية.. السبب الأول فى ثمانينيات القرن الماضى كانت وزارة التربية والتعليم تقوم بعمل ممارسة بين أصحاب المطابع العامة والخاصة وكان يتم الاتفاق على الأسعار بين المطابع جميعها ويتم توزيع الكميات عليها حسب الطاقة الإنتاجية لكل مطبعة.. وفى ذلك الحين كانت الوزارة تقوم بتوريد الورق اللازم لكل المطابع كل حسب حصته. والسبب الثانى.. فى تسعينيات القرن الماضى كانت تتم عملية الممارسة كالمتبع ولكن لم تعد الوزارة تقوم بتوريد الورق للمطابع.. واستبدلت ذلك بدفع دفعة مقدمة قدرها 50% من قيمة المقايسة وذلك مع أوامر التوريد وكانت المطابع تستفيد بالدفعة المقدمة فى شراء الورق والأحبار اللازمة للطباعة.. وظل هذا الحال طوال فترة التسعينيات ومع حلول عام 2000 توقفت الوزارة عن دفع الدفعة المقدمة. ويكشف المهندس جنة أن الوزارة استمرت فى طبع الكتب بطريقة الممارسة مع المطابع العامة والخاصة وذلك حتى العام الماضى موسم طبع الكتب الدراسية لعام 2013/2014 وتم عمل مناقصة لأول مرة بين جميع المطابع بأسعار معتدلة وكانت هى نفس الأسعار فى الموسم السابق حيث كان سعر طبع الصفحة 4 لون 31 مليمًا وطبع الصفحة لون واحد 26 مليمًا إلا أن هناك مطبعة وحيدة قطاع خاص وهى مطبعة «توفيق شعلان» التى وضعت سعر 28 مليمًا للصفحة 4 لون و24 مليمًا للصفحة اللون واحد.. وكان ذلك بالاتفاق مع الوزارة حتى يتم ضرب الأسعار وقامت مطابع توفيق شعلان باختيار الحزم المناسبة لها.. وقد عانت مطابع المؤسسات الصحفية القومية معاناة شديدة طوال طبع كتب الموسم المنقضى وذلك فى توفير الورق والذى زاد سعره بحوالى 10% وباقى مستلزمات الإنتاج من أحبار وغراء وغيره فى الوقت الذى قلت فيه أسعار المناقصة بنسبة لا تقل عن 15% وعليه فتكون النسبة التى قلت بها إيرادات المؤسسات الصحفية لا تقل عن 25% بأية حال. ومما زاد الطين بلة ففى مناقصة هذا العام ومع طبع كتب الوزارة للعام الدراسى 2014/2015 قامت مطبعتان إحداهما عامة وهى المطابع الأميرية والأخرى خاصة وهى المصنع الدولى لتصنيع الورق لصاحبها «عمرو خضر» بضرب أسعار الموسم الماضى فكان سعر المطابع الأميرية 27 مليمًا لطبع الصفحة 4 لون و22 مليمًا لطبع الصفحة واحد لون. أما أسعار عمرو خضر فهى 26.45 مليم لطبع الصفحة 4 لون و22 مليمًا لطبع الصفحة لون واحد.. *** والآن نأمل من المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الجديد والدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم بعد أن جددت الدولة الثقة به أن يعيدا النظر فى تلك المناقصة تحقيقًا للمصلحة العامة لكافة الأطراف، وحفاظا على استثمارات المؤسسات الصحفية القومية واستقرار أوضاعها المالية والإدارية واستمرارها فى القيام بدورها الذى لا يجهل الجميع أنه أحد عناصر الأمن القومى المصرى.