حالة من الجدل شهدتها الأوساط الكنسية القبطية الأسبوع الماضى، بعد موافقة مجمع القاهرة للكنيسة الإنجيلية المشيخية على رسامة المرأة «قسًا» لأول مرة فى تاريخ إحدى الكنائس المصرية، وعلى الرغم من أن القرار ليس نهائياً، ويتطلب موافقة السينودس الأعلى للكنائس الإنجيلية المصرية، فقد فتحت هذه الموافقة – فى حد ذاتها – بابًا كبيرًا للمناقشات ما بين مؤيد ومعارض حتى داخل الكنيسة الإنجيلية، وسط رفض صريح وقاطع من الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية للفكرة نفسها. فى البدايه أوضح د. القس صفوت البياضى رئيس الطائفة الإنجيلية أن موضوع رسامة المرأه قسًا تمت مناقشته من خلال مجمع القاهرة للكنيسة الإنجيلية المشيخية فى مصر، وهو أحد مجامع السينودس الثمانية للكنيسة، وقد وافق المجمع على إمكانية رسامة المرأة المستوفية للدراسات اللاهوتية «قسًا»، مضيفًا أنه ستعرض هذه الدراسة على السينودس الأعلى للكنائس الإنجيلية وهو السلطة الأعلى للكنيسة المشيخية فى 27 إبريل القادم للحصول على موافقته، مشيرًا إلى أنه سبق لهذا السينودس أن أقر رسامة المرأة شيخًا وهى الرتبة التى تمثل قادة الكنيسة مع القساوسة، مما يمهد الطريق لرسامة المرأة قسًا. وأشار البياضى إلى أن مناقشة تولى النساء هذا المنصب ليست بجديدة، بل تعود إلى حوالى خمس سنوات مضت تم خلالها كثير من الدراسات والمناقشات حول هذا الموضوع. أما عن الأسباب التى دعت لاتخاذ هذا القرار فى هذا التوقيت قال البياضى إننا نؤمن بأن المرأة مساوية للرجل فى كل المهام، بدليل أن دستورنا الحالى ساوى بين الرجل والمرأة فى جميع المناصب، فإذا كان يمكن للمرأة أن تجلس على منصة القضاء وأن تتولى منصب رئيس الجمهورية، فكيف نمنعها من تولى المناصب القيادية فى الكنيسة؟! الرأى للشعب وأشار البياضى إلى أن هذا القرار لن ينفذ مباشرة وأنه فقط لإزالة العوائق التى تمنع المرأة من تولى هذا المنصب، وأضاف لابد أن نعلم أن اختيار من يتولى منصب القس سواء من بين الرجال أو النساء يتم من خلال الشعب، وإذا رفضت كنيسة فى الصعيد فى الوقت الحالى رسامة امرأة لهذا المنصب فهذا متروك لها، ويمكن لكنائس فى القاهرة اختيار امرأة للعمل كقس حيث سيكون المنصب بالانتخاب كما هو الحال فى كل المناصب الكنسية فى الكنيسة الإنجيلية، عموما قد تكون المرأة أقرب لمثيلتها من السيدات فى رعايتها وخدمتها، وبالتالى قد تجد من يدعمها من النساء لتولى هذا المنصب. وأكد البياضى أن هذا المنصب ليس بجديد فى التاريخ الكنسى حيث نجد أن الكتاب المقدس أشار إلى سيدة تدعى فيبى كانت خادمة فى الكنيسة، وفى قصة السامرية فإن هذه المرأة هى التى دعت المدينة بأكملها للإيمان بالمسيح، وكذلك المريمات كن أول من تلقى البشارة بقيامة المسيح ونقلوها إلى الرسل والتلاميذ، مشيرًا إلى أن النص فى الكتاب المقدس على أن تلاميذ المسيح أقاموا «قسوسًا» فى الكنيسة لا يعنى اقتصار المنصب على الرجال ولكن هذا اللفظ يشمل الرجال والنساء. وأضاف البياضى هناك كنائس إنجيلية فى الغرب وصلت فيها النساء ليس فقط لمنصب القس ولكن أيضًا لدرجة الأسقفية التى هى أعلى درجة فى الكنيسة. أما عن المهام التى ستقوم بها المرأة عند تولى المنصب أكد البياضى أنها نفس المهام التى يقوم بها الرجل من حيث الوعظ والعماد والتناول والافتقاد وكل الواجبات المكلف بها الراعى. ونفى البياضى وجود نساء تقدمن لشغل الوظيفة حتى الآن، مشيرًا إلى أن هناك كثيرات من المؤهلات لشغل منصب القس واللاتى حصلن على دراسات فى اللاهوت، وأضاف لدينا أكثر من دكتورة تدرسن للرجال الذين سيصبحن قساوسة، وبالتالى فهن مؤهلات لأداء الوظيفة ومنتظرات صدور قرار من المجمع بذلك، مشددًا على أن هذا القرار خاص بالكنيسة الإنجيلية ولا يلزم أية كنيسة أخرى فى مصر، وهو ما سيرفع الحرج ويمنع أى شقاق قد يحدث فى هذا الصدد. وتوجهنا بعد ذلك للدكتور القس إكرام لمعى رئيس المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيلية وسألناه لماذا سيامة المرأة قسًا؟ فأجاب لأنه ببساطة عقيدة الكنيسة الإنجيلية تؤكد على أن الرجل والمرأة متساويان أمام الله، وأنه لا يوجد رتب بين كل أعضاء الكنيسة ولكن وظائف، فالقس وظيفة، والشيخ – وهو عضو مجلس إدارة الكنيسة – وظيفة، وكذلك الشماس وظيفة، وبالتالى هذه وظائف وليست رتباً متدرجة، فالجميع متساوون، والاختلاف فى المواهب والوظائف. وأضاف لمعى أن القس وظيفته التعليم، ولذلك لا توجد مشكلة فى العقيدة الإنجيلية لتولى المرأة أى منصب فى الكنيسة، وحاليًا هى تتولى بالفعل منصب الشماسية ومنصب الشيخ منذ سنوات، ولم يتبق لها إلا منصب القس. مجتمع محافظ وأشار لمعى إلى أن المشكلة فى الحوار الذى يدور حاليًا فى الكنيسة الإنجيلية يتلخص فى أن هناك عددًا كبيرًا من القادة يعتبرون أن المجتمع الذى نعيش فيه غير مؤهل لمثل هذه الخطوة، لأننا نعيش فى مجتمع محافظ والمرأة فيه مواطن درجة ثانية، مشيرًا إلى أن هناك نسبة من النساء فى الكنيسة الإنجيلية يرفضن تولى المرأة منصب القس فى هذه الظروف. وأضاف لمعى أن هناك رأيين فى هذه القضية الأول يقول إنه يجب على الكنيسة أن تكون رائدة فى المجتمع، وأن تقدم نموذجًا لدور المرأة فى الكنيسة، وتقود المجتمع نحو المساواة بين الرجل والمرأة من خلال السماح للنساء بتولى هذا المنصب الكنسى، والرأى الثانى يقول إنه يجب أن نتريث لأن المجتمع المصرى والكنسى غير مؤهلين فى الفترة الحالية لمثل هذه الخطوة. وأشار لمعى إلى أن النساء بالفعل يتقلدن منصب الشيخ فى الكنيسة الإنجيلية على المستوى المحلى منذ السبعينيات من القرن الماضى، عندما قام د. القس لبيب مشرقى برسامة امرأتين لمنصب الشيخ فى كنيسته بمصر القديمة، ولكن الكنيسة العامة وقتها رفضت هذا التحرك لكن القس مشرقى أصر على الخطوة التى قام بها، واستمر العمل بهذا الأمر داخل كنيسته قبل أن توافق الكنيسة العامة قبل سنوات على رسامة المرأة شيخًا فى الكنيسة الإنجيلية، مؤكدًا أن معظم الكنائس الإنجيلية فى الخارج خصوصًا فى أوروبا وأمريكا تتم فيها رسامة النساء قسوسًا، مشددًا على أن المرأة تستطيع أن تقوم بكل المهام التى يقوم بها الرجل، فهى الآن أصبحت رائدة فضاء وتقود الطائرات، ووصلت لمنصب القضاء، وأضاف ليس شرطًا عندما ترسم المرأة قسًا أن تعمل كراع فى الكنيسة لكن يمكنها أن تعمل كمرشد روحى للمرضى فى المستشفيات أو المدارس، وفى تدريس الدين فى كليات اللاهوت، ويمكن البدء بمثل هذه النوعية من العمل، مشيرًا إلى أنه للكنائس المحلية الحق فى رفض أو قبول تولى النساء لهذا المنصب حتى ولو وافقت الكنيسة العامة. وأضاف لمعى أن الكنيسة الإنجيلية تؤمن بالكهنوت لجميع المؤمنين، مشيرًا إلى أنه فى الكتاب المقدس كان هناك نساء من ضمن الرسل السبعين مثل مريم المجدلية ومريم أخت لعازر وغيرهن كثيرات، وفى الكنيسة الأولى كانت هناك خادمات مثل فيبى وبريسكلا وغيرهن. وأكد لمعى أن هناك عددًا من الدارسات فى كلية اللاهوت مؤهلات للقيام بهذه الوظيفة، مشيرًا إلى أنه يوجد بالفعل عدد من