بعد إعلان فشل المحادثات الثنائية بين مصر وإثيوبيا حول أزمة سد النهضة، أكد وزير الرى د. محمد عبد المطلب أن موقف إثيوبيا المتعنت والرافض لتشكيل لجنة من الخبراء الدوليين للإشراف على تنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية يدفع مصر إلى تنفيذ السيناريوهات البديلة للتعامل مع الأزمة. وأكد د. عبد المطلب أن مصر سعت لحل يرضى جميع الأطراف خلال محادثات أديس أبابا، والاتفاق على ورقة لبناء الثقة، إلا أن إثيوبيا رفضت جميع المقترحات. تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى هيلى مريم ديسالين أكدت الموقف الإثيوبى المتعنت، وأن موقف حكومته من سد النهضة ثابت ولن يتغير. وقد بدا واضحًا أن إثيوبيا تتعمد كسب الوقت ليصبح السد أمرًا واقعًا، بعد أن شرعت فى بناء جسم السد كما تؤكد صور الأقمار الصناعية. وبذلك تضعنا إثيوبيا أمام المعادلة الصعبة، وهى أن نموت من العطش أو نوقف بناء السد. وقد بدأت مصر أولى خطواتها التصعيدية للحفاظ على حقوقنا المائية بإصدار بيانات رسمية للدول الكبرى والمؤسسات المالية المانحة ومنظمات المجتمع المدنى لإظهار المراوغة الإثيوبية، كما يبدأ عدد من الوزراء جولات مكوكية حول العالم لإظهار الصورة الحقيقية. وأحد الخيارات المطروحة أمام مصر اللجوء للدول الصديقة لإثيوبيا والممولة للسد، وعرض تقرير اللجنة الثلاثية عليها، والعمل على إعاقة التمويل وتوضيح حقيقة أن إنشاء السد تم بدون دراسات مكتملة. أيضًا لدى مصر من القوة الناعمة ما يجعلها قادرة على تشكيل ضغط قوى على إثيوبيا، من خلال دول الخليج التى لديها استثمارات كبيرة فى إثيوبيا. وكذلك فتح قنوات اتصال وتفاوض مع إسرائيل فى محاولة لجعلها تتخلى عن مساندة إثيوبيا فى بناء السد، ولا شك أنه توجد أوراق ضغط لدى مصر يمكن من خلالها التفاوض مع إسرائيل. ويمكن أن تضغط مصر بمنع مرور سفن الدول التى تدعم إثيوبيا فى بناء السد من قناة السويس، فإثيوبيا خالفت القانون الدولى بإنشاء سد دون الإخطار المسبق لدول المصب، فالسد يهدد مصر بالجفاف والعطش، وعندها لن يتم اعتبار وقف عبور السفن مخالفًا للقوانين الدولية. كما لا يمكن أن نغفل عن أهمية دور الكنيسة المصرية وأهمية تواصلها مع إثيوبيا نظرًا لقوة العلاقات التاريخية بين الكنيستين والتى تعود جذورها إلى القرن الرابع الميلادى، فكنيسة الإسكندرية هى الكنيسة الأم لكنيسة إثيوبيا، وأمام البابا تواضروس مهمة كبيرة فى التوصل لحل المشكلة. كما يمكن توصيل رسالة للعالم بأننا فى حالة حرب مع إثيوبيا، وسيدفع ذلك الأممالمتحدة لتشكيل لجنة تحكيم، ستقر بحق مصر الأصيل فى حصتها التاريخية من مياه النيل. أما اللجوء لاستخدام القوة فاستبعده الخبراء العسكريون، وأكدوا أن الحل العسكرى فى الوقت الحالى لن يجدى، وأن المواثيق الدولية واحترام مصر للمعاهدات سيجعلنا غير قادرين على توجيه ضربة عسكرية لإيقاف بناء السد، كما أن المناخ الدولى غير مهيأ لمثل هذه الضربة. وفى تصريحات للمتحدث العسكرى العقيد أحمد محمد على قال: «إنه من المبكر الحديث عن عمل عسكرى لحل قضية سد النهضة خلال الوقت الراهن»، وأضاف: «الملاذ العسكرى عادة يكون الخيار الأخير فى كل أزمة». وقد تردد الحديث عن توجيه ضربة وقائية وأن ذلك من حق مصر لتعطيل بناء السد لسنوات، ولكن هذا يمكن أن يفسره المجتمع الدولى على أنها جريمة عدوان، رغم أن الأممالمتحدة لم تتفق على تعريف جريمة العدوان، ولكن يجب أولًا دراسة تداعيات الموقف الدولى من مثل هذه الضربة الوقائية، فقد يجعل ذلك الأممالمتحدة تفرض عقوبات أو تتخذ قرارات ضد مصر. إن التعنت الإثيوبى أجهض أى تقدم فى المفاوضات حول سد النهضة، فلا توجد إرادة سياسية لدى الجانب الإثيوبى للتوصل لحلول تقرب وجهات النظر، والوقت ليس فى صالحنا، والمسألة أصبحت على أعلى درجات الأهمية للأمن القومى المصرى. لكننا سنظل على يقين وقناعة أن مصر ستظل هبة النيل، ولن تفلح إثيوبيا أو سد النهضة فى تهديد حياة مصر، فهذا أمر دونه أشياء كثيرة.