نجحت إسرائيل فى استغلال الخلاف الداخلى الفلسطينى لصالحها لتعلن عن رفضها التفاوض حول ملف القدس باعتباره خارج إطار المفاوضات ومحاولة إظهار الرئيس الفلسطينى عباس أنه غير قادر على التفاوض بزعم عدم سيطرته على شعبه، ومن خلال توسيع عمليات الاستيطان فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية توجه إسرائيل رسالة واضحة مفادها أن التغييرات على أرض الواقع تؤكد أن دولة فلسطين لن تقوم لها قائمة فى الضفة الغربية، لهذا يشعر الشعب الفلسطينى رغم مرور 49 عاماً على نضاله الفلسطيني الأسبوع الماضى بخيبة الأمل، فقط أصبح شاهداً على أكبر حركة تهويد لأراضيه من قبل الاحتلال الإسرائيلى الذى أحكم قبضته على القدس بتهويد رسمى لشوارعها وبناء المزيد من المستوطنات، وتكثيف الجهود الصهيونية فى الاستمرار بالحفر والتنقيب أسفل المسجد الأقصى ليكون الستار الذى يخفى ورائه النية المؤكدة لهدم الأقصى سواء بوسيلة طبيعية أو صناعية. ويأتى هذا تزامنًا مع حركة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين التى تشهدها السجون الإسرائيلية، تلك الحركة التى كانت أحد الشروط الفلسطينية من أجل البدء فى مشروع المفاوضات، ومن هنا تكون الحكومة الإسرائيلية قد أظهرت قدرتها للعالم بعد إضعافها للسلطة الفلسطينية الوطنية وإحكام قبضتها عليها، أنها غير قادرة على وقف عملية الاستيطان وعمليات الاقتحام المتكررة وقتل المزيد من الفلسطينيين، بهدف التقليل من مصداقية القيادة الفلسطينية أمام الشعب الفلسطينى وتغيبه أمام المجتمع الدولى أيضاً. ومن هنا أعلنت السلطة الفلسطينية مؤخرًا عن طريق المكتب الإعلامى لحركة فتح أن الشعب الفلسطينى، يعيش حالة حرب جديدة، يطلقون عليها «حرب التهويد» أو الحرب الديموجرافية، تلك الحرب التى ولدت من رحم الهيستريا الاستعمارية للاحتلال الإسرائيلى، وعادت الحكومة الإسرائيلية مع ما تفعله فى القدس وباحة الأقصى إلى تجديد مخطط تهويد الجليل، واستعرت الحرب الديموجرافية على الرغم من أن الإحصائيات الرسمية فى إسرائيل، تشير إلى أن الفلسطينيين والعرب فى إسرائيل والقدس والضفة الغربية وقطاع غزه لا يمثلون أكثر من 21 % فقط من الإسرائيليين، وأن هناك ثمانية ملايين يهودى مقابل 1,658 مليون فلسطينى فقط مما لايشكل أى خطر على الشعب الإسرائيلى، لكن الرغبة المحمومة عند إسرائيل وقياداتها بتسريع الخطوات التى من شأنها مضاعفة أعداد اليهود فى فلسطين التاريخية ومحو معالم كل ما هو فلسطينى وعلى رأسها المسجد الأقصى، وأصبح هناك أثنان وعشرون ألف وحدة استيطانية أغلبها فى مدينة القدس. وعلى الجانب الفلسطينى، أكد القيادى الفتحاوى بمكتب القاهرة د. أيمن الرقب أن المستوطنين الصهاينة يريدون بناء هيكلهم فى باحات المسجد الأقصى. وما يهدد الأقصى هى الحفريات التي تقوم بها الحكومة الصهيونية تحت المسجد الأقصى مما ينذر بسقوطه كما أشار إلى أن إسرائيل تعلم جيدًا أن الواقع العربى الحالى يصب فى صالحها وكذلك بالطبع الواقع الفلسطينى، ولهذا تقوم بحالة إضعاف للقيادة الفلسطينية لتملى شروطها عليها، مراهنًا على أن فتح لو حدث للمسجد الأقصى أى ضرر أو أغلق الأفق السياسى سيكون لها دور يغير الخارطة. كما أوضح أستاذ القانون والنظم السياسية والقيادى الفتحاوى د. جهاد الحرازين، أن القضية ليست بجديدة ولكن ليس بمقولة هدم الأقصى ما يجرى من حفريات تحت المسجد الأقصى هى من يهدد بهدم الأقصى، لذلك تسرع إسرائيل بهذه الوتيرة من خلال الحفريات تاركة أمر الانهيار إلى عوامل طبيعية كالزلازل أو حتى زلازل اصطناعية ناتجة عن مجموعة من التفجيرات، مؤكدًا أن الخطر الأكبر يتمثل فى قضيتين أساسيتين الأولى بالحفريات المتواصلة لأجل تزوير التاريخ ووضع مجموعة من الآثار أو المخطوطات ودفنها أسفل المسجد الأقصى حتى تحاول إسرائيل إعادة الفكرة المزعومة بإقامة الهيكل المزعوم أسفل المسجد الأقصى، والحالة الثانية تتمثل بخطر الاستيطان الذى يلتهم الأرض الفلسطينية وخاصة فى القدس حتى أصبحت القدس الآن معزولة عن محيطها الجغرافى العربى بعازل استيطانى من خلال مجموعة المستوطنات التى تقيمها لعزل القدس بالإضافة إلى مجموعة الإجراءات التى تتخذ بحق المواطنين الفلسطينيين القاطنين بالقدس، من خلال سحب الهويات من المقدسيين وطردهم وفرض الضرائب الباهظة ومنع ترميم المنازل والبيوت، كل تلك الاجراءات التى تتخذها الحكومة الصهيونية بهدف القضاء على الهوية الفلسطينية لهذه المدينة. وأكد حرازين أن هذه الممارسات الإسرائيلية تلقى الدعم الصهيونى العالمى وخاصة رجال الأعمال الصهاينة والذين يقدمون سنويًا أكثر من مليار ونصف المليار دولار لدعم المشاريع الاستيطانية فى القدس، وكل تلك الأفعال لازالت تمارس حتى هذه اللحظة فى ظل عدم وجود أى دعم عربى أو إسلامى للمدينة المقدسة وأهلها ورغم ما أقرته مؤتمرات القمم العربية من إنشاء صندوق خاص لدعم القدس وأهلها إلا أن ذلك كان بمثابة حبر على ورق، وعلى الرغم من هذا تحاول السلطة الفلسطينية جادة من خلال التواصل مع الأشقاء العرب والمسلمين من إيجاد سبل لدعم القدس وأهلها إلا الأمر يتطلب تكاتف الجميع ووقفة حقيقية للدول الإسلامية والعربية تجاه المدينة المقدسة وأهلها خاصة بدعم أهلها لمواجهة المشاريع الاستيطانية والتهويدية. ودعا حرازين إلى توجيه الاستثمارات العربية للقدس وزيارة المدينة المقدسة بالإضافة إلى اتخاذ قرارات حاسمة تجاه الاحتلال فى ظل استمراره فى غطرسته وإجراءاته فى المدينة المقدسة، كاللجوء الى المؤسسات الدولية وفرض المقاطعة على مختلف أشكالها، مؤكدًا على أن الرئاسة الفلسطينية تتواصل مع الأشقاء العرب والمسلمين والمؤسسات الدولية لأجل حماية القدس والدفاع عنها ونقل كل ما يحدث فيها وتتخذه سلطات الاحتلال من إجراءات لتهويد المدينة، ولن يتورع الفلسطينيون عن اللجوء إلى أى وسيلة للدفاع عن مقدساتهم وخاصة القدس الشريف، مضيفًا أن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم بل هى للعرب والمسلمين ،وهذا ما يدفع الرئاسة الفلسطينية لأن تتمسك بمواقفها تجاه هذه القضية وتوجيهه الرسائل والمناشدات للعالم وللأمتين العربية والإسلامية لدعم القدس والحفاظ على هويتها العربية والإسلامية داعيًا إلى ضرورة تكاتف كافة الجهود العربية والإسلامية والثورية للوقوف بجانب الفلسطينيين والمقدسن من أجل إنقاذ القدس «درة التاج».