خريجات الكلية تمكنهن ممارسة الوظيفة فور موافقة السينودس الأعلى للكنيسة على تولى النساء منصب القس، معربًا عن توقعاته بنجاح النساء فى هذا المنصب مثلها مثل الرجال تمامًا مع الاحتفاظ بالطبع بالفروقات الشخصية بين النساء والرجال. واستبعد لمعى أن يثير القرار مشكلة بين الكنيسة الإنجيلية من جانب، وبين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية من جانب آخر، مشددًا على أنه قرار داخلى يخص الكنيسة الإنجيلية فقط. أما عن قبول المجتمع لسيامة المرأة قسًا أشار لمعى إلى أن هذا القبول عملية نسبية، لأن المجتمع يوجد به اختلافات كثيرة من حيث المستوى الثقافى والاجتماعى والفكرى، وبالتالى ستتقبل نسبة من المجتمع الفكرة وتشجعها، فى حين لن تلقى الفكرة تأييد فئات أخرى وهكذا. نساء رائدات من جهتها قالت د. نادية حليم رئيس رابطة السيدات بالطائفة الإنجيلية إنهم كرابطة عامة للسيدات يدعمن رسامة المرأة للقيام بكل الوظائف الكنسية وليس فقط منصب القس، مضيفة إلى أنه على ضوء ما لدينا من معلومات خاصة بوضع المرأة فى الكتاب المقدس فليس هناك ما يمنع ذلك، ولكن يظل الرأى النهائى لأصحاب القرار فى الكنيسة على ضوء ما يرونه مناسبًا، وأضافت على نحو شخصى فإننى أؤيد هذا القرار. أما عن الصعوبات التى يمكن أن تواجه النساء التى سوف تضطلع بهذه الوظيفة، قالت حليم إننا نتوقع أن تواجه أية ريادة نسائية فى أى منصب سواء داخل الكنيسة أو المجتمع الكثير من الصعوبات سواء فى تقبل المجتمع لدورها أو التشكيك فى قدرتها على الأداء، وأضافت بما أن الكنيسة جزء من المجتمع فمن الطبيعى أن تواجه كل من تتولى هذا المنصب فى بداية الأمر ذات المعوقات، ومن الصعب افتراض أن كل المجتمع على درجة واحدة من القبول لهذا العمل بالنسبة للمرأة. وأكدت نادية أن تاريخ الكنيسة الإنجيلية شهد وجودًا نشيطًا وحيويًا للنساء فى الخدمة، وهناك نساء رائدات كثيرات داخل الكنيسة، وأضافت للعلم فإن كل الوظائف الكنسيه تقوم المرأة بالمساعده فيها دون أن تتم سيامتها بصورة رسمية، ومنصب الشيخ فى الكنيسة الإنجيلية وهو يساوى منصب الراعى تتولاه بالفعل امرأة منذ سنوات وقد سبق ووافق السنودس على ذلك، مشددة على أن هناك دائمًا نساء مؤهلات من خريجات كلية اللاهوت للقيام بهذه الوظيفة. على الجانب الآخر قال الأنبا يوحنا قلتة إن سيامة امرأة قسًا أو عدم سيامتها ليست عقيدة من الإيمان وليست عقيدة لاهوتية إنما هى قضية اجتماعية وتاريخية، وأضاف أن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية تمنع سيامة المرأة كاهنًا لأسباب تاريخية وليست عقائدية، فالتقليد يقول إن السيد المسيح لم يضم إلى صفوف الاثنى عشر تلميذًا أو السبعين رسولًا امرأة، كما أن دور المرأة فى الأسرة والمجتمع لا يقل أهمية عن دور الكاهن، كذلك فإن طبيعة المرأة لا يناسبها مهمة الكهنوت وهذا فى حضارتنا وفى تراثنا الشرقى، مضيفًا أنه فى الغرب فقد ذهبت بهم الحضارة الحديثة طرقًا شتى، وفلت منهم زمام الحرية فاقاموا من النساء كهنة وأساقفة، بل ذهبت بعض الكنائس إلى عدم منع الزواج المثلى، وهذه الأمور كلها ثمرة العقلية الغربية التى أسقطت كثيرًا من التقاليد الموروثة، وأسقطت مفهوم الكهنوت الذى هو خدمة وعطاء وأبوه روحية. وأكد قلتة أن المرأة فى الإيمان المسيحى مساوية للرجل فى الحقوق والواجبات، ولكنها تختلف فى التكوين النفسى والبيولوجى، مضيفًا أن رسالة المرأة أسمى رسالة فى الأمومة وتربية الأجيال، ولا ينتقص قدرها عدم سيامتها كاهنًا أو أسقفًا بل يحافظ على خصوصيتها فى الأمومة والأسرة. وبالتالى – والكلام مازال على لسان الأنبا قلته – فالكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية حسمتا الأمر وسارتا على سيرة المسيح له المجد فللمرأة كرامتها ودورها فى الحياة ولكن لا تتفق طبيعتها مع رسالة الكهنوت. أما بالنسبة لتساؤل المؤيدين لرسامة النساء كهنة من أن المسيح نفسه حل فى بطن العذراء فلماذا يتم منع النساء من وظيفة الكهنوت؟ أجاب قلته بأن المسيح قد حل فى بطن العذراء ورفع من قدر الأمومة ولم يطلب من العذراء مريم عمل الكهنوت أو الرسالة الكهنوتية، وأضاف المسيح ظهر لامرأة (مريم المجدلية) بعد قيامته وكلفها بتبليغ رسالة القيامة للرسل، وبذلك تكون رسالة المرأة ليست أقل شأنا وكرامة من رساله الكهنوت. وأكد قلتة أنه لا يوجد نص فى الكتاب المقدس يقول إنه قد تمت رسامة نساء شمامسة أو كهنة أو أساقفة، بل على العكس فإن سفر أعمال الرسل أشار كثيراً إلى دورها العظيم فى الخدمة الاجتماعية وفى رعاية الأسرة والمجتمع. أسرار الكنيسة السبعة من جهته أكد القمص صليب متى ساويروس عضو المجلس الملى العام أن الكهنوت فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية سر من أسرار الكنيسة السبعة، ويكون هذا السر لتنفيذ الأسرار الستة التى تسبقه، وهى أسرار المعمودية، الميرون، الاعتراف، التناول، مسحة المرضى، والزواج، والكنيسة عندما حددت هذه الأسرار كان ذلك تنفيذًا لكلمات السيد المسيح الذى وجه تلاميذه «الرجال» قائلاً لهم: «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس»، وبالتالى فقد اختص السيد المسيح الرجال دون النساء فى هذه الخدمة والرعاية لما تطلبه من جهد شاق لا يتفق مع تكوين المرأة. وأشار صليب إلى أن هناك أسرارًا وخدمات فى الكنيسة لا يجوز للمرأة الأرثوذكسية أن تتمتع ببركتها وحضورها فى أيام معينة طبقًا لطبيعة المرأة، لما تطلبه هذه الأسرار المقدسة من طهارة كاملة لا تتيح للمرأة فى ظل هذه الظروف أن تمارسها، وأضاف حتى فى إتمام سر الزواج فى الكنيسة يجب أن تكون المرأة بعيدة عن أيام دورتها الشهرية. وأشار صليب إلى أن تكوين المرأه بحكم طبيعتها وأنها تقوم بالحمل والولادة، وهناك أيام معينة لا يجوز لها فيها التناول من الأسرار بعد الولادة، وبالتالى فإذا كانت ممنوعة من ممارسة هذه الأسرار فى تلك الفترة، فكيف تقوم بتنفيذها بنفسها؟ وأكد صليب أن سر الكهنوت يندرج تحته الدرجات الثلاث: الشماسية والقسيسية والأسقفية، ولا يجوز للمرأة طبقاً لتعاليم الكنيسة الأرثوذكسية أن تتولى إحدى هذه الدرجات لما سبق وتم إيضاحه. وفى الوقت نفسه – والكلام مازال على لسان القمص صليب – فإن للمرأة المسيحية الأرثوذكسية دورًا كبيرًا فى خدمات الكنيسة، فهى عضو بالمجالس الكنسية والملية، بالإضافة لدورها الريادى فى خدمة السيدات والشابات، وهى تساعد الآباء الكهنة فى زيارة المرضى، وقد سمحت الكنيسة للنساء بالرهبنة دون أن تنال «سر الكهنوت»، كما أن هناك مكرسات تقمن بالخدمة الاجتماعية، وفى زمن السيد المسيح نفسه كانت هناك نساء تقمن بالخدمة ونشر الإنجيل، ولم يتم تكليفهن بخدمة الكهنوت أو سلطان الحل والربط. أما بالنسبة لقرار الكنيسة الإنجيلية فهذا شأن خاص بهم، ولا يستطيع أحد التعليق على قرارهم، ولكن الجدير بالذكر أن الراعى فى الكنيسة الإنجيلية لا يقوم بممارسة الطقوس الدينية والأسرار الكنسية كما هو الحال فى الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية.