الحب تقريب.. وعطاء.. تقرب من المحب وعطاء من المحبوب وعن هذا يقول الحديث القدسى: «ما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما افترضته عليه.. ومازال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبُصر به ويده التى يبُطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه ولئن استنصرنى لأنصرنه وما ترددت فى شىء أنا فاعله كترددى فى قبض روح عبدى المؤمن .. يكره الموت وأنا أكره إساءته ولابد له منه». ..هذا المدخل للكلام عن الحب قد يكون له فعل الصدمة عند الذين هبطوا بالحب من مراتبه العليا.. إلى أسفل السافلين.. يتحدثون عن الحب الذى يعرفونه فى الأغانى والأفلام وعلى المقاهى وفى النوادى وبرامج التليفزيون والإذاعة واختصروا الاحتفال بعيد الحب إلى دباديب وعطور وهدايا على طريق مستر «فالنتين» الذى كان يأوى العشاق فى الدير.. وقد تحول الحب إلى غزل عبيط فى الشعر والشفايف والقوام.. وكلها أمور تخضع حاليا لعمليات تجميل ووسائل صناعية خادعة.. ونسى هؤلاء أن الحب الحقيقى.. موقف.. وشرف.. ونبل.. وكبرياء.. ولا يمكن للحبيب أن يضحك على حبيبته بدون ميثاق غليظ.. لأن الحب بدون رباط مقدس اسمه الوحيد «الزنا» مهما حاولوا الضحك على أنفسهم بغير ذلك.. والحب الحقيقى طهارة وعفاف.. لا يمكن لهذا الذى يسرف النظر واللمسة والكلمة على الكورنيش أو الكازينوهات أن يكون محبا بحق.. ولا يمكن لمن تفرط فى نفسها على قارعة الطريق على هذا النحو أن تكون جديرة بالحب فهى مثلما تفرط مع هذا.. تفعلها مع غيره. والله سبحانه وتعالى يبارك الحب النظيف ويرفعه إلى أعلى درجات القداسة فالزواج محبة وتعاون وسكن ومودة وعلاقة شريفة مباركة.. حتى الأمم المتحررة تلجأ إلى الزواج بعد أن تكون قد شبعت تحررًا وفعلت ما فعلت بما فى ذلك الإنجاب.. ثم إذا دقت ساعة الارتباط الحقيقى تزوجوا.. ويشارك أولاد «الزنا» فى حفل زفافهما كأنهم بذلك يباركون العلاقة بأثر رجعى ويصححون الأوضاع الخاطئة ونحن هنا فى مسلسلات وأفلام عديدة تسرب مفهوم العلاقة الكاملة قبل الزواج أو بدونه تقليدًا غبيًا لما يحدث فى الغرب.. ثم ندعى أننا نحب وأن ما نمارسه هو «الحب» وتلك خطيئة وأكذوبة. «وقد سأل رسولنا الكريم ( صلى الله عليه و سلم ) رجلا ميسورا اسمه عكاف بن وداعة الهلالى: ألك امرأة؟ قال لا: فسأله: ولا جارية؟ قال لا: وسأله: وانت صحيح موسر؟!. قال وداعة: نعم والحمد لله.. وكان جواب المصطفى ( صلى الله عليه و سلم ): أنت إذن من إخوان الشياطين..! وإن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم.. وإن كنت منا فنحن سنتنا النكاح أى الزواج». وقد ذهب شاب ناجح إلى الكاتب الكبير مصطفى أمين: أى النساء اتزوج؟ فقد اختلطت عليه الأمور هل يتزوج المثقفة؟ أو سيدة الصالونات؟ أو المرأة العاملة؟ أم ست البيت المتفرغة له؟ وكان جوابه انت تحتاج إلى امرأة تكون لك «عصا» تتوكأ عليها فى رحلة صعودك ومظلة تحميك من أمطار الحياة ومصباحًا تحمله فى الظلام وبوصلة تهديك وخزانة تودع فيها أسرارك وعلبة اسبرين تشفى صداعك وصوتًا جميلًا يترنم لك ومنديلًا يمسح دموعك ومانعًا للصوت والضوضاء يحجب عنك الضوضاء ومستشارًا حكيمًا تلجأ إليه وهى الصديقة والأم. والقاعدة تقول إن الرجل العادى يحتاج إلى امرأة عادية وانت لست كذلك فابحث عن امرأة استثنائية مثلك قال الشاب الناجح: مستحيل أجد هذه الزوجة. قال مصطفى امين: كل امرأة تحب بصدق ممكن أن تكون هذه الزوجة؟.. وكل حبيب له وسيلته للتعبير عن حبه لمن يحب وأفضلهم هذا.. الذى يترجم حبه إلى موقف وهناك من يتكلم ومن يقدم وردة.. ومن يكتفى بإخلاصه وثباته على المبدأ لا يتغير ولا يستبدل وقد قال الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) «ما انفقه الرجل على أهله فهو صدقه وأن الرجل ليؤجر من اللقمة يرفعها إلى فم امرأته.. وأن فى اللقمة ترفعها الزوجة إلى فمها لأجر لزوجها الذى سعى فى سبيلها». وهذا هو رأى الدين فى الحب.. وبتوقيع الحبيب المحبوب معلم البشرية معنى الحب (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ). وقد قال الله سبحانه وتعالى « يا داود ابلغ أهل الأرض أنى حبيب لمن احبنى وجليس لمن جالسنى.. ومؤنس لمن أنس بذكرى وما احبنى عبد من قلبه إلا قبلته لنفسى وأحببته حبًا لا يتقدمه أحد من خلقى.. ومن طلبنى بالحق وجدنى ومن طلب غيرى لم يجدنى.. يا أهل الأرض هلموا إلى كرامتى وائتنسوا بى اؤانسكم واسارع إلى محبتكم». فهل يعرف ارباب سيدى الدبدوب.. أن فهمهم للحب مغلوط ومنقوص وقاصر.. وإن كانت الهدية عنوانًا من عناوين المحبة لكن لمن؟ فلا تخدعوا أنفسكم وانظروا إلى الحب بمعناه الرحب المطهر العظيم الواسع. وما تحاب اثنان فى الله إلا كان أحبهما إلى الله اشدهما حبًا لصاحبه.. وقد قال الله سبحانه وتعالى فى حديثه القدسى عن نبيه ( صلى الله عليه و سلم ) «حقت محبتى للذين يتزاورون من أجلى وحقت محبتى لمن يتحابون من أجلى وحقت محبتى للذين يتناحرون من أجلى». فهل وصلت الرسالة يا من عرفتم الحب عن طريق عمرو دياب وإليسا وهيفاء. ونسيتم أن «الله محبة».. وأنه يحمى الحب النقى الصادق بحمايته.. بعيدًا عن هذه الأكاذيب!