حسنا فعل السيد الرئيس عدلى منصور عندما قرر البدء بالانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، حيث تحتاج البلاد فى تلك الفترة الحاسمة إلى رئيس منتخب من الشعب وقادر على إعادة الاستقرار السياسى والأمنى للمجتمع، فضلا عن الإسراع بتنشيط عجلة الاقتصاد القومى تمهيدا لأن يجنى الشعب الثمار الإيجابية لثورتيه فى كل من يناير 2011 ويونيو 2012. وحسنا أيضا أن استجاب المشير عبد الفتاح السيسى للرغبة الشعبية فى الترشح لمنصب الرئاسة، فإذا كان الشعب هو مصدر السلطات، فقد كشف عن إرادته ورغبته فى ثلاث مناسبات مختلفة لا يمكن لأى شخص منصف أو موضوعى أن يغمض عينيه إزاءها، وقد كانت الأولى فى الثالث من يوليو 2012 عندما احتشدت الملايين فى ميادين مصر المختلفة، والثانية فى الإقبال الجماهيرى بنسبة غير مسبوقة عند الاستفتاء على الدستور، ثم كانت الأخيرة فى الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير. فالأمر واضح ولا يحتاج لكل هذا الجدل البيزنطى الذى اتحفنا به بعض المتفذلكين من «النخبة» على شاشات بعض الفضائيات أو صفحات الجرائد. فالشعب يريد السيسى، وواجب عليه أن يستجيب لتلك الإرادة، كما أنه مواطن مصرى يتمتع بكافة حقوقه القانونية.. وله حق الترشح فى الانتخابات بعد أن يستقيل من منصبه الحالى الذى يمثل عائقا قانونيا فى ممارسة السياسة، مثله مثل السادة القضاة أو ضباط الشرطة. ومن جهة أخرى، وعلى خلاف ما ردده البعض.. لا يوجد عائق ولا مخالفة دستورية فى ذلك، فالدستور الذى وافق عليه الشعب بأغلبية ساحقة يقول فى مادته (141) يشترط فيمن يترشح رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين وألا يكون قد حمل أو أى من والديه أو زوجته جنسية دولة أخرى، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى منها، وألا يقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية. وعندما يتقدم المشير السيسى باستقالته من منصبه الحالى كوزير للدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، سوف يصبح شخصا «مدنيا» ومواطنا مصريا يتمتع بكافة حقوقه المدنية والسياسية، كما نعلم جميعا أنه وولداه وزوجته لا يحملون أى جنسية لدولة أجنبية، لأنه- ببساطة- القانون كان يمنع ذلك بحكم وظيفته السابقة. هذا عن حق الترشح من البداية، أما قبول الترشح، فالمادة (142) من الدستور واضحة أيضا فى ذلك، حيث نصت على «يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكى المرشح عشرون عضوا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يزيد ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى خمس عشرة محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة. والمعنى أن هناك بديلين لتزكية المرشح لهذا المنصب الرئاسى، أولهما تأييد عدد من أعضاء مجلس الشعب، والثانى عدد من المواطنين من عدة محافظات وبحد أدنى ألف من كل منها. وإذا كان مجلس النواب غير موجود، لسبب نعلمه جميعا، فالبديل الآخر متاح.. بل متوافر.. وقد كشف عن نفسه فى المناسبات الثلاث السابق الإشارة إليها.. ومدى علمى أن هناك حملة توقيعات تجرى حاليا لتزكية السيسى للترشح ويتوقع أن يصل عددها إلى عدة ملايين وليس 25 ألفا فقط. وقيل أيضا كيف وأين سيؤدى الرئيس المنتخب «القسم» أو اليمين! واقترح البعض أن يتم ذلك بعد انتخاب مجلس النواب الجديد! ولست أفهم.. ألم يقرأ البعض من هؤلاء الجدليين الدستور أو أن بعضهم قرأه ولم يفهمه؟. فنص المادة (144) من الدستور واضح ومفهوم، ولا جدال مع النص، مثل ما قررته المواد السابقة أيضا، حيث أوضحت بجلاء فى الفقرة الثانية منها «ويكون أداء اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا فى حالة عدم وجود مجلس النواب». إذن فالنصوص الدستورية واضحة لا غموض فيها، والدستور كما يعلم الجميع هو الوثيقة الأساسية التى تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أى بين الرئيس والشعب، فضلا عن تحديد السلطات الرئيسية للدولة وبيان اختصاصاتها. فيا أيها المفتيون.. قضى الأمر الذى فيه تفتون.. فالشعب طلب من السيسى أن يترشح، واستجاب الرجل، ولا عوائق دستورية أو قانونية فى ذلك. *** هذا عن مرشح الشعب المشير السيسى.. فماذا عن منافسيه؟.. فى رأيى- وقد لا يعجب البعض- أنه من الأفضل أن يكون هناك مرشحون منافسون للمشير السيسى، وذلك لعدة أسباب: أولا: بصرف النظر عن التأييد الشعبى الجارف للسيسى والذى كشفه النزول المتكرر للجماهير فى الميادين المصرية فى ثلاث مناسبات مختلفة، هو أننا نطبق القواعد والآليات الديمقراطية التى يسير عليها العالم أجمع، وهو الاحتكام ل «الصندوق».. أى صناديق الانتخابات التى سوف يدلى بها الناخبون بأصواتهم لاختيار الرئيس القادم، فالصناديق هى التى ستحكم بين المتنافسين على هذا المنصب الرفيع. ومنها أيضا أن يعلم كل متنافس «حجمه» فى المجتمع، وقديما قالوا «عند الامتحان.. يكرم المرء أو يهان».. فهناك من يدعى صفة غير موجودة، وهناك من حصل على «عدد» معين من الأصوات فى انتخابات سابقة.. كانت لها ظروف خاصة، ولابد أن يعرف هؤلاء وغيرهم موقف الجماهير منهم بعد أن تغيرت تلك الظروف.. وانكشفت المواقف وباتت النيات على حقيقتها! ثالثا وهو الأهم: أن الانتخابات الرئاسية نريدها رسالة إلى كل مزايد خارجى على الشعب المصرى.. ليعرف أن مصر دولة قانون، فلا تزكية ولا تفويض، وإنما منافسة بين مرشحين.. فى عملية انتخابية حرة وعلنية ينظم كافة إجراءتها الدستور والقانون.. *?* وختاما إذا كان أهل مكة أدرى بشعابها، فنحن أدرى بمصلحتنا، فالشعب هو مصدر السلطات، والمجتمع يصحح أوضاعه من آن لآخر.. وقد فعلها فى ثورتين متتاليتين.. وهو أمر عادى وطبيعى ويحدث فى كل المجتمعات، ونحن لا نخترع العجلة فى ذلك، وإنما نقوم بما قام به غيرنا من قبل حتى تستقيم الأمور ويعود لمصر أم الدنيا استقرارها وتعود للشعب بهجته..