عندما تطالب الإمارات الغرب برفع العقوبات المفروضة على إيران.. ويحضر الرئيس الإيرانى روحانى مؤتمر دافوس الذى يشارك فيه نتنياهو.. وعندما نلاحظ انطلاق يد إيران فى العراق وسوريا ومناطق أخرى فى المنطقة.. ندرك مدى التحولات التى يشهدها الشرق الأوسط الجديد!! فإيران كانت ومازالت تحتل الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى - وطنب الصغرى - وأبو موسى).. ومع ذلك أطلقت الإمارات دعوتها برفع العقوبات عن إيران والمتابع المدقق لعلاقات البلدين يعلم أن حجم التجارة بينهما يتجاوز 12 مليار دولار سنويًا.. بل إن الإمارات خلال فترات الحصار والعقوبات الطويلة على إيران ظلت القناة الرئيسية لوصول واتصال طهران بالعالم الخارجى. وعندما حدث الاتفاق الأخير بين الغرب وإيران.. وبين إيرانوالولاياتالمتحدة.. وربما كانت هناك ترتيبات خلفية بين إيران وإسرائيل.. حدث كل هذا وانفتحت أبواب كثيرة لنشر النفوذ الإيرانى فى المنطقة. بما فى ذلك الدول التى كسبتها طهران بالفعل.. خاصة العراق وسوريا.. فانطلق الفارس الفارسى لتعزيز وجوده وتأكيد نفوذه فى هذه الدول بحنكة وبراعة وخفة دبلوماسية واضحة! وقد علا صوت شيعة العراق.. وسارعت الولاياتالمتحدة بتقديم الدعم العسكرى والسياسى لحكومة المالكى فى مواجهة الإرهاب.. فى مناطق السُنة.. فى الأنبار.. كما سارعت بدعم نظام بشار الأسد على الأرض.. خاصة مع تراجع دور المعارضة ومحاربة الجماعات المسلحة. ولم يكن الجيش السورى النظامى ليكسب أرضاً جديدة كل يوم إلا بدعم قوى من إيران وحزب الله.. وليس غريبًا أن إيران وأذرعها فى المنطقة يمتلكون قدرات استخباراتية وعسكرية متميزة.. إضافة إلى الخبرات السياسية والدبلوماسية التى تمتلكها طهران.. عبر القرون ومنذ الفرس مما خلق تراكمات هائلة استثمرتها طهران فى حربها الطويلة مع الغرب وفى نشر نفوذها بالمنطقة. وكما يقول جون برادشو الباحث بمركز «national security network» (فإن إيرانوالولاياتالمتحدة يتقاربان بدرجة كبيرة على أسس براجماتية لأنه ليس لديهما خيارات أخرى). والباحث المدقق يعلم أن البراجماتية أو النفعية إحدى السمات الأساسية للنظام الأمريكى.. فلا التزام بالمبادئ والمثل والأخلاقيات.. ولكن الاهتمام الأول بالمصالح والمنافع المتبادلة وكيفية توظيفها لخدمة البلدين.. بل وتجاوز الخلافات تكتيكيًا ومرحليًا. كما أن مفهوم «التقّية» فى المذهب الشيعى يمنح إيران قدرة على المبادرة وإظهار سياسات وإطلاق تصريحات تتماشى مع الواقع.. حتى لو تناقضت مع جوهر المذهب الشيعى ومع الهدف الاستراتيجى لدولة الملالى. ونتيجة لهذا بدأ الطرفان – بعد الاتفاق النووى – التعاون فى معالجة بعض النزاعات الإقليمية.. ومنها العراق وسوريا وربما يفتح هذا الباب لتهدئة الأوضاع فى لبنان وفلسطين.. والسماح بتمرير الاتفاق الفلسطينى الإسرائيلى.. وغض الطرف عنه. خاصة أن حماس قد تراجع نفوذها وقدراتها كثيرًا.. ولم يعد لديها مجال واسع للحركة والمناورة.. حتى عبر الأنفاق. وربما تكون أفغانستان مجالاً آخر للتفاهم والتعاون بين البلدين.. لأن واشنطنوطهران لا تريدان عودة طالبان، وكلاهما يتضرر من مخدرات أفغانستان التى تتسلل من خلال إيران إلى الغرب والمنطقة أيضًا، إذا فالمطلوب تحجيم طالبان وتلجيم تجار المخدرات.. وتحقيق التوازن الدقيق بين نظام كابل وطموحات طالبان.. هذه اللعبة شديدة التعقيد والخطورة هدفها تجميد مواقف الأطراف الأفغانية الداخلية عند درجة معينة.. لا ينتصر فيها أحد.. ولا ينهزم بصورة ساحقة ماحقة. أما على الساحة الخليجية فمن الواضح أن الاتفاق الغربى الإيرانى.. قد فتح المجال لعودة الدفء أو فتح باب تطبيع العلاقات بين طهران والعواصم الخليجية. ورغم أن هناك علاقات جيدة وقديمة بين طهران وعمان وقطر.. فإن المجال بدأ يتسع ليشمل الإمارات وربما الكويت والسعودية.. والبحرين فى مرحلة لاحقة. ويجب ألا ننسى الأقليات الشيعية ذات النفوذ التجارى والاقتصادى فى بعض دول الخليج، وهى تمثل قنوات للتواصل والاتصال بين الطرفين. وقد ينعكس ذلك على تهدئة الأوضاع لدى الطائفة الشيعية المدعومة من طهران فى البحرين. بمعنى آخر.. فإن إيران تلعب بكل أوراقها فى المنطقة.. بما فى ذلك الأقليات الشيعية فى الخليج.. حتى لو تم ذلك على أسس تجارية واقتصادية. وكلنا يشهد أن إيران تجاوزت مرحلة الحصار والعقوبات فعليًا وبدأت تسعى لتطوير انطلاقتها الدبلوماسية والسياسية وتدعيم نفوذها فى المنطقة بموافقة ومباركة العم سام!! لذا فإننا أمام تحول استراتيجى للعلاقة الغربيةالإيرانية عمومًا والإيرانيةالأمريكية خصوصًا.. ويشمل ذلك تفاهمات تضمن أمن إسرائيل أولاً وقبل أى طرف آخر. وقبل شهور معدودة كانت إيران تهدد بمحو إسرائيل وأعلنت أنها متأهبة لإطلاق عشرات الصواريخ بعيدة المدى نحوها، كانت تلك تصريحات أحمدى نجاد قبل وصول روحانى إلى الحكم. ومن الواضح أن الإيرانيين يجيدون لعبة تصعيد القيادات وإخفائها من المسرح السياسى للقيام بأدوار محددة.. فى توقيتات محددة. فقد أدى نجاد دوره المرسوم له على أكمل وجه وجاء «روحانى» ب «روحانية» جديدة مدروسة ومقصودة.. ليس فقط لتهدئة اللعب مع الغرب، بل لكسب أرض ونفوذ جديد فى إطار الشرق الأوسط. إنها لعبة يجيدها الكبار.. وقد استجمعت فيها إيران (الإسلامية) ميراثها التاريخى (الفارسى) الطويل واستثمرت كل هذا لتأكيد مكانتها فى المنطقة.. بينما يتراجع آخرون نتيجة انشغالهم بمشاكلهم الداخلية وهمومهم المعيشية.. إضافة إلى المؤامرات التى تحاك ضدهم.. وربما تشارك فيها طهران فى بعض الأحيان. *** فهل نتعلم من الفارس «الفارسى الإسلامى» دروسًا نستفيد منها فى معالجة أزماتنا واستعادة دورنا؟!.. ليت الساسة ورجال الدين والعلماء ورجال الاقتصاد يشاركون فى صناعة تجربة مصرية خاصة بنا.. نعلِّم بها العالم.. كما نتعلم من الآخرين.